هل توجد علاقة بين نسبة ما تمتلكه الدول داخل اقتصادها وتفاوت الثراء بين سكانها؟ وهل لسياسات قطاعها العام أثر في تعميق الفوارق الاجتماعية والحد من توسيع الطبقة الوسطى؟
هناك أكثر من إجابة ولكن أفضل منها التأمل في ثمار فترة ثاتشر وريغان لأنها أفضل إجابة، فقد انتهج كلاهما سياسة خصخصة متوحشة قلصت الأنظمة وأطلقت عقال ما يسمى بحرية السوق والنتيجة تردٍّ شبه تام في حجم الطبقة الوسطى والخدمات العامة والمواصلات والطرق ولم يتحقق لتاتشر إلا هدف سياسي يتيم تمثل في كسر سطوة النقابات العمالية، وهو لا يعادل حجم الخسارة بالاقتصاد أو تآكل الطبقة الوسطى وجودة الخدمات وتجفيف الجيوب فضلا عن الدفع نحو البؤس وأزمات اقتصادية جسدتها أزمة 2008م ثم صارت الخصخصة موضة في عالمنا العربي ولم تحقق إلا التوترات والمؤشرات الاقتصادية السالبة وزيادة ثراء شريحة ضيقة في مقابل إفقار الطبقة الوسطى التي استحوذ على أصولها الحقيقية من عقارات وأموال.
هذا لا يعني تفضيل الكاتب للاشتراكية على الرأسمالية والأمر ليس بالثنائية التي تغيب حقيقة أن البرامج الاقتصادية لا تنحصر في الرأسمالية مقابل الاشتراكية إذ لكل مجتمع نسخته من حيث التوجهات التنموية الاجتماعية ففي السويد والنرويج ودول البلطيق تسود اشتراكية اجتماعية وفي غيرها اشتراكية هي نتاج قطاع عام أدت سياساته الاقتصادية واستثماراته لرفاه اجتماعي باذخ.
إذن المحك الرؤية الاستثمارية للقطاع العام وخاصة في تنمية الميز النسبية للاقتصاد مما ينفي أيدولوجيا الاستثمار وينبغي أن يكون الهدف زيادة السعة الانتاجية وتعميق ثراء الأفراد وتوسيع الطبقة الوسطى ولهذا يحسن القطاع العام بالمملكة صنعاً أن تبنى استثمارات تنموية تعزز الميز النسبية للاقتصاد الوطني وتضيف قيمة لاستثماراته النفطية ومشتقاتها من بتروكيماويات ومنتجات ذات الصلة، وقد يستلزم التفكير في ميز نسبية أخرى تنوع من اقتصاد المملكة وتنمي إمكاناته الهائلة ويمكن للقطاع العام الاستثمار في مجالات الطاقة والموانئ لأنها توفر ميزاً نسبية بسواحلها الطويلة شرقا وفي الغرب ويمكن للقطاع العام تسويق السياحة والموارد البشرية والتعليم.
وتحضرني تجربة فنلندا في الميزة النسبية وقد كانت تعتمد على الخشب كمنتج وحيد فظلت تطوره ولكن فطنت فنلندا لمخاطر المنتج الواحد فوظفت موارد الخشب ومشتقات الأخشاب في اقتصاديات المعرفة وفي التعليم التقني فأحدثت قفزة هائلة في اقتصادها وانتقل من الاعتماد على منتج واحد إلى مجموعة ميز نسبية متجددة وغير قابلة للنفاد ولهذا عندما دخل العالم عصر الاتصالات هيمن نوكيا الفنلندي على الأسواق لفترة طويلة وصار علامة تجارية مرتبطة بالجودة وبقوة الأداء الاقتصادي.
ولذلك استثمار القطاع العام في الميز النسبية يفيد الاقتصاد ويوسع الطبقة الوسطى بينما الخصخصة تقضي عليها ولن يضر بالاقتصاد طالما كان يدفع بالعملة الوطنية التي ليس ثمة قيد على معدل الإنفاق بها إلا قيد التضخم وهو مقدور عليه متى فُعلت سياسات توازن بين آثاره المختلفة.
وحيث أن القطاع العام ليس قطاعاً ربحياً وأن أهدافه تنموية دائما فإن كاتب هذه السطور يرى النفع في الشراكة بينه والخاص ولكن شراكة القطاع الخاص والعام تكون أكثر جدوى لو كان الاستثمار في اقتصاديات المعرفة وتطوير ميز نسبية تضاعف من إيرادات الاقتصاد الوطني ،أما القطاع الخاص فيمكن أن يسهم ولكن يظل اسهامه محدود الأثر لأنه تحكمه الأسس التي من أجلها تقوم الشركات وهي تحقيق الأرباح ولهذا يتردد القطاع الخاص في الاستثمار في أي منتج يحتمل توقعات بخسائر.
إذن نمو أملاك الدولة ونمو الطبقة الوسطى ناتج شراكة بين القطاع العام والخاص وتكون الشراكة أكثر نجاحاً لو ركزت على توفير آليات لتطوير ميز نسبية في داخل الاقتصاد سواء من خلال تدريب الموارد البشرية واكسابها المهارات اللازمة أو تنمية اقتصاد المعرفة والاستثمار فيه مع الدفع باستيعاب أيدٍ عاملة وطنية بهدف مضاعفة معدل دخل الفرد وتعميق السعة الانتاجية وتحسين الأداء الاقتصادي الكلي والحد من العوامل التي تزيد من تفاوت الثراء.
نقلا عن المدينة
قد يغيب عن الكاتب ان هناك عامل مهم جدا هو كفاءة القطاع الحكومي؛ للأسف هناك قصور هائل في كفاءة وانتاجية أغلب القطاعات الحكومية! كلام الكاتب اتفق معه بشرط وجود انتاجية وكفاءة عالية للقطاعات الحكومية؛ ما عدا ذلك التخصيص أو مشاركة القطاع الخاص مفيدة في رأيي المتواضع والله اعلم.
الخصصخة مطلب ملح.. ولكن ليس بالشكل الرأسمالي المطلق، أي أقصد أن الدولة تخصص كافة المؤسسات الحكومية الربحية والقابلة للربح، ولكن يجب أن لاتقل نسبة الدولة فيها عن 51% أو 50% إلا أن الأخيرة لا أفضلها، أي فيما معناه أن الدولة تتبع نظام الإقتصاد المختلط وطبعاً هذا هو الأفضل من ناحية رفع الكفاءة الإدارية والمالية والنزاهة والشفافية في تلك المؤسسات بالإ
تكملة لما سبق.. بالإضافة إلى تعزيز الرفاهية الإجتماعية وتحقيق العدالة فيها..
طبعا الإقتصاد المختلط لا يحدد نسبة ملكية الدولة.. ولكن "شخصيا" أفضل تلك النسب كحد أدنى - أنفة الذكر - ذلك من أجل أن يكون للدولة (قبضة جيدة في السوق) لصالح إحقاق العدل بين الجميع، ولا أفضل إطلاقا أن تمتلك الدولة أكثر من ذلك بكثير حتى لا يحدث ترهل وفساد ومحسوبية في المؤسسات، وكما أيضا أفضل أن لا تباع حصص الدولة إلى شركات وأفراد بل ينبغي طرحها للمساهمة العامة..
الإقتصادات الرأسمالية أثبتت ضعفها ابان الأزمة المالية التي أنفجرت قبل سنوات قليلة، والإقتصادات المختلطة أثبتت أنها أقوى في مواجهة الأزمة. أما الدولة ذات النظام الإقتصاد الشمولي هي جميعا دول ديكتاتورية لا تتميز شعوبها بالرفاه ولا بالعدالة وغيره، حتى أذكر موقفها أمام الأزمة المالية،
الازمة الاخيره ادت الى عودة الكنزيين بشكل كبير لميل الكنزيين لتدخل الحكومة في وقت الازمات اما عن طرحك عن تماك الحكومة هذة النسب فهو اقرب للماركسية منة للاقتصاد الراسمالي الذي من طبيعتة المطلقة الازدهار والكساد الخ من الدورات الاقتصادية فلا تصلح مدرسة واحدة لجميع دورات الاقتصاد فعند الازدهار يمكن ان تكون المدرية النقدية (ولنا فيميلتون فيردمان مثال) من افضل الحلول ولكن تلك المدرسة تعجز عند حدوث كساد مشابه لما حصل عام 2008 وهنا ياتي دور الكنزيين وانفاقهم الحكومي المحبذ لدفع الاقتصاد مره اخرى.