دبي والاستدامة المالية .. التحديات والخيارات المتاحة

01/03/2010 1
محمد سليمان يوسف

قبل نحو شهرين من الآن وبالتحديد بتاريخ 19 ديسمبر 2009 كتبت مقالا هنا في "الفا بيتا" بعنوان "دبي .. شد الحزام ليس عيبا" أشرت فيه وقتها إلى القانون رقم 35 لسنة 2009 وأهميته في إعادة تنظيم ومعالجة إدارة الأموال الحكومية - الموازنة العامة - العائدة لإمارة دبي وفق رؤية جديدة بهدف مواجهة الإنعكاسات السلبية للأزمة المالية العالمية ومجابهة تحديات المرحلة .. ويبدو أن استنتاجي بأن القانون رقم 35 لسنة 2009 كان مقدمة لسياسات مالية ترشيدية – شد الحزام – كان في محله بدليل أن عجز الموازنة العامة بلغ في عام 2010 نحو 2% من إجمالي الناتج المحلي للإمارة أي بزيادة نسبتها 0.7% مقارنة مع العجز المسجل في عام 2009 والبالغ 1.3 %، أما عجز الموازنة العامة - المعتمدة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي بتاريخ 7/1/2010 - بالدراهم فكان نحو 6 مليار درهم. مما يعني أن تفعيل القانون رقم 35 لسنة 2009 كان خطوة استباقية وأصبح ضرورة ملحة لمواجهة هذاالعجز وتقليصه أوعلى الاقل منع تصاعده وامتداده مستقبلا.

مما لا شك فيه أن بداية انطلاق رحلة تفعيل القانون رقم 35 لسنة 2009 بدأت عمليا على أرض الواقع يوم الخميس الماضي الموافق 25/2/2010 وبالتحديد من نادي ضباط شرطة دبي بالقرهود حيث نظمت الدائرة المالية ورشة عمل تحت عنوان "معا لتنفيذ أمثل للموازنة" بحضور سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيس هيئة الطيران المدني بدبي رئيس اللجنة العليا للسياسة المالية لحكومة دبي ووجود أكثر من 150 من المديرين العموميين ومديري إدارات الشؤون المالية والموارد البشرية في أكثر من 40 دارة وهيئة ومؤسسة محلية أي أن جميع الجهات الفاعلة والمؤثرة ببندي النفقات والإيرادات من الموازنة العامة كانت حاضرة وجاهزة لمناقشة - المتاح والممكن – الأفكار المقترحة حول ترشيد النفقات وزيادة  الإيرادات.

إن الهدف الرئيسي من شد دبي للحزام – خطة الترشيد  الطموحة - خلال المرحلة القادمة هو تحويل العجز الذي من المتوقع أن يستمر خلال موازنات الأعوام الثلاث القادمة ( 2011 ، 2012 ،2013 ) إلى فائض في السنوات التي تلي ذلك بالإعتماد على سياسات مالية متشددة من جهة وجني ثمار انتهاء مشاريع البنية التحتية وتشغيلها بكفاءة لتحقيق مردود إيجابي جيد من جهة أخرى علما أن هذا  الهدف يجب أن لا يتناقض على الإطلاق مع توجه ساد خلال السنوات العشر الماضية والمتمثل في تقديم خدمات حكومية جيدة وكفؤة. أما الهدف السريع والعاجل من شد حكومة دبي للحزام خلال العام الحالي فهو خفض المصاريف التشغيلية للدوائر الحكومية المدرجة في الموازنة العامة بنسبة 15 % لتوفير3.7 مليار درهم كجزء من العجز البالغ نحو 6 مليار درهم وإن فعلت هذا الأمر وحققت هذا الهدف خلال العام الحالي فستكون قد حققت إنجازا مهما سيساعدها خلال السنوات القادمة على استعادة الإستدامة المالية.

لا شك أن طريق حكومة دبي نحو استعادة الإستدامة المالية مليء بالتحديات وحزمة الخيارات المتاحة امام صانع القرار قليلة وقد لخصتها "الورشة" بثلاثة خيارات أولها زيادة معدل النمو الإقتصادي وثانيها بيع جزء من الأصول وثالثها زيادة الفائض الجاري ورأت الورشة أن النجاح في تحقيق أي من هذه الخيارات قد يساعد الإمارة على استعادة الإستدامة المالية لكن المتابع المدقق في الخيارين الأول والثاني يجد أنه من الصعب خلال المرحلة الحالية توفير القوة الدافعة للنمو الإقتصادي لأسباب كثيرة مرتبطة إما بالأزمة المالية العالمية وتداعياتها أو بالثقة المتأرحجة والقلقة للمستثمر المحلي والأجنبي، أما خيار بيع الأصول بأسعار عادلة فغير متاح حاليا بسبب ظروف الأزمة وإن وجد المشتري بأسعار مقبولة فستكون الإيجابية مقتصرة على مسألة توفير السيولة لا أكثر على اعتبار أن بيع الأصول يعني تغيير شكل وطبيعة هذه الأصول دون أي قيمة مضافة، ويبدو أن الورشة متفهمة وواعية تماما لما يجري حولها ولعل هذا ما دفعها لتبني توجه يدفع باستدعاء  روح القانون رقم 35 لعام 2009 والدعوة لسياسة شد الحزام وتتويج هذه الدعوة بتنبي الخيار الثالث المتمثل بزيادة الفائض الجاري من خلال ترشيد الإنفاق الحكومي والدعوة الضمنية إما لفرض ضرائب جديدة أو زيادة قيم الرسوم والضرائب المقننة حاليا بالتزامن مع تخفيض الإنفاق الجاري.   قد يكون من البديهي القول أن تخفيض الإنفاق الجاري هو الطريقة الأسرع والأكثر مباشرة والأكثر فعالية من باقي الخيارات ولكن يجب أن لا ينسى صانع القرار المالي في دبي أن اعتناقه هذا المذهب من الخيارات والحلول سينجب له سلبيات عديدة - رئيسية وفرعية - على صعيد الاقتصاد الكلي كنتيجة لتداعيات هذه السياسة المحافظة والمتشددة على قطاعات العقار والمصارف والإستثمار والأهم البطالة وفرص العمل.