الأسبوع الماضي كتبت هنا بعنوان «لي في تحويلات العمالة رأي»، وأستمر في حديثي عن نفس الموضوع وبنفس الرأي، وأنا أعلم يقينا أن توجه الحكومة ووسائل الإعلام مستمرة في وقوفها مع الجهود الحثيثة لمواجهة تحويلات العمالة. وإن كان البعض يسميها «هدرا» و«تسربا» و«خسائر» و«نفقات»... ويا ليت من كتبوا يعرفون تأثير مثل هذه الكتابات.
وأقول بأننا يجب ألا نقلق كثيرا من مبالغ تحويلات العمالة ونجعل منها قضية القضايا، لأن هذا (في تقديري) نوع من التفكير السلبي في الإدارة. وعوضا عن ذلك يجب أن نفكر في أسئلة أخرى أكثر عملية وفاعلية، مثل: هل نحن محتاجون لجميع هذه العمالة؟ وما هي شرائح هذه العمالة طبقا لشرائح تحويلاتهم؟ وما هي الفئات الأكثر تحويلا لهذه المبالغ؟ وما هي المنافع التي تقدمها هذه الفئات للمجتمع والوطن والاقتصاد؟ وما هي البدائل المتاحة لسد حاجتنا من هذه الخدمات؟ وما هي المعالجات الأخرى الأكثر فعالية لمعالجة المشكلة؟ والواقع أن لدينا مهنا كثيرة نحتاج لمن يعمل فيها، واستقدامنا لهذه العمالة لتعمل فيها ليس مجرد رفاه، ولكنه مقتضى الحاجة. ومن يعمل يستحق أن يكسب، وكونه يصرف ما يكسب أو يحوله لبلاده «فهذا شأنه». ولا يغيب عن الأذهان أن بعض هذه المهن تحتاج لمؤهلات ومهارات عالية لا تتوفر لدينا بالقدر الذي يفي بحاجتنا، وحري بنا أن نعمل على رفع مستوى أبنائنا ليسدوا هذا العجز. وبالمقابل هناك مهن دنيا لا يقبل بها المواطن الخليجي، وحري بنا ألا نشجع على أن تشغل بمواطنين.
والفكرة أننا، ومع توفر الإمكانيات المادية في الدول الخليجية، يجب أن نشجع أبناءنا على أن ينهلوا من العلوم وإكمال تعليمهم الجامعي والعالي قدر الإمكان والتدرب داخليا وخارجيا ليتقنوا المهارات الفنية.. ونعي أن ذلك ليس نوعا من التكاليف الاستهلاكية، ولكنه نوع من الاستثمار في الطاقات البشرية. ليزداد لدينا عدد الأطباء من ذوي التخصصات المطلوبة، كطب العيون والأعصاب والأسنان والروماتيزم والأورام والأعصاب، وغيرها من التخصصات الطبية، إلى آخر ذلك من أصحاب المهن المطلوبة، كالصيادلة والكيميائيين واختصاصيي تركيب الأسنان والأشعة والتجميل والمهندسين والطيارين والمحامين والمحاسبين.
هذا التوجه بالتبعية سيقلل من المواطنين الذين يضطرون للعمل في مهن دنيا وبدخول (أيضا) متدنية. ولا نسير خلف شعارات جوفاء تنادي بالاكتفاء الذاتي من العمالة حتى في المهن الدنيا. ولا نلتفت لمن يفترض أن هناك عاملا مغتربا سيكسب ويجب ألا يحول أموالا لبلاده! فنحن نشتري خدماتهم كما نشتري المواد التي نستوردها من الخارج، وكل ذلك يستلزم تحويل أثمانها للخارج.
وعوضا عن ذلك (أيضا) علينا أن نفكر في من هم ذوو التحويلات الضخمة؟ وماذا قدموا لنا؟ فاللاعب أو المدرب لكرة القدم، عندما يحول عشرات الملايين «وبالدولارات» كشرط جزائي لأن عقده أنهي، هذا لا يعتبره البعض تسرب أموال! ولكن العامل الذي يعفر وجهه بالتراب وهو ينقل البطحاء أو الإسمنت أو الرمل الأبيض نعتبر تحويلاته هدرا للاقتصاد! والبعض (على جهله) يطرح هذه التحويلات من إيرادات الميزانية المعلنة، والمسكين لا يدرك أن لا علاقة بين الرقمين، وأن هذا المعلن من الإيرادات في نشرة ما يسمى بـ«الموازنة العامة للدولة» ما هو إلا المتوقع.
والعلاقة يفترض أن تربط بالناتج المحلي. والبعض يتعلل بأن هناك فئة من العمال ومع ذلك تحول شهريا بمئات الآلاف من الدولارات، ونقول لمعالجة هذه المشكلة ابحثوا عن خيوط الجريمة.
وخلاصة القول... لدينا وفورات مالية نريد تشغيلها في استكمال البنية التحتية وبناء مشاريع تنموية واستثمارية، ولدينا أموال مهاجرة نريد أن نحفزها للعودة، وأخرى نحرص على توطينها... فلا نضع من القيود ما يتعارض مع كل هذه الجهود.
فعلا وضعت يدك على الجرج . الا ترى تقسيم هذه المهن الى نطاقات او فئات ثلاث ( تيمنا بمصطلحات وزارة العمل ) مجديا ومن خلالها يمكن لمكتب العمل الحكم في منح التاشيرات ذات المهن النافعة من غيرها من المهن . شكرا
فى رأيى المتواضع ..وأنا أكن لهذا البلد كل الحب والوفاء ..أن يتم فرض ضرائب تصاعدية ( عن كسب العمل ) ويسرى على كل مايتقاضاه العاملين المقيمين ..مع إعفاء للحدود الدنيا للمعيشة ..وكا أوضحتم ..الدولة تشتري خدماتهم كما تشتري المواد التي تستوردها من الخارج، وكل ذلك يستلزم تحويل أثمانها للخارج...والعقد شريعة المتعاقدين ..
رائع دائما استاذ سعود فعلا يجب التفكير في الحاجه الي كل هذا العدد من العماله ومن يقف خلفهم ويتاجر بهم فهم ضحايا مثل الوطن للاقطاعين الذين لم يتجراء احد حتي الان علي ذكرهم
هناك سيل كبير من المقالات وكلها تصب في الدفاع عن وجود الأجانب بطريقة غير مباشرة. صعب الدفاع عنهم مباشرة, لكن ممكن بطريق غير مباشرة. وردي هو نفس الرد على المقال السابق وهو التالي..
هناك خرافة منتشرة وهي ان "المواطن لن يقبل بهذه المهنة او تلك". السبب الرئيسي لعدم قبوله لبعض المهن, هو ان دخلها هو نفس دخل فقير آتي من الهند. لكن تخلص من العمالة الاجنبية, وارفع مستوى الرواتب ليكون شبيه بمستوى راتب الميكانيكي والكهربائي الامريكي, بحيث يستلم ما يقارب 200 ريال بالساعة, ووقتها شف كيف يعملون. القول بان "المواطن لا يرضى بان يعمل كذا وكذا" هذه شماعة يرددها البعض بحسن نية, والبعض الآخر من التجار يريد الضحك على المواطن بمثل هذه العبارات, فهو قد ادمن العمالة الرخيصة ولا يريد ان تسلط الاضواء على أهمية التخلص منهم ورفع مستوى الرواتب.
اضيف لما سبق, انه من الملاحظ كثرة المقالات التي تكتب بشعارات "المواطن لا يرضى ان بعمل" وتخاطب عاطفته, وكلها تصب باتجاه واحد, وهو عدم الرغبة بالتخلص من الأجانب. ونلاحظها بعبارات مثل "فإن النتيجة الحتمية أننا سنعمل على هجرتهم، ونبقي فقط على قليلي المهارات." طيب درب السعودي, هناك خريجين ميكانيكا وكهرباء ولحام والمونيوم ونجارة حتى, وكلهم سعوديين, دربهم ووظفهم. لكن الموضوع ليس انه "ما يرضى" بل ان الشركات تريده ان يرضى بنفس الرواتب التي تدفعها للآتي من نيبال. وبدلا من ان تقول الشركات "لا يرضى برواتبنا" تقول "لا يرضى بالمهنة" لذلك احنا ضعوف ومساكين ومضطرين نجيب عمالة من الخارج ولا أصلا ما نريد ذلك. هذه الرسالة التي يريدون ايصالها.
مافائدة ان تبني وطنا بلا انسان كلها ترهات وتهرب من ان يستلم ابناء الوطن جميع الوضائف في بلدهم متى نكون قادرين ان نبني جيل قادر ان يزيح هؤلاء المهاجرون والمهجرون اللذين يستنفذون موارد الوطن والمواطن يعمل 30 سنه ولا يستطيع ان يبني بيتا يأويه هو وعياله والاجنبي يبني قصرا في دياره ولا يترك البلد الا وهو جثة هامده كما رأيناهم يوجد خلل في التفكير لدينا مفاده ان راتب الاجنبي يساوي نصف راتب السعودي وهذا يودي الى ما لا تحمد عقباه
كلام يدل على معرفة اقتصادية ودراية قلما اجدها في كتاب اخرين، المشكلة برأيي أن الإعلام يحاول تهويل قضايا ثانوية وبدعم للأسف من بعض صانعي القرار ليحاول تحويل الأنظار والمسؤولية من مشكلة بطالة المواطن بسبب ضعف وتيرة نمو الاقتصاد إلى تحويلات العامل الوافد ولو فكرو في المبالغ المصروفة في القطاع السياحي أو الهدر في مبالغ الواردات لخططوا وقادونا إلى الطريق الصحيح بدل من تكرار الكلام الذي نسمعه من 20 سنة مضت. انظر فقط للدول المجاورة (الامارات، قطر، الكويت، البحرين) جميع هذه الدول لديها من العمالة الوافدة أضعاف عدد المواطنين ومع ذلك لم أسمع بنسب بطالة فلكية لديهم واقتصادتهم تسير على الخط الصحيح بالنمو وخلق الوظائف.
أتفق معك أخ سعود، فيه لغط كبير بين الناس ويساندهم في ذلك بعض المتخصصين ممن لا ينظر للصورة الكاملة، وهي إن مشكلتنا ليست بوجود العمالة الأجنبية كمبدأ، ولكن في سوء استغلال نظام الكفيل والاعتماد على الأجنبي في كل شيء على حساب تطوير الإنسان السعودي وخلق الفرص الوظيفية له. كما إن الفوائد الاقتصادية *على المدى القصير* عظيمة جداً بوجود الأجانب والبلد يحقق عوائد عالية وخفض في التكاليف يفوق حجم التحويلات بمراحل عديدة. ولكن على المدى البعيد، نحتاج إلى تطوير الإنسان السعودي وتوفير الوظائف للشباب.