الإستراتيجية والنزعة للمخاطر

23/03/2022 0
هادي عبد الواحد آل سيف

وضع الإستراتيجية Strategy-setting يوضح التطلعات الإستراتيجية للمنظمة حول رؤيتها vision ورسالتها /مهمتها mission وقيمها values ويوصل أهداف المنظمة بطريقة واضحة وتحديد التوجه. كما أن وضع الإستراتيجية يوضح مصدر الميزة التنافسية competitive advantage للمنظمة كما تم التعبير عنها من خلال قدراتها المميزة والبنية التحتية/الأساسية infrastructure اللازمة لتنفيذ تلك القدرات capabilities بنجاح. بالتالي فإنه يركز على الكيفية التي سيخلق بها المنظمة قيمة لمساهميها وعملائها وموظفيها وأصحاب المصلحة الآخرين وذلك خلال أفق زمني محدد. فالعديد من المنظمات لا تدمج تخطيط إدارة المخاطر مع تطوير الإستراتيجية. هذا ما نعقد أنه من الأمور الخاطئة. فمن الأهمية بمكان أن يتم تحديد نقاط الضعف، ومحركات الخسارة والتناقضات المتأصلة في الأهداف الاستراتيجية للمنظمة والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الأداء وتؤثر سلباً على التنفيذ Execution. 

بمجرد تحديد المخاطر ذات الصلة/العلاقة، يتم تحديد مقدار المخاطر التي تكون المنظمة على استعداد لقبولها في متابعة الإستراتيجية (والمقصود هنا، أن تكون المخاطر التي يمكن قبولها من قبل المنظمة محددةdefined  ومعتمدة من قيادة المنظمة متمثلة في مجلس الإدارة) وهو ما يقودنا إلى مفهوم "نزعة المخاطرة" Risk appetite للمنظمة.

هناك العديد من الخيارات المتاحة للإدارة في وضع الإستراتيجيات التي تؤثر على قيمة المنظمة. أحد هذه الخيارات هو التفكير وبشكل صريح في نزعة/رغبة الإدارة للمخاطر من خلال موائمة المخاطرة مع أفضل ما تتميز بفعله المنظمة. 

مع كل تغير إداري في المنظمات يسعى كل رئيس تنفيذي CEO بعدد من المبادرات التي تهدف إلى بناء قيمة للمنظمة. هذه المبادرات تتعلق بالسعي للدخول لأسواق جديدة، أو الاستثمار في منتجات جديدة، والابتكار من خلال التكنلوجيا، أو السعي للاستحواذ أو الاندماج مع كيان آخر. 

ويمكن القول، وبشكل ضمني أن كل هذه المبادرات هي تمثل نزعة/رغبة المدير التنفيذي ومجلس الإدارة في المخاطرة. 

ينبغي أن تكون النزعة للمخاطرة إستراتيجية، وذلك لأنها تمثل تعبيراً مشتركاً من قبل الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة عن مستوى عدم التيقن الذي على استعداد لتحمله بينما يتوقعون العائد/المكافأة من تنفيذهم للإستراتيجية.  

وفقاً لــ COSO ERM Framework فإن النزعة للمخاطرة هي "مقدار المخاطر، وعلى نطاق واسع، التي تكون المنظمة مستعدة لقبولها سعياً وراء القيمة" هذه الجملة يتم استخدامها كدليل إرشادي في وضع الإستراتيجية strategy-setting، وتقدم الحدود boundaries التي تتم فيها إدارة المخاطر. أما بالنسبة لمعيار المخاطر BS 31100 فالنزعة للمخاطرة تقود لتعريف أهداف المخاطر، وترتبط ارتباطا وثيقاً بتوفير التوجيه الإستراتيجي strategic direction بشأن الإدراك المناسب للمخاطر في عملية اتخاذ القرارات. 

في الواقع، عندما تُنفذ المنظمة إستراتيجيتها، فإن أهدافها توفر السياق لفهم المخاطر التي سوف تختار أن تُقدم عليها.

في هذا السياق، تعد النزعة للمخاطرة أداة مفيدة لتقييم الخيارات الاستراتيجية والتواصل communicating مع مجلس الإدارة، وفي نهاية المطاف مع مجتمع المستثمرين. 

الحوار/النقاش بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة حول النزعة/الرغبة للمخاطر يساعد على تحقيق التوازن حول المخاطر التي تعتبرها المنظمة مقبولة وبين تلك التي تنوي تجنبها. فهو يقدم إطار عمل framework للإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة لفهم المستوى المطلق absolute level للمخاطر التي تكون المنظمة على استعداد لتحملها في تنفيذ إستراتيجيتها، بالإضافة إلى أنواع وطبيعة المخاطر التي تعتبر مخاطر عالية. والأهم من ذلك، هو عند تركيز الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة على الخيارات الإستراتيجية، يجب أن تتوائم وتتناسب الخيارات الإستراتيجية مع نزعة/رغبة المنظمة للمخاطر. فالنزعة/الرغبة في المخاطرة تعد جزءاً مهماً من عملية اتخاذ القرار الاستراتيجي. والتساؤل هنا، لماذا؟ ونجيب لاعتقادنا بأن النزعة/الرغبة في المخاطرة تمثل "وجهة نظر واقعية" للإدارة التنفيذية، فهي تقدم العديد من الرؤى حول أسئلة مثل:

-ما هي المخاطر التي نسعى لخوضها ولماذا؟

-ما هي المخاطر التي نود تجنبها ولماذا؟

-هل هناك مخاطر نقوم بإدارتها أفضل من المنافسين؟ وما هي؟ وكيف نعرف أننا نُديرها بشكل أفضل؟ 

-هل تفحصنا نموذج الأعمال business model الخاص بنا وتأكدنا من موجود أوجه عدم تيقن متأصلة/كامنة inherent ونحتاج لفهمها؟ 

-ما هو مستوى المخاطر الذي نرغب في تحلمه؟ 

-ماهي التطورات والتغيرات المستقبلية أو المخاطر الناشئة التي يمكن أن تغير الافتراضات التي قامت/استندت عليها إستراتيجية المنظمة؟ 

-كيف نريد أن نؤدي الأعمال؟ مثلاً، كيف نتواصل داخلياً وخارجياً، لنعكس مستوى الالتزام بالسلوك المقبول لممارسة الأعمال؟ 

بالنسبة لبيان النزعة/الرغبة للمخاطرة risk appetite statement، والمتوافق مع الإستراتيجية، فإن هذا البيان statement في حال كان مُعد بشكل جيد، ومصمم بشكل جيد well-articulated فإنه يقدم فرصة للإدارة التنفيذية بأن توضح لمجلس الإدارة وبقية المنظمة نزعة/رغبة المنظمة للمخاطر. بالتالي الحفاظ على التركيز الاستراتيجي وتجنب "الانحراف في التوجه الاستراتيجي". 

فاستراتيجية المنظمة يجب أن تخضع تحُكم/حوكمة Governed لاستعداد المنظمة لقبول المخاطر في سعيها إلى خلق قيمة value creation، فضلاً عن قدرتها capacity على تحمل المخاطر. هناك مخاطر متأصلة في نموذج الأعمال Business model لكل منظمة لتنفيذ استراتيجيتها. ولكن ما علاقة نموذج الأعمال بالاستراتيجية والميزة التنافسية للمنظمة؟ حسنا، نموذج الأعمال الملائم أو الناجح، هو النموذج الذي يستثمر/يستغل المجالات التي تتفوق فيها المنظمة بالنسبة إلى منافسيها، بما في ذلك المخاطر التي يجب اتخاذها في تنفيذ الاستراتيجية. وهنا يمكن طرح الأسئلة التالية: 

-ما هي العلاقة المفضلة بين القدرة capacity على تحمل المخاطر والنزعة لأخذ المخاطرة (النزعة للمخاطر)، وهل تعكس الإستراتيجية هذه العلاقة؟ 

-هل المخاطر الكامنة في الإستراتيجية تتوافق مع نزعة المنظمة للمخاطر؟ 

-هل هناك توافق بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة بالنسبة للمخاطر التي يرغبون في تجنبها عند تنفيذ الإستراتيجية؟ 

-هل من المنطقي أن تتحمل المنظمة جميع المخاطر التي يُمكن تحملها دون ترتيبات (احتياطي أو مخصص) تتعلق برأس المال والموارد لحالات الطوارئ والفرص الاستثمارية؟ 

-هل هناك جوانب معينة في الإستراتيجية قد تكون غير واقعية وتؤدي لتحمل مخاطر غير مقبولة؟ 

نعتقد أن الإجابة على مثل هذه العينة من الأسئلة بموضوعية قد تزيد من تحسين عملية القرارات. 

ماذا يُمكن أن نستفيد هًنا في سياق وضع الإستراتيجية؟ من المهم أن يكون هناك فهم على قدرة المنظمة على تحمل المخاطر، بالتالي، وضع نهج يتسم بأنه منضبط وذلك لحماية قيمة المنظمة مع أهداف المنظمة الطموحة المحددة من خلال وضع الإستراتيجية.

 ويمكن وضعها على شكل نقاط وهي:

-تحديد المخاطر المتأصلة في الإستراتيجية.

-وضع وترتيب الأولويات. 

-تحديد المخاطر الناشئة.

-تحديد مصادر الخطر.

وضع آلية حوار بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة حول النزعة للمخاطر وتحمل المخاطر. والسؤال هنا، ما هي المخاطر التي يتم الحوار من أجلها ويتم التركيز عليها؟ هل هي كل المخاطر التي تواجه المنظمة أو المخاطر التي تتسم أنها مخاطر إستراتيجية؟  وهذا موضوع المقالة القادمة.

 

 

 

خاص_الفابيتا