لماذا يجب ألا نقلق من تحويلات العمالة؟

04/02/2013 9
سعود الأحمد

الأسبوع الماضي كتبت هنا بعنوان «لي في تحويلات العمالة رأي»، وأستمر في حديثي عن نفس الموضوع وبنفس الرأي، وأنا أعلم يقينا أن توجه الحكومة ووسائل الإعلام مستمرة في وقوفها مع الجهود الحثيثة لمواجهة تحويلات العمالة. وإن كان البعض يسميها «هدرا» و«تسربا» و«خسائر» و«نفقات»... ويا ليت من كتبوا يعرفون تأثير مثل هذه الكتابات.

وأقول بأننا يجب ألا نقلق كثيرا من مبالغ تحويلات العمالة ونجعل منها قضية القضايا، لأن هذا (في تقديري) نوع من التفكير السلبي في الإدارة. وعوضا عن ذلك يجب أن نفكر في أسئلة أخرى أكثر عملية وفاعلية، مثل: هل نحن محتاجون لجميع هذه العمالة؟ وما هي شرائح هذه العمالة طبقا لشرائح تحويلاتهم؟ وما هي الفئات الأكثر تحويلا لهذه المبالغ؟ وما هي المنافع التي تقدمها هذه الفئات للمجتمع والوطن والاقتصاد؟ وما هي البدائل المتاحة لسد حاجتنا من هذه الخدمات؟ وما هي المعالجات الأخرى الأكثر فعالية لمعالجة المشكلة؟ والواقع أن لدينا مهنا كثيرة نحتاج لمن يعمل فيها، واستقدامنا لهذه العمالة لتعمل فيها ليس مجرد رفاه، ولكنه مقتضى الحاجة. ومن يعمل يستحق أن يكسب، وكونه يصرف ما يكسب أو يحوله لبلاده «فهذا شأنه». ولا يغيب عن الأذهان أن بعض هذه المهن تحتاج لمؤهلات ومهارات عالية لا تتوفر لدينا بالقدر الذي يفي بحاجتنا، وحري بنا أن نعمل على رفع مستوى أبنائنا ليسدوا هذا العجز. وبالمقابل هناك مهن دنيا لا يقبل بها المواطن الخليجي، وحري بنا ألا نشجع على أن تشغل بمواطنين.

والفكرة أننا، ومع توفر الإمكانيات المادية في الدول الخليجية، يجب أن نشجع أبناءنا على أن ينهلوا من العلوم وإكمال تعليمهم الجامعي والعالي قدر الإمكان والتدرب داخليا وخارجيا ليتقنوا المهارات الفنية.. ونعي أن ذلك ليس نوعا من التكاليف الاستهلاكية، ولكنه نوع من الاستثمار في الطاقات البشرية. ليزداد لدينا عدد الأطباء من ذوي التخصصات المطلوبة، كطب العيون والأعصاب والأسنان والروماتيزم والأورام والأعصاب، وغيرها من التخصصات الطبية، إلى آخر ذلك من أصحاب المهن المطلوبة، كالصيادلة والكيميائيين واختصاصيي تركيب الأسنان والأشعة والتجميل والمهندسين والطيارين والمحامين والمحاسبين.

هذا التوجه بالتبعية سيقلل من المواطنين الذين يضطرون للعمل في مهن دنيا وبدخول (أيضا) متدنية. ولا نسير خلف شعارات جوفاء تنادي بالاكتفاء الذاتي من العمالة حتى في المهن الدنيا. ولا نلتفت لمن يفترض أن هناك عاملا مغتربا سيكسب ويجب ألا يحول أموالا لبلاده! فنحن نشتري خدماتهم كما نشتري المواد التي نستوردها من الخارج، وكل ذلك يستلزم تحويل أثمانها للخارج.

وعوضا عن ذلك (أيضا) علينا أن نفكر في من هم ذوو التحويلات الضخمة؟ وماذا قدموا لنا؟ فاللاعب أو المدرب لكرة القدم، عندما يحول عشرات الملايين «وبالدولارات» كشرط جزائي لأن عقده أنهي، هذا لا يعتبره البعض تسرب أموال! ولكن العامل الذي يعفر وجهه بالتراب وهو ينقل البطحاء أو الإسمنت أو الرمل الأبيض نعتبر تحويلاته هدرا للاقتصاد! والبعض (على جهله) يطرح هذه التحويلات من إيرادات الميزانية المعلنة، والمسكين لا يدرك أن لا علاقة بين الرقمين، وأن هذا المعلن من الإيرادات في نشرة ما يسمى بـ«الموازنة العامة للدولة» ما هو إلا المتوقع.

والعلاقة يفترض أن تربط بالناتج المحلي. والبعض يتعلل بأن هناك فئة من العمال ومع ذلك تحول شهريا بمئات الآلاف من الدولارات، ونقول لمعالجة هذه المشكلة ابحثوا عن خيوط الجريمة.

وخلاصة القول... لدينا وفورات مالية نريد تشغيلها في استكمال البنية التحتية وبناء مشاريع تنموية واستثمارية، ولدينا أموال مهاجرة نريد أن نحفزها للعودة، وأخرى نحرص على توطينها... فلا نضع من القيود ما يتعارض مع كل هذه الجهود.