هل الاقتصاد الأمريكي في طريق مسدود؟

28/07/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

منذ عام 1948، لم ينكمش الاقتصاد الأمريكي لربعين متتاليين دون الإعلان عن الركود، إلا أن هذه القاعدة قد تذهب أدراج الرياح اليوم عندما يصدر تقرير صباحي في واشنطن عن أرقام الناتج المحلي الإجمالي، نحاول في هذه المقالة الاستباقية استشراف معالمه، حيث نعتقد أن الاقتصاد الأمريكي سينجو بصعوبة من الركود في الربع الثاني بفعل بعض المكونات الاقتصادية التي لا تزال تعمل بقوة، وربما يجادل البعض بأن الاقتصاد انكمش للربع الثاني على التوالي بناءً على النتائج الرسمية، إلا أن هذا لا يعني بحال أن الولايات المتحدة غرقت بالفعل في ركود. 

من المحتمل أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بوتيرة سنوية هزيلة 0.3٪ في الأشهر الثلاثة الممتدة من أبريل إلى يونيو، وسيكون هذا هو الانكماش الثاني على التوالي، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 1.6٪ في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، ويعني انكماش ربعان متتاليان من الناتج المحلي الإجمالي في النظرة الكلاسيكية أن الاقتصاد دخل في حالة ركود، إلا أن استخدام التعريف الأوسع لحالات الركود يشير إلى أن القاعدة العامة لا تنطبق، فالولايات المتحدة لا تُظهر الإشارات الواضحة المعتادة للاقتصاد المتعثر مثل زيادة تسريح العمال والبطالة المتزايدة وتراجع الأجور والدخل، ووفقًا لمعظم المقاييس، لا يزال الاقتصاد الأمريكي يتوسع، ولكن ببطء، حيث  يظل نمو الوظائف على سبيل المثال قوياً.

تمثل قراءات الناتج المحلي الإجمالي الضعيفة في النصف الأول من العام لغزًا للعديد من الاقتصاديين وقادة الاحتياطي الفيدرالي، إذ لا يصدق البعض بصراحة الأرقام في ضوء قوة سوق العمل والمستوى الثابت للإنفاق الاستهلاكي، وأحد مصادر الشكوك هو زيادة إجمالي الدخل المحلي GDI في الربع الأول بنسبة 1.8 ٪، وهذا المؤشر يعطي صورة أكثر دقة للاقتصاد من الناتج المحلي الإجمالي GDP  عندما يظهر الرقمان تباعدًا واسعًا، ولسوء الحظ، لن يكون رقم GDI للربع الثاني متاحًا حتى تتم مراجعة التقرير بعد شهر من الآن.

ربما كان الإنفاق الاستهلاكي ألمع جزء من الاقتصاد خلال الربع الثاني، فهو المحرك الرئيسي للنمو في الولايات المتحدة، حتى في مواجهة أعلى معدل تضخم منذ 41 عامًا، فقد زاد الأمريكيون الإنفاق الحقيقي بنحو 1٪ أو أكثر.. صحيح أن هذا ليس رقمًا كبيرًا بأي حال من الأحوال، فقد ارتفع الإنفاق بنسبة 1.8٪ و 2.5٪ و2٪ في الأرباع الثلاثة السابقة، لكنه يكفي للإشارة إلى اقتصاد لا يزال يتوسع، إذ يعد استقرار إنفاق المستهلك سبباً مقنعاً للتشكيك في أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرئيسية. 

بطبيعة الحال، لا تخفى بعض هذه التفاصيل عن مجموعة الاقتصاديين الثمانية في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، والمكلفون بتحديد متى تبدأ فترات الركود ومتى تنتهي، حيث يأخذ هؤلاء الاقتصاديون، غير المعروفون في الغالب للجمهور، مجموعة واسعة من العوامل لتحديد ملامح الركود وحدوثه بالفعل في الواقع العملي، ويركزون بشكل خاص على التوظيف والبطالة والتصنيع والدخل والإنفاق المعدل للتضخم، ولا يُظهر أي من هذه المؤشرات بوضوح أن الولايات المتحدة تنزلق إلى الركود، بل إن بعضها مثل نمو الوظائف القوي يجادل ضدها.

وبالرغم من ذلك، فإن هناك الكثير من الأخبار السيئة أيضًا، فالربع الثاني أسوأ من الربع الأول بشكل ملحوظ، ولكن، كيف ذلك؟، ربما تكون الشركات خفضت الاستثمار والإنتاج، وهي إشارة واضحة للتشاؤم بشأن المستقبل، كما جفت أعمال البناء الجديدة مع ارتفاع معدلات الرهن العقاري، وفي بعض الحالات، تقوم الشركات التي تعاني من فائض المخزونات بإعادة التخزين بوتيرة أبطأ، ويمكن أن يؤدي تباطؤ الإنتاج وحده إلى تحويل القراءة الإيجابية للناتج المحلي الإجمالي إلى قراءة سلبية، كما انخفض الإنفاق الحكومي في الربع الثاني وهذا عائق آخر، في المقابل، هناك جانب إيجابي يتمثل في انخفاض العجز التجاري من أعلى مستوى قياسي في الربع الأول وقد يضيف هذا الأمر إلى الناتج المحلي الإجمالي.

 
 
 
 
خاص_الفابيتا