لدى السعودية فرصة فريدة لإحداث تحوّل طال انتظاره في أسواق السلع من خلال إدراج عقود مستقبلية لعدد من المنتجات الزراعية والصناعية في سوق المشتقات التابعة لشركة "تداول"، فالمنظومة التقنية والقانونية الحالية قادرة تماماً على استيعاب عقود سلع مستقبلية، وهي الفكرة التي طالب بها مجلس الشورى سابقاً، وقبل أيام أعلن نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية عزم وزارته بناء بورصة لتداول السلع الأساسية، إضافة إلى نقاشات سابقة قمت بها شخصياً مع وزارة البيئة والمياه والزراعة حول الاستفادة من ذلك في دعم برنامج الزراعة التعاقدية الذي أطلقته الوزارة وهي مهتمة به إلى أبعد الحدود. فما مدى إمكانية إنشاء بورصة سعودية متطورة للسلع، وما الفرق بين بورصة السلع الحاضرة والسلع الآجلة؟ وما علاقة هيئة السوق المالية وشركة "تداول" في ذلك؟ وهل يمكن قيام بورصة سلع دون تسليم ولا استلام للسلع ذاتها، وما الميزة في عملية التسوية هذه دون استلام؟
من أفضل الطرق لتحقيق النجاح العمل على الاستفادة من الإمكانات الحالية والبنى التقنية القائمة والخبرات التراكمية لدى مختلف الجهات، الحكومية وغير الحكومية، وتحديداً بالنظر إلى التقنية المتقدمة لدى شركات تداول ومقاصة وإيداع، إضافة إلى الإطار التشريعي المتطور لدى هيئة السوق المالية، وعطفاً على اهتمام وتوجه بعض الجهات مثل وزارتي الزراعة والصناعة ومجلس الشورى وغيرهم، فلدينا فرصة عظيمة لاستغلال سوق العقود المستقبلية الذي تديره "تداول" في إطلاق سوق السلع الذي طال انتظاره، وميزة ذلك أنه يمكن تنفيذه بسرعة ويستفاد من سوقه على الفور. لذا فلنبدأ بالتفريق بين أسواق السلع، ومن ثم ننظر إلى كيفية تحقيق الفوائد المرجوة من هذا المقترح.
سوق عقود السلع المطلوبة ليست سوقاً لبيع المنتجات مباشرة، بل هي سوق لتداول العقود المستقبلية (أو الآجلة) لمختلف السلع، كالمنتجات الزراعية ومنتجات الطاقة والمعادن الصناعية والأساسية والنفيسة، وغيرها، وهذه تختلف عن أسواق السلع الحاضرة - أو الفورية أو النقدية - كما يتم في أي سوق تجارية، والفارق ناشئ هنا عن القدرة على تحويل السلع إلى أوراق مالية، وبالتالي يمكن تداولها بشكل إلكتروني، والفكرة ليست مجرد تحويل العمل إلى إلكتروني، فهذا يمكن عمله حتى في أسواق السلع الحاضرة، كما يتم حين نقوم بأتمتة سوق ما أو اتاحة خدمات تجارية بشكل إلكتروني.
إذاً، بورصة عقود السلع هي بورصة أوراق مالية، تماماً كما هو متاح حالياً في السوق المالية السعودية، حيث يمكن تبادل عقود أوراق مالية محل العقد فيها إما أسهم إحدى الشركات المدرجة، أو مؤشر سوق الأسهم ككل، ولكن حين نقوم بإطلاق عقود آجلة لمنتج بتروكيماوي أو لمنتج القمح أو للحديد أو غيرها من خلال منظومة "تداول" فالاختلاف يأتي فقط في مواصفات العقد، أما بقية الإجراءات والعمليات الخلفية فهي موجود حالياً وجاهزة للاستخدام، وتشمل ثلاثة أطراف تلعب أدواراً رئيسة في ذلك. أولها شركة "إيداع" التي تتولى الأعمال المتعلقة بإيداع الأوراق المالية وتسجيل ملكيتها ونقلها وتسويتها، وشركة "مقاصة" المسؤولة عن ضمان وتأكيد المعاملات قبل التسوية، كونها تعمل كوسيط بين طرفين في تداول العقود، إضافة إلى شركة "تداول" ذاتها، المسؤولة عن عرض الأسعار وآلية تداول العقود.
الفرصة كذلك تنطلق من كون العقود الآجلة لا تشترط بالضرورة استلام السلعة وتسليمها، ما يعني أنه يمكننا تجاوز ذلك حالياً إلى أن تكتمل منظومة مخازن الاستلام والتسليم وضوابطها، فمن المعروف أن هناك عقود تتم تسويتها نقداً وعقود تسويتها تتم بتسليم السلعة ذاتها، وهذه يمكن القيام بها لاحقاً وبسهولة تامة كون السعودية رائدة في مجال سلاسل الإمداد والأمور اللوجستية. الوقت يداهمنا، والفرصة سانحة لصناعة قصة نجاح سعودية مبكرة ومتميزة على مستوى المنطقة، حيث يمكن أن نبدأ بعدد محدود من العقود، مثل الحبوب والتمور وبعض المشتقات البتروكيماوية، لتشكيل نقطة انطلاق رمزية وعملية في آن واحد، حيث ستترجم هذه المبادرة إلى منافع مباشرة لجميع الأطراف المشاركة.
غني عن القول إن أحد أهم فوائد سوق عقود السلع أن هذه العقود تعد أدوات تحوط للمنتجين، إضافة إلى استخدامها من قبل كافة فئات المشاركين في الأسواق المالية، ومرة أخرى المقصود ببورصة السلع ليست السوق النقدية للبيع والشراء، رغماً عن أن هذه يمكن تطويرها إلكترونياً وتنظيمياً، بل المقصود والمهم هنا عملية بناء بورصة عقود آجلة، وهي بالمناسبة الأسواق التي نسمع عنها دوماً كأسواق البترول والذهب والقمح والقطن واللحوم والأجبان والقهوة وغيرها، كون الفائدة الحقيقية منها تكمن في المقدرة على التعامل مع الأسعار المستقبلية، وليس الأسعار الحالية. فمن خلال هذه العقود غير القابلة للتسليم مبدئياً يأتي التنفيذ سريعاً ضمن البنية الحالية وذلك لتحقيق عدد من الأهداف الإستراتيجية التي تسعى إليها الدولة، لتكون المملكة أول من يطلق هذا النموذج في المنطقة.
وهذه الخطوة أيضاً تتوافق مع جهود وزارة البيئة والمياه والزراعة وصندوق التنمية الزراعية في تعزيز مفهوم الزراعة التعاقدية، المعلن من قبل هاتين الجهتين والذي حقق نجاحات طيبة خلال فترة قصيرة نسبياً، حيث يتم التعاقد المسبق بين المنتجين والمشترين، إلا أنه يعاني من عدم وجود أدوات فعالة لإدارة مخاطر تعثر أحد الطرفين أو عدم جديتهم في ذلك، والحل الفوري المتاح أن تتولى "مقاصة" آلية التسوية اليومية لهذه العقود، كما تقوم به اليوم في العقود المستقبلية الأخرى، ويتم ذلك بيسر وسهولة بطريقة شفافة وسلسة ومنظمة، مما يعزز جدوى المشاريع الزراعية وقابليتها للتمويل والتوسع والازدهار. وبنجاح هذه اللبنات الأولية تزدهر المنظومة بأكملها، من شركات التأمين والبنوك والمستودعات والنقل والتخزين وغيرها.
مرة أخرى، من الناحية التنظيمية فالمسار واضح: هيئة السوق المالية تمتلك الصلاحيات اللازمة وتداول وشقيقاتها يمتلكون البنى التقنية المتطورة، ويتبقى آلية تصميم العقود ووضع مواصفاتها، وربط الأسعار بمؤشرات تسعيرية وتحديد صناع سوق مؤهلين، وأعمال إجرائية أخرى، لكنها خطوات معتادة ويمكن تنفيذها بوقت قصير دون الحاجة لجهود كبيرة وانتظار إنشاء كيان جديد مستقل لبورصة السلع المنشودة.
والفرصة هنا ليست شكلية، بل إنها تأتي لربط الأسواق المالية بالاقتصاد الحقيقي في الزراعة والصناعة بالتعاون مع تلك الجهات الراعية، هي فرصة مواتية لتداول للتموضع كمركز ريادي في الابتكار المالي، إضافة إلى أن ذلك يصب في رؤية 2030 من حيث التنوع والاستدامة والأمن الغذائي وتطور القطاع المالي.
نقلا عن الاقتصادية
اقتراح معقول .. لكن هل البلد جاهز لمثل هالأشياء؟
أساسا هذا الاقتراح مطروح منذ سنوات … ثانيا مركز الملك عبدالله المالي تم تهئنة لهذا الغرض .. ثالثا يادكتور لابد من توفير متطلبات النجاح من مستودعات ومنتجين ومصدرين ونقل وشحن وتامين على العقود وعلى الشحن وخيارات عقود وتسوية … شاهدنا عقود النفط أهم سلعة عالمية كيف تهاوت لسالب ٣٧ دولار مع أول كارثة بسبب ارتفاع أسعار الشحن واغلاقات المصانع وعدم وجود أماكن للتخزين حينما حان موعد التسوية للعقود …
الفرصة فريدة بسبب توفر البنية التقنية والقانونية (لا حاجة لإنشاء كيان جديد). اهتمام جهات حكومية كبرى (الصناعة، الزراعة، الشورى). الحاجة الملحة لأدوات إدارة المخاطر في القطاعات غير النفطية. التوصية تشكيل فريق عمل مشترك بين "تداول" والوزارات المعنية لبدء التنفيذ خلال 6 أشهر. البدء بـ 3 عقود نموذجية كمرحلة أولى (تمور، بولي إيثيلين، قمح) مع تسوية نقدية. "بورصة السلع الآجلة ستكون الجسر بين الرؤية الطموحة لـ 2030 والواقع الاقتصادي، بتحويل الموارد الطبيعية إلى أدوات مالية مبتكرة."
الأفضل تكون بورصة تشمل جميع دول الخليج مقرها مركز الملك عبدالله المالي
اختصار جميل للفكرة!!