انخفاض تاريخي للبطالة بين السعوديين.. وجودة الوظائف على الطاولة

06/07/2025 0
حسين بن حمد الرقيب

لم تكن معركة البطالة في المملكة العربية السعودية مجرد صراع مع رقمٍ جامد في تقارير الإحصاء، بل كانت واحدة من أكثر المعارك صعوبة وتركيبًا في تاريخ التنمية الوطنية، معركة ضد تركة ثقيلة من التحديات وسنوات من الخلل البنيوي في سوق العمل، لكن تلك المعركة تحوّلت، في ظل رؤية 2030، إلى ملحمة إصلاح وتغيير قادها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي لم يكتفِ بوضع الأهداف بل تجاوز بها حدود المأمول إلى فضاء الممكن، وبرؤية طموحة وعمل لا يعرف التراخي، تمكّنت المملكة من تسجيل معدلات بطالة تاريخية، حيث انخفضت بطالة السعوديين إلى 6.3% بنهاية الربع الأول من عام 2025، متجاوزة الهدف السابق الذي كان محددًا بـ7% بحلول عام 2030، مما استدعى إعادة النظر في الهدف نفسه وخفضه إلى 5%، بعد أن تحققت النتائج قبل أوانها بست سنوات كاملة، أما الرقم الأهم، الذي له صدى في العالم، هو انخفاض معدل البطالة بين السكان إلى 2.8%، والتي وضعت المملكة في المرتبة الخامسة كأقل معدل بطالة في مجموعة العشرين.

 

 

وأظهرت كفاءة السياسات السعودية، وعدالة بيئة العمل، وقدرتها على استيعاب المواطنين والمقيمين في منظومة إنتاجية حديثة ومتوازنة، هذه الأرقام لم تكن وليدة المصادفة، بل ثمرة لرؤية إصلاحية شاملة، أطلقت سوق العمل من أسر الجمود الحكومي إلى فضاءات التوطين والتمكين، حيث تجاوز عدد السعوديين والسعوديات العاملين في القطاع الخاص 2.3 مليون، ما يعكس انتقالًا جوهريًا من فكرة “الباحث عن وظيفة حكومية” إلى “المواطن المنتج في سوق مفتوح” لكن ما يستحق التأمل أكثر من الأرقام هو ما وراءها، حيث بدأ التحول الحقيقي في الثقافة الاقتصادية، فالمعيار لم يعد مجرد التوظيف، بل جودة التوظيف، لم تعد الوظيفة تُمنح فقط لتسكت السؤال، بل لتكون منصة للنمو، ووسيلة للاستقرار، ومصدرًا للاعتزاز، فقد ارتفعت نسبة السعوديين العاملين في الوظائف الدائمة، وتحسنت التغطية التأمينية، وارتفعت متوسطات الأجور، لا سيما في القطاعات الواعدة كالتقنية، والمالية، والصحة، وهي ذاتها القطاعات التي باتت النساء السعوديات يشغلن فيها أدوارًا ريادية، بأكثر من 880 ألف موظفة، كثيرٌ منهن كسرن السقف الوظيفي الذي ظل لعقود مغلقًا دونهن، وإلى جانب هذا التوسع الأفقي.

هناك نمو رأسي في مستوى الرواتب، إذ ارتفع عدد العاملين في وظائف تتجاوز رواتبها 10,000 ريال، مدفوعًا بتحسن بيئة العمل، وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري، والاهتمام بالتدريب والتأهيل، ووفقًا لمنصة “قوى”، ارتفعت نسبة التوظيف في القطاع الخاص بأكثر من 17% خلال عام واحد فقط، في إشارة واضحة إلى تصاعد الطلب على الكفاءات السعودية، وما يبعث على التفاؤل أن ثقافة جودة الوظيفة لم تعد قناعة الدولة فقط، بل بدأت تتغلغل إلى عقل الشركات، حيث أصبحت بيئة العمل عاملًا حاسمًا في بقاء الموظف السعودي، وليست الرواتب وحدها، في المقابل لا تزال بعض التحديات قائمة، مثل تدني الأجور في بعض الوظائف، أو الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، إضافة إلى بيئات عمل لا تزال طاردة للمواهب الوطنية، إلا أن الاتجاه العام واضح ومتسارع، ويشير إلى أن معايير الجودة باتت جزءًا من السياسة الوطنية، وأن كل وظيفة سعودية باتت تُقاس بمدى كونها فرصة حقيقية للحياة، لا مجرد مصدر دخل، وبلغة الأرقام الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، فإن معدل المشاركة في القوى العاملة وصل إلى 68.2%، وبلغ معدل المشتغلين إلى السكان 66.3%، وهي مؤشرات تدل على ارتفاع النشاط الاقتصادي وثقة الأفراد في سوق العمل، أما بين السعوديين، فقد ارتفعت نسبة المشاركة إلى 51.3%، وبلغ معدل المشتغلين إلى السكان 48%.

 

 

فيما شهدت مشاركة السعوديات تحسنًا لافتًا، حيث بلغ معدل البطالة بينهن 10.5%، مع ارتفاع المشاركة إلى 35.8%، وهو دليل جديد على نجاح سياسات تمكين المرأة وتكافؤ الفرص، وبالنظر إلى الشباب، ارتفعت مشاركة الشابات من الفئة العمرية 15–24 سنة إلى 21.9%، بينما تراجعت بطالة الشباب الذكور في نفس الفئة إلى 11.6%، ما يعكس تطورًا في القبول الوظيفي وتغيرًا ثقافيًا في النظرة إلى سوق العمل، أما الفئة العمرية بين 25 إلى 54 سنة، وهي الأكثر إنتاجًا، فقد أظهرت استقرارًا واضحًا، مع مشاركة بلغت 69.6%، وبطالة لا تتجاوز 5.4%، كل هذه المؤشرات ليست سوى ملامح أولية لتحول هيكلي كبير تقوده المملكة، عبر تحديث مستمر في أدوات القياس، وتكامل بين بيانات المسوح الميدانية والمصادر الإدارية، بما يضمن دقة القرار وسرعة الاستجابة وهكذا، فإن المملكة لا تكتفي بقياس النجاح، بل تصنعه، وتسابق به الزمن نحو 2030، حيث تصبح الوظيفة جزءًا من مشروع الحياة، لا مجرد وسيلة لكسب العيش، وتتحول سوق العمل إلى مرآة لرؤية تبني الإنسان كما تبني المكان، وتكتب في صفحاتها أن هذا الوطن حين يخطط، فإنه يبلغ القمة، وحين يعد، فإنه يفي، وحين يقود، فإنما يقوده ولي عهد آمن أن الحلم السعودي لا سقف له.

 

 

نقلا عن الرياض