الحوكمة .. تبدأ ولا تنتهي

11/10/2025 0
محمد الغملاس

بدأت الحوكمة أولاً من تأثير البيئة الخارجية على الشركة من ثقافة وقوانين صادرة، كما ارتبطت الشركات بالأجهزة الحكومية في الدول مُنذ نشأتها بشكل منظم نتيجة القوانين واللوائح الصادرة من خلالها، وتسعى الشركة دائماً إلى الاندماج والتكيف في تلك البيئة بناءً على مقوماتها ومخاطرها الداخلية التي من خلالها تَرْسَى مدونات الحوكمة الداخلية لضمان استدامتها وازدهارها، فالعلاقة بينهما علاقة طردية فكلما أصبحت البيئة الخارجية للشركة متغيرة وتشهد صدمات وفشل كلما انعكس ذلك على بيئة الشركة الداخلية وحوكمتها لتحد من تلك التحديات والمخاطر الخارجية فحجم انكشاف الشركة الخارجي في محيطها أو على مستوى العالم يعزز من حوكمتها، فالحوكمة لها وجهان حوكمة داخلية وحوكمة خارجية فالحوكمة الخارجية تؤثر إلى حد بعيد على الحوكمة الداخلية والعكس ليس صحيحاً إلى حد كبير.

تطورت الحوكمة بشكل متباين بين دول العالم بتطور أنظمتها وقوانينها من حين لآخر، إلا أن الأهداف والغايات واحدة لكل دولة، كما أن الحوكمة عامل رئيسي لنجاح رؤية واستراتيجية الدول وغالبا ما يكون للحكومات تأثير قوي على حوكمة الشركات من خلال توائم أنشطة الشركة مع الأهداف الوطنية لكل دولة، وقد ارتبط تطور الحوكمة بشكل كبير بالأزمات وحالات الفشل والفضائح في الشركات ودائما ما تحاكي الحوكمة الأفراد والعمليات في الشركة والتي تعد جوهرها، كما تعزز الحوكمة مأسسة العمل وتحقيق الأهداف، لذا تباينت أغلب دول العالم على الأطر والمحددات الأساسية لنموذج الحوكمة في بيئة الشركات في القطاع الخاص وهو ما ينطبق بدرجة كبير ايضاً على القطاعات الأخرى القطاع العام، والغير ربحي في ظل اتفاق الغايات واختلاف في بعض الأهداف لمبادئ الحوكمة ما بين تلك القطاعات، فالحوكمة ظهرت في القطاع الحكومي كقواعد وأسس من خلال الأنظمة والتشريعات التي تنظم القطاع الخاص والغير ربحي ونشأت وتطورت ونجحت في القطاع الخاص لتعود تدريجيا من القطاع الخاص إلى القطاع العام، وترتبط الحوكمة في القطاع الحكومي بقضية الإصلاح الإداري وتسعى الحوكمة دائماً الى العمل المؤسساتي بالانتقال من العمل الفردي إلى العمل الجماعي المنظم ولها بعد استراتيجي، لذا حوكمة القطاع العام أكثر شمولية وهي الأساس في حوكمة كافة القطاعات، وتتكون مستويات الحوكمة من ثلاثة مستويات:

  1. 1.  حوكمة التشريعات والأنظمة الإطار الخارجي المرتبط بالشركة أو المنظمة تليها
  2. 2.  حوكمة اللوائح والتي تُعني بتحويل التشريعات والأنظمة إلى لوائح عمل وأخيراً
  3. 3.  حوكمة العمليات والأفراد (وهي الجوهر) بتحويل اللوائح إلى عمليات وإجراءات                               ومصفوفة صلاحيات ذات كفاءة، فاعلية ومتابعة مستمرة وتقييم.

يعد تطبيق الحوكمة وسيلة لتحقيق العديد من الأهداف بشكل مباشر وغير مباشر من حيث زيادة الشفافية والنزاهة، جودة التشريعات، سيادة القانون وتحقيق مزيد من العدالة والتنمية، وقد إشارة العديد من الدراسات الى وجود علاقة قوية إيجابية بين تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة والنمو الاقتصادي وذلك من خلال التنمية الشاملة المستدامة ويعد هذان العنصران مكملين لبعض فالحوكمة الرشيدة تسعى لتعزيز النمو الاقتصادي وأن النمو يتطلب ضمان جودة الأعمال والاستمرارية والتي تعني الحوكمة الرشيدة وينطبق الحال كذلك على الشركات التي يسعى ملاكها إلي تعظيم المنافع والعوائد والاستدامة وتأتي الحوكمة وسيلة لذلك.

فتعتمد كثير من الدول على نجاح رؤيتها أو استراتيجيتها على تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة للوصول لتلك الأهداف، وأن غياب الحوكمة يجعل تلك الأهداف صعبة التحقيق من حيث مقاومة التغيير وفاعلية التنفيذ والمتابعة، حيث تتلخص الحوكمة في عنصرين أساسيين المساءلة والتوافق والتي تعني منح السلطة والمسؤولية في اتخاذ القرارات والمحاسبة عليها، أما من حيث التوافق فهو نتيجة لفصل الملكية عن الإدارة من خلال نظرية الوكالة والتي تسعى دوماً الى التوافق ما بين الإدارة ومصالح الملاك على المدى الاستراتيجي الطويل ويمكن للحوكمة أن تؤثر بشكل إيجابي على عوامل البيئة والمجتمع وتجنبها المخاطر، وتعزز من الاستدامة ويستمر تطبيق وتقييم فاعلية أنظمة الحوكمة باستمرار الوجود وتتغير بتغير البيئة الخارجية لها من أجل تحقيق قيمة طويلة الأجل.

واخيراً، تُعد الحوكمة رحلة مستمرة لا نهاية لها لكافة القطاعات فالقطاع العام يسعى دائماً إلي بيئة تشريعية متطورة تواكب التغيرات، أداة فعالة لتطبيق الاستراتيجيات، ضمان تحقيق الأهداف للحكومات وحوكمة مؤسساتها وطريق لتحقيق التنمية الشاملة، وكذلك القطاع الخاص والغير ربحي يواكب تلك التغيرات ويعمل على ضمان حوكمة منظمته بكل ما يستجد ويعزز من جودة تطبيق الحوكمة داخلياً وخارجياً على الافراد والعمليات، وتعد الحوكمة ذات نمط شمولي في البناء وتحقيق الأهداف فالحوكمة تبدأ ولا تنتهي وتبدأ من أعلى إلى أسفل في الهيكل التنظيمي، وتعتمد درجة مرونة وسهولة هذه الرحلة على الركائز الأساسية في بدايتها فكلما حُوكمة ووضعت الركائز بشكل واضح كلما أصبحت الرحلة أسهل وأشمل وقابلة للتكيف مع المتغيرات والظروف الاقتصادية، الاجتماعية والبيئة لتحد من المخاطر و تقلل من الصدمات ، كما أن الحوكمة الفعالة ليست مجرد قواعد جامدة بل نظام حيوي مستمر كدورة حياة لا تتوقف فهي تبدأ وتتطور بالمراجعة والتكيف وتنبض بالشفافية، المشاركة والمحاسبة، هذا التكامل يجعل الحوكمة أسلوباً ادارياً يسهم في كفاءة وفاعلية نجاح المنظمات.

 

خاص_الفابيتا