ختمنا المقالة السابقة وهي بعنوان "الإستراتيجية والنزعة للمخاطر" بأهمية وضع آلية حوار بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة حول النزعة للمخاطر وتحمل المخاطر، ثم أعقبها السؤال التالي ما هي المخاطر التي يتم الحوار من أجلها ويتم التركيز عليها؟ هل هي كل المخاطر التي تواجه المنظمة أو المخاطر التي تتسم أنها مخاطر إستراتيجية؟ وهذا هو موضوع المقال.
واحدة من أولويات لمجلس الإدارة في المنظمات هو التركيز على تحديد وإدارة المخاطر التي تتسم بأنها مخاطر إستراتيجية Strategic Risks وهي تلك المخاطر التي تؤثر على قدرة المنظمة في تنفيذ استراتيجيتها، وتحقيق أهدافها، وبناء وحماية القيمة. ولا يهدف هذا التركيز الاستراتيجي إلى تحديد كل المخاطر التي تواجه المنظمة ولكن تحديد تلك المخاطر التي قد تعيقها على تحقيق أهداف أعمالها الأساسية. وبناءً على ذلك، ينبغي أن تكون هذه المخاطر هي الأهم وذات أولية بالنسبة للإدارة العليا والمديرين وتستحق بذل وقتهم واهتمامهم.
حسناً، ما هي المخاطر الإستراتيجية في هذا السياق؟ يمكننا القول بأنها المخاطر التي لا تتلاءم/تتوافق مع نموذج الأعمال Business Model بشكل فعال أو التي يوجد هناك احتمالية في المستقبل أن يقع حدث ما أو أكثر قد يتسبب في بطلان الافتراضات الأساسية fundamental assumptions الكامنة وراء الاستراتيجية. هذا ويمكن أن تنشأ هذه المخاطر من أمور متعلقة بالعمليات الداخلية internal process، أو التغيرات في بيئة الأعمال الخارجية ذات الأثر السلبي الكبير على المنظمة بسبب تصرفات وتحركات المنافسين، وتغير رغبات العملاء، والتقدم والتحول التكنلوجي والتغيرات في الاقتصاد وأسواق المال والجهات التنظيمية ...الخ.
قد تكون هذه التغيرات ذات الأثر السلبي بمثابة كارثة للمنظمة، لماذا؟ لأنها ببساطة "مدمرة لقيمة المنظمة"، والأهم من ذلك، قد لا تكون هذه المخاطر معروفة لدى الإدارة ومجلس إدارة المنظمة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الابتكار من أي نوع كان إلى تحسين الجودة، وإنشاء/خلق أسواق جديدة، وخفض التكاليف، وتوسيع نطاق المنتجات، واستبدال المنتجات والخدمات، وتحسين العمليات بشكل كبير. فالابتكار، يمكن أن يكون مزعجاً إذا قام بتحسين منتج أو خدمة منافس بطريقة لا يتوقعها السوق غالباً عن طريق خفض السعر بشكل كبير أو تصميم مُنتجَ أو خدمة تحول من الطريقة التي يتم بها تلبية احتياجات المستهلك/العملاء. فالابتكار هنا يمكن أن يمثل فرصة أو تهديد.
عندما تغدو الاستراتيجية أكثر قوة وواقعية من خلال النظر في المخاطر الكامنة، ويتم قياس تنفيذها ومراقبتها بشكل فعال، ستزيد الإدارة ومجلس الإدارة من الثقة بأن القيمة (قيمة المساهم/قيمة حقوق المساهمين Shareholder value) لن يتم إنشاؤها/خلقها فقط، بل سيتم حمايتها أيضاً.
حسناً، نعود إلى المخاطر الإستراتيجية، ونقول بأن التركيز على المخاطر الاستراتيجية سيعزز العلاقة المباشرة والرابط الحاسم الذي يربط استراتيجية المنظمة وتنفيذ الاستراتيجية وعمليات إدارة المخاطر.
نقطة البداية، هي تقييم المخاطر الاستراتيجية Strategic Risk Assessment المصممة لتحديد المخاطر الاستراتيجية للمنظمة وخطط العمل ذات الصلة لمعالجة تلك المخاطر.
ذكرنا بأن تقييم المخاطر الإستراتيجية بأنها "المصممة"، لماذا؟ من المهم أن تكون عملية تقييم المخاطر الإستراتيجية "عملية مصممة" خصيصاً لتلبية احتياجات المنظمة وثقافتها. حيث ينبغي أن تعكس عملية إدارة المخاطر وما ينتج عنها من إعداد التقارير ثقافة المؤسسة وتكون داعمة لها. إذا لم تكن عمليات وإدارة المخاطر قد تم تضمينها/تصنيفها من مسؤولية "ملكية" owned الإدارة كجزء من عمليات الأعمال المتعلقة بهم، فسوف تفقد عملية إدارة المخاطر دورها الفعال.
التقييم الاستراتيجي للمخاطر هو عملية منهجية ومستمرة لتقييم المخاطر الكبيرة التي تواجه المنظمة. حيث أن إجراء التقييم الأولى initial assessment للمخاطر هو من الأنشطة ذات القيمة للإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة. وفي سياق حوكمة الشركات، فإن مجلس الإدارة مسؤول عن فهم استراتيجيات المنظمة والمخاطر المرتبطة بها، وضمان أن ممارسات إدارة المخاطر تتم بالشكل المناسب.
ونختم بأن دمج إدارة المخاطر في التخطيط الاستراتيجي لا يقوم بتقييم المخاطر الاستراتيجية أو حتى الحديث حول المخاطر في الاجتماعات المتعلقة بوضع الإستراتيجية فقط، فهو أكثر من ذلك بكثير. واحدة من المقولات حول النجاح، هو "أن النجاح ليس وجهة محددة أو محطة، بل النجاح هو رحلة" باعتقادنا أن الأمر ينطبق إلى حد ما على إدارة المخاطر. حيث يمكن بدء رحلة الدمج في أي عملية أو نقطة زمنية، ولكن نعتقد أن تقييم الأهداف الاستراتيجية يمكن اعتباره نقطة انطلاق جيدة والسبب في ذلك هو أنها سهلة التنفيذ نسبياً، ولكن لها تأثير فوري وهام على اتخاذ قرارات الإدارة العليا.
