أحب الشباب وأحب الحديث معهم .. وأحس أنهم يعلمونني الكثير .. لأن مرحلة الشباب فيها حماسة وابتهاج وإقبال على الحياة وعشق للفكاهة والمرح .. فيها انطلاق ونشاط ويفترض أنَّ فيها أحلى سنوات الكفاح.. ذلك الكفاح الذي يقوم به صاحبه وهو يبتسم.. وهو يتعلم برحابة صدر عارفاً أن الحياة أكبر مُعلِّم.. في مرحلة الشباب عشق للنجاح.. ولكن العشق وحده لا يكفي للوصول والوصال.. كما أن النجاح يحسن أن ينظر إليه كرحلة وليس كغاية..
إن الذي ينظر إلى النجاح كغاية كثيراً ما يستعجل الأمور قبل النضوج، وقد يصاب بالإحباط من عقبات الطريق، وقد يكون كالذي يريد أن يهبط على رأس الجبل بطائرة هليوكبتر..
وقد يصاب بالإحباط أيضاً لأن إمكاناته متواضعة، وهو أيضاً لن يجد متعة في سعيه إلى النجاح، حين يعتبره غاية، أما إذا اعتبره رحلة فهو سوف يستمتع بمعالم الرحلة، ويوزع جهده على مسافة الطريق، ويعرف متى يسير ومتى يستريح..
وتواضع الإمكانات لا يقف عائقاً دون المضي في رحلة النجاح.. لا يقف عائقاً أبداً.. بل لعل العكس هو الصحيح، فإن الذي إمكاناته ضعيفة وإرادته قوية وأخلاقه فاضلة وبصيرته نافذة، تكون ضآلة الإمكانات من أسباب نجاحه الراسخ في رحلة الكفاح الطويلة والجميلة معاً..
ولو قرأنا سير معظم الناجحين في العالم.. لوجدنا بدايتهم متواضعة جداً.. وإمكاناتهم هزيلة ضئيلة.. بل قد تقف كل الظروف الظاهرة أمام نجاحهم ولكنهم بحول الله ثم بقوة الإرادة وبالصبر والمثابرة وصلوا إلى أعلى الجبل..
(هيلين كيلر) صماء.. عمياء.. بكماء.. لا تسمع ولا تتكلم ولا ترى لمرض أصابها في الثالثة من عمرها.. ومع ذلك - سبحان الله العظيم - استطاعت أن تنال ثلاث شهادات دكتوراه، وأن تؤلف عشرات الكتب، وتلقي المحاضرات عبر طريقة برايل.. وغيرها كثير ممن كانوا بإمكاناتهم تحت الصفر ثم صاروا بفضل الله عزَّ وجل ثم بفضل الإرادة والصبر والمثابرة أعلاماً يُشار لهم بالبنان..
سليمان العليان كان مراسلاً في أرامكو..
وصالح الراجحي كان حمالاً في السوق..
وسالم بن محفوظ أمي لا يقرأ ولا يكتب ولم يكن يملك مالاً..
وعبدالمجيد شومان كان فقيراً جداً..
وكل هؤلاء أسسوا امبراطوريات مالية شامخة..
والمال وحده ليس الهدف.. الكل سوف يعيش في هذه الحياة بإذن الله.. الهدف هو (تحقيق الذات) وهذا يتم باستخراج أجمل وأنبل وأقوى ما في ذات الإنسان.. وتحويله إلى إنتاج يتلاءم مع هذه الذات بحيث يرضيها ويسعدها ويشعرها بأنها فعلت شيئاً في هذه الحياة..
(معرفة الميول والقدرات)
كل شاب في هذه الدنيا له مجال (يبدع) فيه .. وكلمة (يبدع) تشمل جميع الأعمال والنشاطات والحرف وكل مجال فيه إضافة وإنتاج..
وفي البدء لا يعرف الشاب بالضبط ما هو المجال الذي (يبدع) فيه.. المجال الذي إذا عمل فيه أتقنه مع المران.. والنجاح هو الاتقان..
هنالك ندرة من الشباب يعرفون ميولهم الحقيقية التي يقدرون أن يبدعوا فيها، ولكن معظم الشباب لا يعرفونها في البداية، وبالتحديد، حتى إن الميول الدراسية ليست دليلاً على ذلك، وإن كانت من المؤشرات الأساسية، ولكنها ليست دليلاً أكيداً..
الحياة نفسها أكبر معلم .. وحتى الذين لم يتعلموا في المدارس إذا دخلوا جامعة الحياة وتقلبوا في الأعمال عرفتهم الحياة ما هي ميولهم الحقيقية وما هي قدراتهم التي تناسب هذا العمل أو ذاك وتجعلهم يتقنونه ويتقدمون فيه..
والذين تخرجوا من أرقى الجامعات ونالوا أعلى الشهادات سوف يجدون أن الحياة أكبر معلم.. حين يزاولون العمل الذي تخصصوا فيه.. وسوف تزودهم بحكمتها يوماً بعد يوم..
إن كثيراً من الشباب في بداية حياتهم العملية قد يزاولون أكثر من عمل، كمن يريد أن يكتشف نفسه ويعرف ما يلائمه، ولا يوجد شاب في الدنيا لا يستطيع أن يسد ثغرة في مجتمعه ووطنه بحيث يكون فيها مفيداً مستفيداً ومحققاً لذاته وسعادته..
والنجاح رحلة وليس غاية كما قلنا وكما نفضل أن نصفه.. ولهذا يسير الشاب في بداية الرحلة فيجد أمامه عقبات مختلفة وأحياناً كأنها لكثرتها تسد الطريق وهي في حقيقتها تشق له الطريق فهو سيمر بهذه العقبة فإذا اتضح له بجلاء وصدق مع الذات أن هذا ليس طريقه اتجه يميناً أو شمالاً حتى يجد أن العقبات التي أمامه يستطيع أن يجتازها، ولا يوجد طريق بدون عقبات، إذا اجتاز الشاب العقبة الأولى فإنها تجعله أكثر قوة في اجتياز الثانية، ويستمر مسلسل القوة والتمرين إذا زاد زيت الصبر والمثابرة والاستمتاع أيضاً باجتياز العقبات والتعلم من الصواب والخطأ معاً.. من النجاح والفشل أيضاً..
إن الفشل هو الطريق إلى النجاح..
إن الفاشل هو الذي لا يحاول مرة ومرات.. لا يثابر.. أما المثابر فإنه مهما واجه من فشل لا يزداد إلا قوة وإصراراً على النجاح..
إن قاطع الصخور - قبل اختراع الآلات الحديثة - يضرب بمعوله فوق الصخر الصلد فلا ينفلق الصخر أبداً، ويكرر ذلك مراراً ويبدو أن الصخر لن ينفلق.. ولكنه بخبرته يظل يطرق على الصخر .. وفجأة تنفلق الصخرة تحت ضربة واحدة.. وهذه الضربة ليست وحدها هي التي قطعت الصخر الأصم.. بل الضربات السابقة التي بدأت وكأنها خائبة فاشلة.. فهي قد زعزعت الصخر من الداخل وإن لم يظهر ذلك على خارجه.. ثم ينفلق تحت الضربة الأخيرة كنتيجة لمجموع الضربات المتواصلة..
إنها المثابرة..
@@@
(حسن الخلق)
لا شيء يجعل الشاب ينجح .. ويسعد.. ويصبح مُحباً.. محبوباً.. كحسن الخلق.. وخاصة بر الوالدين وصلة الرحم وحب الخير للناس وهذا ليس خاصاً بالشباب فقط بالطبع.. فحسن الخُلق هو أساس السعادة والراحة والنجاح..
ولكن بما أننا نتحدث الآن مع الشباب، فإن التركيز على حُسن الأخلاق موجه إليهم.. فهو المفتاح الذي يفتح أبواب النجاح.. وهو المفتاح الذي يفتح قلوب الناس.. وحُسن الخلق هو مصباح علاء الدين السحري الذي يجعل صاحبه مرحباً به في كل مكان.. ويجعله محبوباً من الناس.. وقبل هذا فإن حُسن الخلق أساس في الإسلام الحنيف.. وفي أعراف كل الناس..
ولكن الإسلام الحنيف أكد على حُسن الخلق بشكل عظيم، وما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متمماً لمكارم الأخلاق، وهو يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم والقائم". ويقول: "لا عقل كالتدبير، ولا وَرَعَ كالكفّ، ولا حسبَ كحسن الخلق" والكف هو الكف عن الشر وسوء الأخلاق، ويقول: "إن من أحبكم إليَّ أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً". ويقول: "البر حُسن الخُلق" ويقول: "إن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خُلُقاً" ويقول: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحُسن الخُلق". وقال: "حُسن الخلق نماء، وسوء الخلق شؤم". والنماء هو النجاح والتقدم وزيادة الخير، والشؤم هو ضد اليُمءن وهو الانتكاس والكآبة والبؤس، والخلق السيئ يفعل ذلك كله وأكثر.. وقال عبدالله بن عمرو بن العاص "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً" والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة واستحضارها مفيد في الدنيا والاخرة، فهي سبيل السعادة والنجاح في الدارين بإذن الله.
والخلق الحسن أسهل على الموفق من الخلق السيئ.. فالكلمة الطيبة أسهل على اللسان من الكلمة الخبيثة.. والابتسامة أسهل من التكشير والعبوس..
والشاعر العربي يقول لابنه:
بُنيَّ إنَّ البرَّ شيءٌ هيِّنء
وَجّهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّنء
ومعنى (هيِّن) هنا: سهل محبب لنفس صاحبه.. أما نتائجه فلا حدود لخيراتها وبركاتها: رضا الله عزَّ وجل، ثم رضا الوالدين، ثم رضا الناس وحبهم لصاحب الخُلق الكريم ومعاملتهم له بخُلق كريم، فالناس مرايا يعكسون حال الإنسان، فوق هذا فالخلق الحسن يفتح أبواب النجاح على مصاريعها ويرضي الضمير ويريح البال ويبهج النفس..
أما الخلق السيئ فهو يفسد كل شيء جميل، يفسد الدنيا والدين..
وشخصية الإنسان عامة، والشاب خاصة، أخلاق.. لا شكله .. ولا ماله .. ولا علمه.. فأكبر عالم بلا أخلاق لا يساوي الحبر الذي كتبت به شهادته..
ويقول الشاعر:
وإنِّي رأيتُ الوَسءمَ في خُلق الفتى
هو الوَسءمُ لا ما كان في الشَّعءر والجِلءدِ
والوسم هو شكله الحقيقي.. جوهره.
والخلق الطيب يدل على نفس طيبة، ولا نعيم كطيب النفس.
(الاعتدال)
إنه أساس الفضائل.. الاعتدال كلمة سحرية تفتح مغاليق كل شيء حسن..
الاعتدال في الرأي والسلوك بعيداً عن التطرف الممقوت.. والمهلك..
والاعتدال في (تنظيم الوقت) فلا يجور العمل على اللعب والترفيه.. فإن الشاب الذي يعمل فوق طاقته لن يصل إلى ما يريد كالشاب الذي يعمل بنظام وتخطيط، ويمنح نفسه وقتاً معقولاً للترفيه والقراءة والهوايات التي يُحب.. إن النجاح رحلة وليس غاية.. والأول لا يستمتع بهذه الرحلة أبداً وإن وصل إلى غايته فقد قدرته على الابتهاج.. الاعتدال هو العمل وفق خطة وتنظيم بلا استعجال ولا سرعة ولا استخفاف.. "خير أعمالكم أدومها وإن قَلّ" ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن المُنءبَتَ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى" والمنبت هو المنقطع في سفره بسبب سرعته وجوره على راحلته فتنقطع به في الصحراء فلا وصل غايته ولا حافظ على راحلته..
والذي يستعجل الأمور قبل تمامها يصيبه المرض والتوتر، وكذلك الذي لا يعطي نفسه فرصة للراحة والاستمتاع البريء، فإن الراحة بعد العمل.. عمل.
كما أن الذي يتوسع في عمله، ولا يعتدل في ذلك فيأخذ الأمور بالتدريج المدروس، كثيراً ما تنقلب عليه الأمور.. ولنأخذ مثلاً على ذلك: فتح أحد الشباب متجراً ووجده مربحاً، فأغراه ذلك بفتح فروع كثيرة بسرعة ليربح أكثر ويختصر الزمن، توسَّع فوق طاقته بناء على ربحيته في متجر واحد، الغالب أن هذا الشاب سوف ينتهي به الأمر لإغلاق متاجره كلها بما فيها الأول، لأن التوسع السريع يشتت الجهد ويضعف الرقابة ويدفع صاحبه للاستدانة..
الاعتدال هو الأساس.. السير بخطوات ثابتة موزونة.. لا تسرُّع فيها ولا بطء.. هذا هو أفضل ما يمكن في رحلة النجاح.
نقلا عن الرياض