تعد لجنة الحوكمة والمخاطر والالتزام حديثه وغير منتشر في الوزارات، الهيئات، المؤسسات والمراكز في القطاع العام وبنطاق محدود عند الشركات في القطاع الخاص بخلاف لجنة المراجعة التي تعد جزءًا أساسيًا من هيكل حوكمة الشركة في القطاع الخاص، حيث تعد تلك الوظائف الحوكمة، المخاطر ،الالتزام والمراجعة الداخلية مفهوم متكاملاً وفعال في كفاءة وفعالية الضوابط الرقابية وتحسين درجة فاعلية المنظمة والركيزة الأساسية التي تضمن قدرة المنظمة على تجاوز التعقيدات الهادفة إلي التأكد من تطبيق أفضل الممارسات لتحقيق الأداء المنضبط في ثلاثة جوانب رئيسة(GRC) أولها: وظيفة الحوكمة بما تشمله من تطبيق مبادى الحوكمة والشفافية ووجود هيكل تنظيمي فعال ووضع السياسات والإجراءات التنظيمية المعتمدة من السلطة العليا لكل منظمة، ثانياً: وظيفة المخاطر وتتمثل في تحديد وتقييم المخاطر الداخلية والخارجية المرتبطة بالاستراتيجية، التشغيلية المالية وغير المالية وصولاً لوضع سجل المخاطر والخطط والسياسات لمواجهة وإدارة تلك التهديدات وتفاديها أو تقليل تأثيرها والمتابعة الدائمة للتأكد من الجاهزية والاستعداد لمواجهة التحديات والعمل على تحديثها بشكل دوري. ثالثاً: وظيفة الالتزام وتهدف إلي ضمان الالتزام بالقوانين واللوائح الصادرة التي ترتبط بالمنظمة والعمل على المتابعة المستمرة ورفع التقارير الدورية لأصحاب المصلحة ويعد الالتزام جزء من الحوكمة كما تعد تلك العناصر الثلاثة الأساسية الخط الثاني لكل منظمة، بينما تعد المراجعة الداخلية الخط الثالث وتمارس دور المراجعة على الخط الاول والثاني وهي نشاط إستشاري وتاكيدي يهدف لتقييم الرقابة الداخلية وإبداء الرأي المستقل.
وبالنظر إلى واقع الممارسات المحلية في القطاع العام والخاص في المملكة العربية السعودية، نجد أن القطاع الخاص أكثر وضوحاً في تنظيم وترتيب تلك اللجان من حيث نظام الشركات، لائحة حوكمة الشركات المدرجة والمبادئ الرئيسية للحوكمة في المؤسسات المالية، وقد تُطرّق بشكل تفصيلي لواقع اللجان في القطاع الخاص بمقال " تاريخ إنشاء قوانين الحوكمة على مستوى العالم، واللجان الرئيسية لمجلس الإدارة للشركات المدرجة" و" لجان مجلس الإدارة: بين الحاجة وتشتت المسؤولية والمساءلة" وسيتم التركيز على جوانب وجود اللجان والتي تعد محدودة في بيئة العمل في القطاع العام بالمملكة من حيث تكوينها وآلية تأسيسها ومرجعيتها، وأهمية وجودها لاكتمال تطبيق نموذج الحوكمة في الجهات الحكومية، فدور لجنة المراجعة ولجنة الحوكمة والمخاطر والالتزام في القطاع العام يعد مكملاً وهام لاكتمال نموذج الحوكمة ومتطلب لتحسين جودة تقديم الخدمات والمساءلة، وهي لجان ليست مطلوبة بموجب القوانين بشكل مباشر لكنها لجان تعزز من تطبيقات الحوكمة ودورها يعد جزءاً متمما لتبّني إطار حوكمة الجهات العامة، ولتأسيس تلك اللجان لا بد من وجود مرجعية وتكوين في هياكل الجهات ترفع منها التقارير والمعلومات لتفعيل دور تلك اللجان بوجود وحدات تنظيمية لوظائف الحوكمة والمخاطر والالتزام، كما أن عملية ربط الاتجاهات الثلاث من المستوى الأدنى إلي الأعلى يتيح رؤية واضحة ويعزز من التكامل في بيئة الأعمال، وبالعودة الي القطاع الخاص في المملكة نجد أن لجنة الحوكمة والمخاطر والالتزام ليست مطلوبة بموجب القوانين بشكل مباشر لكنها لجنة مطلوبة بشكل غير مباشر من حيث وظائفها الحوكمة والمخاطر والالتزام وما تؤديه من أعمال حيث يوجد عدد من الشركات المدرجة حالياً لديها لجنة الحوكمة والمخاطر والالتزام، أما لجنة المراجعة فهي أول لجنة شُكلت في بيئة القطاع الخاص بناءً على قرار من القطاع العام كمنظم، وهي تركز على جوانب الضوابط المالية بشكل رئيسي وتلى ذلك تأسيس لجان أخرى وفق الاحتياج وحجم الشركة وتطور التنظيمات من وقت لآخر.
ومن حيث واقع الممارسات لمثل تلك اللجان على مستوى العالم، ونظرًا لأن الحكومات في جميع أنحاء العالم مهيكلة بشكل مختلف فلا يوجد نموذج حوكمة واحد ينطبق على منظمات القطاع العام، فتعد دولة كندا، أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، دولاً تنص قوانينها على وجوب تشكيل لجان مراجعة قوية وذات استقلالية في المؤسسات العامة الكبيرة وأن يكون هناك ترتيبات فعّالة للحوكمة وإدارة المخاطر والرقابة الداخلية وخاصة على مستوى الحكومة الفيدرالية، وكذلك الحال في دولة فرنسا فجميع الجهات في القطاع العام ملزمة بوجود لجنة المراجعة والتي ترتبط بأعلى سلطة في الوزارة ويقدّم لها الدعم، وكذلك في التشيك وجنوب إفريقيا والسويد، ووفقًا للوائح المالية للاتحاد الأوروبي يجب أن يكون لدى كل مؤسسة لجنة لتقييم التدقيق الداخلي، وباستعراضنا لتلك الممارسات على مستوى الدول نجد أن البداية دائماً للجنة المراجعة وأن عدد من الدول القليلة مثل جنوب أفريقيا الهند ماليزيا لديها بعض الممارسات لدمج اللجان وخصوصا في الشركات الصغيرة والمتوسطة بممارسات محدودة جداً حيث يعتمد ذلك على حجم المنظمة ودرجة نضجها والقيمة المضافة وتحملها للتكاليف.
ختاماً، ولتبنّي إطار حوكمة في بيئة القطاع العام لابد من وجود لائحة لحوكمة تلك الوظائف في القطاع العام وتفعيل تلك الوظائف (الحوكمة، المخاطر، الالتزام والمراجعة الداخلية) في الهياكل التنظيمية لتلك الجهات والتي ستعزز من توفر الأدوات والهيكل المناسب لاتخاذ القرارات، إدارة المخاطر واكتشافها وتحديد التهديدات التي تعيق تحقيق اهداف المنظمة، رفع الكفاءة التشغيلية وضمان عدم تعرض المنظمة لتجاوزات او إخفاقات، كما يعد وجود تلك الوظائف أساسي لتأسيس لجنة المراجعة ولجنة الحوكمة والمخاطر والالتزام والتي تعد ركيزة أساسية للحوكمة الرشيدة ومتطلب لإرساء ترتيبات فعّالة للحوكمة، وإدارة المخاطر، والرقابة الداخلية وتطويرها، كما يجب مراعاة مبدأ التدرج بإنشاء اللجان والذي يعد أمر هام في بداية التطبيق، ونظراً لتقارب وتكامل الأدوار والأهداف فيما بين تلك اللجان من حيث الرقابة والامتثال والمخاطر فلا يوجد ما يمنع من دمج تلك اللجان في مراحل الانطلاق الاولى في بيئة القطاع العام والشركات الصغيرة والمتوسطة، فوجود مثلاً لجنة أو لجنتين بنطاق عمل وأضح وفاعلية كبيرة يعزز من آلية التفعيل والقيمة المضافة للمنظمة،
وقد تواجه المنظمة بعض التحديات منها مقاومة التغيير، القدرة على التوثيق والاتساق، تحديد المؤشرات الرئيسية، اتمتة العمليات،عدم وجود أطر قانونية تنظم إنشاء اللجان،وقد تتطلب تلك التحديات استثماراً وتهيئة أولية، خارطة طريق لتحول ثقافي شامل من التوعية والتدريب في المنظمة، كما ينبغي النظر لمرحلة التنفيذ على أنها رحلة مستمرة وليس مشروع لمرة واحدة، ومن المهم أن يتضمن تطبيق إطارGRC دراسة الوضع الراهن ومعرفة المخاطر والمتطلبات التنظيمية والضوابط الحالية ودرجة نضج المنظمة واختيار إطارعمل يتناسب مع حجم المنظمة ومستوى نضجها ويعزز من المواءمة مع أهداف المنظمة والتأكد من تطوير السياسات والإجراءات والعمل على أتمتة الأنشطة الرئيسية، نشر الوعي الدائم المراقبة والتطوير، الدعم من المستوى الأول في المنظمة، رفع التقارير الدورية، اختيار الأعضاء ذو الخبرة والمستقلين ووضع الميثاق والغايات والأهداف لعمل الحوكمة والمخاطر والالتزام والمراجعة الداخلية بإشراف من المستوى الأول في المنظمة ونشره على موقع الجهة. كما أن الفوائد المتحققة من هذا النموذج تُمكن المنظمة من تحسين الرؤية والشفافية، معالجة أوجه عدم اليقين، إدارة المخاطر، زيادة الامتثال، الحوكمة الرشيدة، العمل بنزاهة وتحقيق الاستدامة.
خاص_الفابيتا