من المعروف أن تقييم أو تحديد السعر العادل لأي سهم مدرج في أي بورصة هو عمل حساس للغاية لأنه يؤثر بشكل حاد إيجابا أو سلبا على قرار المستثمر، والمستثمر المقصود هنا ليس المؤسسات ولا الصناديق والمحافظ الاستثمارية ولا حتى "الهوامير" لأن هؤلاء لديهم كل القدرة على تحديد القيمة العادلة لأي سهم عبر مستشاريهم، المقصود هنا المستثمر الصغير الذي وضع مدخراته في سهم ما على أمل النماء والربح ولنتفق أولا وقبل المتابعة على أن هذا المستثمر الصغير بحاجة إلى حماية وأن الجهات الرقابية هي المسئولة عن حمايته.
أنا وغيري كثيرون نرى أن ما تقوم به الجهات البحثية – المخولة أو غير المخولة ، الداخلية أو الخارجية- عمل لا يرتقي إلى المستوى الأخلاقي المقبول ، أقول الأخلاقي وليس القانوني لأن القوانين والأنظمة غالبا ما تكون " مطاطة " وفيها الكثير من الثغرات التي تساعد الجهات البحثية على التهرب من المسئولية القانونية.
خلال سنوات الأزمة المالية العالمية وأثناء أزمة ديون دبي، انحدرت الجهات البحثية التي تقدم تقديراتها للقيمة العادلة إلى مستويات منحطة وسافلة أخلاقيا بل إن بعضها ارتكب جريمة بحق المستثمرين كما حصل عندما قدرت كريديت سويس القيمة العادلة لسهم شركة الاتحاد العقارية بـ 3 فلس، و بسبب هذا التقدير انخفض السهم نحو 25 % من قيمته خلال ثلاث جلسات فقط ودخل الرعب إلى قلوب صغار المستثمرين فباعوا أسهمهم و سجلوا بذلك خسائر ضخمة علما أن كريديت سويس نفسها كانت قد ذكرت في تقييمها السابق للسهم أنه يستحق 80 فلسا، ومع ذلك مرت الجريمة ولم يحاسب أحد على اقترافها والتبرير أن كريديت سويس تعمل من خارج الحدود والقوانين المحلية لا تطالها.
مما لا شك فيه أن الجريمة الأخلاقية لبيوت الخبرة مستمرة حتى هذه اللحظة ويبدو أنها ستستمر إلى ما شاء الله، و أبرز مثال على استمرارها، إقدام ثلاث بيوت خبرة على تقييم سهم العربية للطيران خلال الأسبوع الماضي، وجاءت التقييمات حسب الجدول التالي:
الغريب في هذه التقييمات أن الفارق بين تقييم المجموعة المالية هيرميس وبين تقييم الوطني للاستثمار شاسع جدا ولا يمكن هضمه ، الفارق 80 فلس، وهذا يدفعنا – كي لا نظلم أحدا- إلى وضع ثلاث فرضيات ومناقشتها والحكم عليها:
الفرضية الأولى: أن كل بيت خبرة حصل على بيانات ومعلومات عن الشركة تختلف عما حصل عليه الطرف الآخر، وإلا كيف يمكننا تفسير هذا الفارق الشاسع للتقييم خاصة وأن للتقييم ضوابط ومعايير متقاربة إن لم نقل متشابهة وموحدة، وبما أنه من الصعب القبول بأن لدى العربية نسختان من البيانات واحدة حصلت عليها هيرميس وواحدة حصلت عليها الوطني للاستثمار إذن هذه الفرضية خاطئة ولا يعتد بها .
الفرضية الثانية: أن الباحثين لدى واحدة من هاتين الجهتين غير كفء والتقييم يتم وفقا لاجتهادات وتقديرات شخصية، وأعطى تقييما غير حقيقي للسهم، طبعا هنا لا نعلم من هو الغير كفء، قد يكون باحث هيرميس غير كفء وأعطى تقييما عاليا ومخالفا للحقيقة، وقد يكون باحث الوطني للاستثمار غير كفء وأعطى تقييما منخفضا وهو غير صحيح، وإذا صحت هذه الفرضية، فإن ذلك يلزمنا بطرح سؤال ..من هو الحكم الذي يجب أن يحمي السوق من أخطاء جسيمة ترتكبها هذه الجهات وتضر بصغار المستثمرين ؟!!.
الفرضية الثالثة : أن لدى هاتين الجهتين تحيز ومصلحة في إصدار هذه التقييمات، كأن تكون محافظ هيرميس متخمة بسهم العربية للطيران، أو لدى عملائها كميات كبيرة وتريد دفع السهم نحو الأعلى لتصريف ما لديها، أو أن تكون لدى الوطني للاستثمار نية في تجميع السهم عند مستويات متدنية وترغب في الضغط عليه لشرائه بسعر قريب من تقييمها، وإن صحت هذه النظرية أيضا نطرح نفس السؤال السابق .. من يحمي السوق من هذه التجاذبات المدمرة ؟!!
وحتى لا ننهي المقال بهذا العرض فقط أدعي أن الجهة المسئولة عن مواجهة هذه الجريمة هي هيئة الأوراق المالية والسلع .. فالقوانين والأنظمة الرقابية الموجودة حاليا لا تكفي وحدها لمنع الجريمة الأخلاقية المستمرة، ونحن لا نطالب الهيئة بشيء فوق طاقتها وإنما نطالبها بتشكيل لجنة استشارية من كنفها ومن كوادرها وموظفيها وهم أكفاء وكثر وتكون مهمة هذه اللجنة التصدي لكل تقييم لا أخلاقي – نقول لا أخلاقي فقط أي أن لا تتدخل في كل تقييم ولكن إن كان تقييما لا أخلاقيا فلتتدخل - .. وفي مثالنا حول سهم العربية للطيران يمكن لهذه اللجنة إبداء رأي مفاده أن تقييم السهم مبالغ فيه سلبا أو إيجابا وأن تذكر قيمته العادلة ، وبذلك تكون الهيئة قد أبطلت مفعول أي توصية لا أخلاقية، وحصنت الأسواق تجاه بيوت الخبرة الخارجية التي لا تخضع للقوانين المحلية وتستغل هذه الثغرة لتقول ما تشاء دون حسيب أو رقيب.
ملاحظة :
الجدول أدناه يظهر الفوارق الشاسعة بين تقييمات بيوت الخبرة لسهم العربية للطيران خلال العام الحالي فقط
الاستاذ الكريم / محمد يوسف سليمان ............... شكرا على مقالك الهام والممتع واود ضافة فرضية رابعة لاختلاف التقييمات لسهم معين الا وهو اختلاف طرق التقييم وهو ما قد يسفر عن اختلاف فى قيمة التقييم لسهم شركة معينة وقد يختلف التقييم بصورة كبيرة نتيجة لهذا الاختلاف .نتيجة لتركيز كل طريقة على اسلوب ومنهج مختلف .... شكرى وتقديرى
دكتور جمال بداية يشرفني ويسعدني مرورك .. وأنا أتفق معك فيما ذهبت إليه وأعرف أن للتقييم طريقتان الأولى تعتمد على البيانات المتاحة عن الشركة بما في ذلك الأداء وخطط المستقبل وحجم الدين وتوافق ذلك مع الاقتصاد الكلي ، وتوقعات الأرباح . والثانية ترتكز على مقارنة سهم الشركة بأسهم الشركات المماثلة أو المشابهة في نفس القطاع وحصة الشركة من القطاع .. واعتماد أي من هاتين الطريقتين يجب أن لا يفضي إلى الفارق الشاسع في مثال العربية .. أشكر مرورك مرة أخرى .
شكرا اخ محمد على هذا الطرح اعتقد ان الاسباب والطريقة التي تستخدمها بيوت الخبرة في عملية التقييم موجودة ضمن التقارير التي تحتاج الى تفرغ تام لقراءتها لمعرفة اسباب التقييم. ولكني اتفق معك في طرحك في تشخيص المشكلة اما الحل فهو صعب جداً وذلك بسبب عدم وجود كفاءات بشرية لديها خبره في تقييم الشركات. بالإضافة الى ذلك فكثير من الشركات المدرجة في السوق لا تتعاون مع بيوت الخبره ولا تزودهم بالمعلومات الضرورية لاجراء التقييم فتضطر الشركة الى اختراع فرضيات وتبني عليها وهكذا .... اتصور ان مشكلة التقييمات ستبقى موجوده والجهة الوحيده التي تملك مفتاح الحل هي هيئة الاوراق المالية والسلع.
أشكر مرورك Dubal2020 وأتفق معك أن الحل صعب .. لكن الأمر يستحق مجهود أكبر من هيئة الأوراق المالية والسلع .. شكرا لك مرة أخرى
شكراً أستاذ محمد .. مقال ممتع