يبدو المشهد المالي الإقليمي بوجه خاص والعالمي بوجه عام مرتبكاً للغاية عشية الضربات التي ستوجهها الولايات المتحدة وعشر من حلفائها للنظام السوري.
وقد بات واضحاً الآن أن هذه الضربات لن تتأخر بدايتها كثيراً عن منتصف الأسبوع الحالي، ولكن نهايتها قد تطول لمدة تتراوح ما بين شهر إلى ثلاثة شهور. والوضع مع النظام السوري يختلف في طبيعته وتعقيداته عما حدث مع نظام القذافي، أو حتى مع نظام صدام حسين، وذلك بالنظر إلى حساسية وضع سوريا في منطقة الشرق الأوسط وجوارها الملاصق لكل من إسرائيل والسعودية -وكلاهما حليف مهم للولايات المتحدة- وعلاقة النظام السوري الوثيقة بكل من إيران وحزب الله الداعمين له، فضلاً عن الدعم السياسي الذي توفره روسيا والصين بما يمنع اتخاذ أي قرار ضده في مجلس الأمن.
وبسبب كل هذه التعقيدات خرجت الولايات المتحدة لتؤكد على أنها لا تنوي إسقاط النظام أو الزج بقوات برية في العمليات المرتقبة. ومن هنا نفهم أسباب تأخر التدخل الغربي في دعم الثورة السورية لأكثر من عامين، وأنه حتى مع وجود مبرر، ومع تشكل النية وصدور قرار بالتدخل، فإن التنفيذ على الأرض قد تأخر عدة أسابيع، لا لشيئ إلا لأن كل طرف يريد مراجعة حساباته بدقة، وذلك لتفادي خروج رد الفعل السوري والإيراني عن المتوقع، وللتأكد من أن هذه الضربة لن تقود إلى حرب إقليمية واسعة كما يهدد النظام السوري أو إلى حرب عالمية ثالثة كما يذهب بعض المحللين. فلا عجب إذن أن يتأخر التنفيذ إلى ما بعد الرجوع إلى برلمانات الدول المشاركة، وإلى ما بعد انعقاد قمة العشرين في موسكو خلال اليومين الماضيين. كما تأخرت الضربة لحين حشد دول مشاركة مع الولايات المتحدة بعد تعذر الحصول على موافقة من مجلس الأمن من ناحية، واعتذار دول مهمة في التحالف الغربي عن المشاركة بما فيها بريطانيا وألمانيا وبلجيكا، وتأخرت أيضا لحين صدور قرار عربي يجيز الضربة من مجلس جامعة الدول العربية الذي اجتمع مبكراً عن موعده لمدة أسبوع لتوفير الغطاء العربي المطلوب.
على ضوء ما تقدم يمكن القول إن الضربات المرتقبة ستكون من القوة بحيث قد تؤدي إلى الغرض المطلوب منها وهو توجيه تحذير شديد اللهجة من العودة لاستعمال الكيماوي مرة أخرى، أو أنها قد تعمل على تدمير القدرات الكيماوية والصاروخية للنظام. كما أنها قد تؤدي إلى إضعاف قدرة النظام على الردع باستخدام القوات الجوية والصاروخية، وهو ما سيتيح الفرصة للجيش الحر، والقوات المقاتلة الأخرى للتقدم وتحقيق انتصارات على الأرض. أما إذا لاح سقوط النظام في الأفق، فإن هناك مخاطر محتملة من ردود فعل غير محسوبة تقوم بها إيران أو قوات النظام أو حزب الله ضد إسرائيل أو ضد قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة، فإذا ما حدث ذلك فإن رقعة الحرب قد تتوسع بتوجيه ضربات لإيران لتدمير مفاعلاتها النووية. وقد ترد هذه بضربات صاروخية على إسرائيل أو تعمد إلى تعطيل الملاحة في مضيق هرمز.
لكل هذه الأسباب تبدو الأوضاع مضطربة للغاية في بورصات المنطقة،،، ويرتفع سعر النفط، وقد يعود سعر الذهب للارتفاع بقوة...ومن غير المحتمل لذلك أن تتوقف مؤشرات البورصات عن الهبوط في الأيام القادمة،،، كما أن عودتها للارتفاع بقوة لإسترداد بعض ما خسرته في الأسبوعين الماضيين هو أمر ضعيف الاحتمال....
الملاحظ أن الأجواء العربية مهيأة لحدوث الأسوأ نتيجة تشتت القوى العربية الفاعلة في الساحة، فمصر في وضع لا تحسد عليه من الصراعات السياسية والضعف الاقتصادي والفوضى العارمة، والأمر أكثر سوءاً في العراق، واليمن منكفئ على أوجاعه الداخلية،، وليبيا لا زالت في حالة مخاض ما بعد انتصار الثورة، وتونس تكابد من أجل عدم الإنزلاق في السيناريو المصري،، والسودان يعيش في أزمات مستجدة بسبب فيضانات السيول، وتوقف انتاج النفط والمشاكل مع دولة الجنوب. وتمثل هذه الظروف أفضل فترة لإحداث نكبات جديدة بالأمة لا يستفيد منها إلا العدو الصهيوني المتربص بنا.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله أعلم