- بعض الناس تحس أنه أبداً محتفل بالحياة، في حديثة إذا تحدث، وفي نظرات عينيه، وتعبيرات وجهه، وحركات يديه، تجد لديه حماسة، وحرارة، وحُبّاً للناس والحياة، وحرصاً على العمل والإنجاز، وابتهاجاً بالوجود، وامتزاجاً بالجمال في كُلِّ مجال، فهو يعشق كل ما هو متقن، وكل ما هو صادق، وكل ما هو رائع وجميل، وهو يشجع كل من يعمل هذا، أو قليلاً من هذا، ويغتبط لمواهب الشباب، وانجازات العاملين الجادين، وعطاءات الموهوبين.. يحتفل بذلك كله.. ويغتبط بمواهب الناس وكأنها مواهبه.. يعشق كل كفاح.. ويشجع كل شاب.. ويفتح الأبواب على مصاريعها للعاملين.. والطامحين.. والجادين..
ويجعل الناس الذين حوله تصيبهم العدوى منه.. تلك العدوى الجميلة.. عدوى الاحتفال بالحياة.. والابتهاج بالوجود.. والترحيب بكل صباحٍ غض.. وكل يوم جديد..
ترى الناس الذين حوله سعداء به.. ومعه.. ينتقل إليهم نشاطه.. ويسروي فيهم تفاؤله.. ويعمهم ابتهاجه.. فيعشقون الكفاح كما عشقه.. ويكافحون وعلى وجوههم ابتسامة جميلة.. كما رأوه.. ويحبون الخير للناس.. ويعشقون جلائل الأعمال.. ولا تثنيهم المصاعب.. ولا توقفهم الجبال.. فهم قد علموا أنه لا مستحيل تحت الشمس.. وأنه لا حياة مع اليأس.. ولا يأس مع الحياة..
الناسُ على مائدة الحياة يشبهون الناس على مائدة الطعام.. في الآكلين من يحتفل بمائدته.. ويرتِّبها أفضل ترتيب.. ويجملها بالورود والزهور.. وبالصحبة الطيبة.. ثم يتناول طعامه هنيئاً مرياً.. بإقبالٍ قوي.. ونفس مفتوحة.. وقلب مرتاح.. وفم مبتسم.. وأحاديث سارة.. وأحاسيس بهذه النعمة السابغة.. وحمد لله عز وجل.
وفيهم من يجلس الى مائدة وفوق رأسه تجثم الهموم.. وعلى وجهه يرتسم العبوس.. وفي أعماقه كره لمن يجلس معه.. فكأنه يتجرع السم!..
كذلك الناس على مائدة الحياة الكبرى.. فيهم من يحتفل بالحياة أجمل احتفال.. ويحبها أصدق الحب.. ويعطيها حقها من العمل والبذل والكفاح وهو بذلك سعيد، ويأخذ منها حقه من الراحة والمرح والترفيه والسرور وهو بذلك جدير، ويحب صحبه في هذه الحياة.. بل يحب الناس كل الناس.. حتى السفهاء والجهلاء يمر بهم صامتاً أو يقول لهم سلاماً وعلى وجهه ابتسامة.. وسر الاحتفال بالحياة الذي يسعد صاحبه.. ويسعد من حوله.. ويعطر سمعته.. ويُنَجِّح مقاصده.. هو النفس الطيبة..
النفس الطيبة التي لا تحمل حقداً ولا ضغينة ولا تنطوي على حسد ولا غدرٍ ولؤم، بل هي تفوح بكريم الأخلاق، وتعشق الخير لوجه الله عز وجل، وتُحِبُّ الإنجاز والإتقان، وتبتهج بالمعرفة والعلم، وتحس بالمسؤولية الاجتماعية، وتحرص على رؤية الجوانب الحسنة في الناس.. وتنشر (العطر الاجتماعي) في نفوس الآخرين. عن طريق نقل الثناء الصادق الذي قاله فلانٌ في فلانٍ، والشكر الذي أبداه أحدهم في غياب الآخر، والكلام الجميل الذي ذكره صديق في صديق وهما مفترقان، والحب الذي أعلنه قريب في قريب له كان غائباً..
الذين يحتلفون بالحياة ويعرفون قيمتها تتجه أذهانهم تلقائياً نحو الإيجابيات في الناس وفي الأمور كما تتجه (البوصلة) نحو الشمال.. والإنسان ابن تفكيره قبل أن يكون ابن امكاناته.. والسعادة في الداخل قبل أن تكون في الخارج.. فالذي يتجه تفكيره لكل ما هو إيجابي.. يرى في زوجته محاسنها لا عيوبها.. وفي أصدقائه ايجابياتهم لا سلبياتهم.. وفي حياته نواحي الخير والنعم لا نواحي النقص والقصور.. وهو يعمل على نشر الحسنات وقبر السيئات.. ورش العطور الاجتماعية بين الناس.. وليس معنى ذلك أنه لا يخطئ ولا يسيء.. كلا.. فهو بشر يخطئ ويسيء وينسى ويسهو.. ولكن ذلك هو الاستثناء أولاً.. وهو يتبع الحسنة السيئة فمتحموها.. {إن الحسنات يذهبن السيئات} صدق الله العظيم..
وقد تأملت طويلا في الذين يحتفلون بالحياة فعلاً، وتحتفل بهم تبعاً لذلك، ومنحهم خير ما فيها، فوجدت من صفاتهم:
-
أنهم يختارون رفقة طيبة في هذه الحياة.. يختاون الأجواد الطيبين.. المتفائلين المشرقين.. ولا غرابة في هذا.. فالطيور على أشكالها تقع..
-
ويؤدون أعمالهم بإخلاص وإتقان.. فإذا أُوءكل إلى احدهم عملٌ نَهَضَ به كما يجب.. أو اعتذر عنه إذا كان لا يستطيع.. ولكنه لا يخدع نفسه ولا يخدع غيره..
-
وأنهم لا يستخدمون ذكاءهم في اتهام الآخرين.. ولا يُحَمِّلُون الكلمات والمواقف فوق ما تطيق.. ولا يَحُمِلونها على أسوأ محمل.. على العكس من هذا.. يفسرونها أحسن تفسير يصلون إليه.. ويحملونها على المحمل الحسن ما استطاعوا.. ولا يظنون بالناس ظنَّ السوء.. ذلك أطهر لقلوبهم.. وأزكى لهم.. وأنظف لذاكرتهم.. وأقل لعداواتهم.. وأحرى به أن يجعل الناس يحبونهم.. ويعرفون أقدارهم حين يجربون غيرهم.. وبما أن شارع النجاح يمر عبر الناس.. فإنهم يفتحون الطريق لإنسان مثل هذا.. لم يظلمهم ولم يسؤهم..وإنما كان معهم وكان يحبهم.. وهو يجد ما هو أجمل من النجاح وهو السعادة التي تصاحبه ومحبة الناس.. فإن كثيراً من الناجحين يفجعون بالنجاح حين يصلون إليه لأنهم يجدونه سراباً في سراب، يجدون معه الشقاء وكراهية الناس وأطنان البغضاء والعداوات لكثرة ما ظلموا ليصلوا إلى النجاح الموهوم.
وهم بطبيعتهم يسرهم إسعاد الآخرين ويسعون إليه ما استطاعوا، وقد أجمع الحكماء على أن إسعاد الآخرين أقصر وسيلة لإسعاد النفس، فوق ما فيه من أجر وثناء، وإن كان صاحبه لم يهدف إلى الثناء، وإن كان يعمل في الخفاء، ولكن الناس شهود الله في الأرض، وعمل الخير يظهر وإن لم يقصد صاحبه ولم يظهر، وتلك عاجل بشرى المؤمن، قيل لرسول الله ~:
"أرأيتَ الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟
فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن".
رواه مسلم.
- أما هؤلاء الأصحاء الذين يحتفلون بالحياة ويعرفون جمالها ويسعون فيها خيراً ويسعدون بها ويُسءعِدون من حولهم فهم يصطحبون معهم دائماً حسن الأخلاق، فالخلق الحسن أجمل ما يصطحبه الإنسان في داخله ليسعده ويريحه هو قبل غيره، فحسن الخلق هو البر فكأن الإنسان هنا يبر نفسه، أما سوء الأخلاق فهو الإثم يحمله الإنسان بين جوانحه وبئس الرفيق هو، قال رسول الله ~: "البِرُّ حسن الخُلُق، والإثم ما حاك في صدرك وكرِهءتَ أنء يطلَّع عليه الناس".
رواه مسلم.
والخلاصة أن الاحتفال بالحياة يعني أن يكون الإنسان نافعاً لنفسه ولغيره، محباً.. محبوباً.. متسامحاً.. مقبلاً على الخير.. متفائلاً به.. ولا يعمل هذا إلا معافى.. وعافية النفس لا تتأتى إلا بالإيمان والعمل الصالح ومحبة الناس..
أما مريض النفس فلا شيء يعجبه ولا شيء يرضيه:
ومن يكُ ذا فم مُرّ مريضٍ
يجِد مُرّاً بِهِ الماءَ الزلالا
نقلا عن الرياض
جميل جدا لكن أين الأصدقاء بهذه المواصفات؟