الحبوب الأوكرانية.. والخيارات البديلة

30/07/2023 4
د. خالد رمضان عبد اللطيف

لم تكتف روسيا بالحرب العبثية المستمرة منذ قرابة عام ونصف، تلك الحرب التي دمرت الأخضر واليابس في أوكرانيا المحاصرة، فقررت الأسبوع الماضي تجميد اتفاق تصدير الحبوب عبر الموانئ الأوكرانية، وفاقمت الأزمة أكثر الأثنين الماضي بتهديد الطرق البديلة للتصدير، وذلك عندما دمرت موسكو في هجوم بالمسيرات، استمر أربع ساعات، مستودعاً للحبوب على نهر الدانوب، كان شرياناً رئيسياً لنقل البضائع، مما يرفع من منسوب المخاوف العالمية بشأن إمدادات السلع الأساسية، ويطلق حالة من الغموض بشأن إمكانية سيطرة البنوك المركزية على غول التضخم، وبالنسبة لشركات الشحن التي تبحث عن طريقة لجلب الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، فإن الخيارات باتت مستمرة في التراجع، وقد يؤدي الأمر إلى زيادة الضغط على أسعار الغذاء العالمية.

تسعى روسيا بكل الطرق لاستنزاف موارد كييف المالية، وإيصال رسالة للغرب بأن الموانئ الأوكرانية ملك لروسيا، وذلك عبر فتح جبهة جديدة تستهدف صادرات الحبوب التي تذهب من خلال طريق بديل وآمن بسبب قربه من رومانيا، الدولة العضو في الناتو، ومن المرجح أن يكون لهذا الاعتداء الروسي تبعاته، فقد يغلق الطريق البديل تماماً، مما سيفاقم من أسعار أقساط التأمين، وسيشل قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب التي ارتفعت 17 % مقارنة بأسعار ما قبل تجميد الاتفاقية التي مكنت أوكرانيا من تصدير حوالي 33 مليون طن من المواد الغذائية، لكن، الخبر الجيد في الموضوع هو أن الأسواق العالمية تملك إمدادات كافية بسبب الحصاد القوي في البرازيل واستراليا، ومع ذلك، فإن النقص طويل الأجل في صادرات أوكرانيا سيجعل الأسعار متقلبة أكثر خاصة في حالة الجفاف أو الفيضانات أو الكوارث الطبيعية.

يتزامن التصعيد الروسي مع ايقاف الهند، أكبر منتج للأرز، صادرات الأرز الأبيض غير البسمتي، بسبب رغبة نيودلهي في تأمين المنتج الحيوي للشعب الهندي، بعدما أضر الطقس القاسي بالإنتاج وتسبب في ارتفاع الأسعار المحلية، وحتى قبيل إنهاء الكرملين لاتفاقية البحر الأسود الأسبوع الماضي، كانت كييف تعتمد بشكل متزايد على طرق بديلة لصادراتها عن طريق البر وعبر نهر الدانوب، ثاني أطول نهر في أوروبا، مما جعل شركات الشحن تتحول إلى هذه الخيارات تحسباً لانسحاب روسي متوقع من اتفاقية البحر الأسود، ومن البديهي، أن يلقي الهجوم الروسي بظلال الشك على تلك الخيارات، وربما يؤثر على أقساط التأمين البحري باهظة التكلفة، والتي كانت مرتفعة بالفعل.

ربما يقرر بعض مالكي السفن السفر إلى الموانئ الأوكرانية حتى في ظل ارتفاع المخاطر، شريطة تلقي تأكيدات من الحكومتين الروسية والأوكرانية بعدم شن هجمات جوية موانئ البحر الأسود، وإذا كان نهر الدانوب خيارًا أكثر أمانًا، إلا أن هناك حدودًا لمقدار الحبوب التي يمكن تصديرها عبره، نظرًا لحدود السعة في الموانئ، وحركة المرور الاحتياطية عند المعابر الحدودية، ونقص الوقود والطرق المتضررة، بالإضافة إلى أن نهر الدانوب أقل عمقًا من البحر الأسود، وهذا يعني أن هناك حاجة إلى العديد من السفن الصغيرة لنقل نفس الكمية من الحبوب التي تناسب سفينة عملاقة مسافرة عبر البحر الأسود، فبدلاً من سفينة واحدة، تحتاج إلى 20 سفينة، وإذا كان الاتحاد الأوروبي سيوفر التمويل اللازم لخطوط السكك الحديدية الجديدة لتسهيل تدفق البضائع عبر نهر الدانوب، إلا أن ذلك سوف يستغرق سنوات، ومهما حدث من توسعات، فإن نهر الدانوب لن يحل محل موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، ولن يقترب حتى من كفاءتها التشغيلية.

مع تضاؤل خيارات المصدرين، لن يكون أمام المزارعين الأوكرانيين خيار سوى تخزين بعض محاصيلهم، وسيكون لديهم قدرة أقل للاستعداد لحصاد الموسم المقبل، مما يعني أنه حتى لو تمكنت روسيا وأوكرانيا من إعادة صياغة اتفاق مرضي، فإن الإنتاج الأوكراني سيكون أكثر محدودية، والحقيقة، أن تجميد اتفاقية الحبوب ستمتد أضراره إلى ثلاثة دول بالتحديد وهى الصين وتركيا ومصر، باعتبارها أكبر المستفيدين من صفقة الحبوب، وعلى سبيل المثال، فقد حصلت الصين على حوالي 20 % من وارداتها من الحبوب الأوكرانية، وبالنسبة للتأثيرات الأوسع نطاقاً، فإنه لايوجد تهديد أمني فوري للتدفقات التجارية الأخرى، ولا نعتقد أن أي شركة تأمين ستحاول اقتناص فرصة تمرير الحبوب عبر البحر الأسود باعتبارها مخاطرة مربحة، لأن التصدير سيكون مقيدًا بدرجة كبيرة جداً، لهذا حان الوقت لموقف عالمي جامع يضع حداً لاستهداف الدب الروسي المتواصل لقدرات أوكرانيا، والتي تعوقها عن امداد العالم باحتياجاته من الحبوب، فهده الضربات التي تجاوزت خطورتها قتل المدنيين تتخذ الآن من فقراء العالم رهينة، عبر التهديد بمضاعفة حدة أزمة الغذاء العالمي إذا لم يتبنوا وجهة النظر الروسية من هذا الصراع العبثي.

 

 

 

خاص_الفابيتا