الاستثمار بشكل عام هو عملية نماء لرأس المال خلال فترة طويلة ومضنية، صحيح أن المضاربة هي "ملح السوق"، ولكن للمضاربات مساوئ أيضا، وبالرغم من إمكانية تحقيق ثروة سريعة عبر المضاربات إلا أن كثيرا ما تكون المضاربات سببا في تسجيل خسائر هائلة، وكل الإحصاءات تشير إلى أن نسبة الرابحين في المضاربات لا تزيد عن 25 % مقابل خسائر تسجلها النسبة الأخرى، وفي أسواق الأسهم كثيرا ما يحول كبار المضاربين سهما معينا في سوق ما إلى سهم مضاربة من خلال رفع سيولة السهم وزيادة مدى التذبذب، وعندما يأتي "قطيع" صغار المضاربين للمشاركة في الوليمة، يتعمد كبار المضاربين إلى تأجيج المضاربات بشكل جنوني، ويرفعون السهم إلى مستوى " الفقاعة" ثم يبدؤون عملية التصريف العنيف المصحوب بشائعات وأخبار قد يكون بعضها صحيح وقد لا يكون، ثم تبدأ عملية الهبوط المرير و"يتعلق صغار المضاربين عند أسعار عالية وتبدأ أموالهم بالتبخر، وأقرب وأفضل مثال على مثل هذه الحالة ما حصل خلال الشهر الجاري لسهم شركة أرابتك، وهذه المقدمة ضرورية لما سنكتبه لاحقا.
انتهت الرحلة الصاعدة لسهم أرابتك على الأقل مرحليا، وأصبح السهم " كرتا محروقا" لدى الكثير من المستثمرين والمضاربين، سواء أكانوا محافظ وصناديق أو أفراد، كيف لا ؟! .. وقد خسر آلاف المتعاملين بالسهم معظم مدخراتهم خاصة أولائك الذين لعبوا " لعبة شراء المكشوف " .. والآن وبعد أن انتهت " مسرحية أرابتك " هل سيسدل الستار على هذه الألاعيب أم ستبدأ مسرحية أخرى، مما لا شك فيه أن كبار المضاربين " الهوامير" لن يكتفوا بمسرحية واحدة خلال العام الواحد، وأن بطونهم بدأت تعد العدة وتهيئ المسرح لمسرحية جديدة، استعدادا لالتهام وليمة أخرى في سهم آخر، وهذه المرة بدأت عيونهم تتجه لسهم الدار العقارية، وبدأت الشائعات تتحدث عن إمكانية انتقال السيولة والمضاربات خلال الفترة القادمة إليه، طبعا، كبار المضاربين أذكياء أكثر مما نتصور وهم لا ينتقلون من سهم إلى آخر قبل التأسيس لهذا الانتقال عبر الشائعات أولا ثم تظهير هذه الشائعات عبر أجهزة الإعلام كي تتحول إلى ما يشبه الحقيقة ، وبالتالي جذب قطيع المضاربين مرة أخرى إلى سهم جديد لم يستهلك من قبل .
بعد الذي قرأناه وسمعناه الأسبوع الماضي، أنا لا أستبعد أن تنتقل السيولة إلى سهم الدار العقارية ، ولا أستبعد أن يكون هذا السهم القيادي الجيد محلا لمضاربات قوية خلال الفترة القادمة ، ولكن الذي أخشاه أن يعلب كبار المضاربين نفس سيناريو أرابتك، ولذلك، أنا وبكل بتواضع أحذر من هذا السيناريو وأتمنى من الجهات المعنية سواء أكانت الرقابية أو الإدارية ذات العلاقة، أن لا تسمح بحدوث لعبة في سهم الدار مشابهة لما جرى في سهم أرابتك نظرا لما ستتركه مثل هذه اللعبة من آثار سيئة على الأسواق المحلية.
وقد يتساءل البعض لماذا سيختار كبار المضاربين سهم الدار وليس غيره؟ ، وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نضع الملاحظات التالية تحت المجهر :
الملاحظة الأولى: أن الأجانب ( من غير العرب والخليجيين ) يشترون بقوة في سهم الدار منذ نحو شهرين ، وقد بلغ ما اشتروه خلال الشهرين الماضيين فقط نحو 2 في المئة ( حيث كانت نسبتهم اقل من 9 % وهي الآن أكثر من 11 % ) أو ما يعادل تقريبا مئة وخمسين مليون سهم، وقد عودنا كبار المضاربين على استغلال مثل هذه الحالات لرفع السهم نحو سقوف غير عادلة قبل أن تتم عمليات التصريف الكبيرة.
وقد بدأ البعض " يطبل ويزمر" لسهم شركة الدار ويغرينا بذهاب السهم إلى المقاومة الشرعية له عند 5 دراهم وربما أعلى ، وأنا بصراحة لم أفهم قصد ذلك المحلل الخبير " بالمقاومة الشرعية ".
الملاحظة الثانية : أن شركة مبادلة وخلافا للتوقعات تبيع في سهم الدار عند مستويات معينة فبعد بيعها نسبة تزيد عن اثنين في المئة قبل نحو شهر سجل المستثمرون بيعا هادئا لها لا يتجاوز 0.01 في المئة خلال الجلسة الواحدة أو ما يعادل نحو ثمانمئة الف سهم، وبالرغم من صغر حجم المبيعات إلا أنه مؤشر على نية الشركة الاستمرار في البيع ، وهذا ما يقلق بعض المستثمرين خاصة وأن كبار المضاربين غالبا ما يستغلون هكذا حالات لضرب السهم " كما حصل عندما باعت آبار نسبة من حصتها في سهم أرابتك "، ولذلك ليس مستبعدا أن يقوم كبار المضاربين بعد رفع السهم استنادا إلى شراء الأجانب – كفرضية - بضربه مرة أخرى استنادا إلى بيع مبادلة.
الخلاصة والرسائل
الرسالة الأولى للمستثمرين : سهم الدار العقارية سهم استثماري بامتياز وبقناعتي له مستقبل باهر خلال السنوات الخمس المقبلة فلا تفرطوا به لصالح المضاربين فمصلحتهم آنية ومصلحتكم النمو المستدام.
الرسالة الثانية لصغار المضاربين: لا تكرروا لعبة آرابتك في سهم الدار كي لا تكونوا ضحية الكبار كما يحدث دائما.
الرسالة الثالثة : لشركة مبادلة .. يكفي بيعا الآن .. وكونوا صانعا للسهم لا عونا للمضاربين .. ويمكنكم البيع كلما أصبح السهم فوق قيمته العادلة بدفع من المضاربات فهذا أجدى لكم وأفضل للسهم والسوق.
الرسالة الرابعة للجهات الرقابية : تمتلكون من الأدوات القانونية والتشريعية والرقابية والفنية والتنظيمية والإدارية والعقوبات والجزاءات ما يؤهلكم لمنع تكرار سيناريو أرابتك في سهم الدار فلا تتوانوا عن استخدام كل هذه الأدوات للمحافظة على هذا السهم الواعد من ضربة قاسمة.