الهجرة للمدن الرئيسية.. تكلفة متى تتوقف؟!

10/12/2012 1
سعود الأحمد

الدول المتقدمة تنبهت منذ عشرات السنين إلى الخطأ الاستراتيجي للنمو السكاني المتسارع في المدن الرئيسية، وما يسببه من ضغط على الخدمات العامة وحركة المرور (والنقل العام بصفة عامة). وشخصت أهم أسباب ذلك في نزوح وهجرات سكان القرى والبلدات والضواحي والمدن غير الرئيسية إلى المدن الرئيسية للعمل والدراسة والتجارة والعلاج، ورغبة في العيش في بيئة حضارية مكتملة المرافق والخدمات.

وذلك بعد أن توسعت العواصم العالمية والمدن الرئيسية حتى اختنقت وارتفعت فيها أسعار الأراضي والمساكن إلى أرقام فلكية. وكل ذلك جراء النمو السكاني غير الطبيعي... وحتى باتت خيارا للعيش غير الصحي وبيئات للجو الملوث.

وبناء عليه فقد حولت الحكومات معظم نفقاتها لمنشآت البنية التحتية من داخل المدن الرئيسية إلى خارجها،ووجد ما يعرف بالمدن الجامعية والمدن الطبية والمدن الصناعية المتكاملة المرافق والخدمات.. إلى غير ذلك. وكل ذلك بعد أن اقتنعوا «تماما» بأن توفير هذه الاحتياجات المعيشية في أطراف المدن والقرى والأرياف أجدى لتحقيق التنمية الشاملة. حتى بلغ الحال بالموسرين أن يفضلوا العيش خارج المدن الرئيسية عوضا عن داخلها. لكن مشكلة معظم الدول المتقدمة تتمثل في شح الأراضي لبناء مدن جديدة، كالمدن الجامعية والصناعية والمناطق الزراعية.. وهو ما نختلف عنه في الدول الخليجية، فنحن نخصص محميات فطرية بآلاف الكيلومترات.

والحق يقال، إننا بدأت تطبيق فكرة التنمية الشاملة، لكن الذي ينقصنا هو العمل بجدية في مسألة برامج توزيع البنية الأساسية لتشمل مختلف المناطق. فهناك مشاريع لبناء مدن صناعية وجامعية جديدة خارج المدن الرئيسية، مثل جامعة القصيم وحائل وشقراء والدوادمي والمزاحمية والجوف وغيرها، لكنها مدن وسط الصحراء تفتقر إلى الخدمات الأساسية، مثل النقل (ويشمل المطارات والسكك الحديدية) ومحطات تحلية المياه وتجديد وتوسيع واستكمال الطرق البرية المؤدية إلى هذه المدن.. التي ينتظر لها أدوار حيوية على طريق التنمية الشاملة. فعلى سبيل المثال، هذه المدن يفترض أن تقطنها عمالة من مختلف دول العالم، وبالتالي تحتاج إلى ممثلين للسفارات والقنصليات الأجنبية بالسعودية! لكي لا يحتاج المغترب إلى السفر للرياض أو جدة أو الدمام لتجديد جواز سفره أو إضافة مولود أو إسقاط مولود، أو إضافة زوجة وعاملات المنازل والمستشفيات عندما يحتاجون لخدمات القنصليات، (إلى غير ذلك).

ولا بد من زيادة صلاحيات فروع الجهات الحكومية ليستغني المراجع عن السفر للمدن الرئيسية لإنهاء بعض الإجراءات الرسمية. وأهم من ذلك، ربط الخدمات الصحية بالشبكات الإلكترونية المرئية،حتى يتم الكشف والتشخيص دون سفر المريض لمستشفيات المدن الرئيسية وتكبده وتكبد الحكومة التكاليف المادية، ولا بد أيضا من توفير خدمات مثل مراكز الغسيل الكلوي ورعاية المعاقين ومرضى السكر.. إلى غير ذلك من الخدمات الصحية التي يسافر لأجلها المحتاج لها من أماكن بعيدة إلى المدن الرئيسية.

وختاما أقول... إن المدن الجديدة تنجح إذا توفرت بها كامل الخدمات الحيوية، أما إذا كانت تعتمد على خدمات المدن الرئيسية فتعتبر تابعة لها. وهذا هو معيار ومحك التنمية الشاملة بمعناها الحقيقي. أما مجرد بناء جامعة أو مجمع صناعي خارج المدينة الرئيسية أو في بلدات خارجة عن المدينة ودون توفير خدمات متكاملة، فهذا يشكل عبئا جديدا على المدن الرئيسية المجاورة لهذه المشاريع. يعني أن الهدف الأساسي الذي يتمثل في فك الضغط على المدن الرئيسية وتوزيع الخدمات بمختلف المدن والمناطق لن يتحقق.