عرضت في الجزء الأول من هذا المقال-وهو الثالث في سلسلة مقالات عن موضوع الخارطة الصناعية الخليجية- أن أرقام براءات الاختراع في دول مجلس التعاون متواضعة جداً إذا ما قورنت بمثيلاتها في دول أخرى نجحت في خلق صناعات وطنية متطورة. وقد أشارت الخريطة الصناعية إلى أن متوسط براءات الاختراعات في دول المجلس في الفترة 2006-2008 بلغت 105 براءة اختراع سنوياً، كان أغلبها في السعودية والإمارات. وأشار التقرير السنوي الصادر في مارس الماضي عن المنظمة العالمية للحقوق الفكرية، إلى أن هذين البلدين- السعودية والإمارات- قد حققا بعض التقدم في هذا المجال، في حين تأخرت الدول الأخرى؛ حيث تراجعت براءات الإختراع الممنوحة للكويت إلى 5 فقط، ولم تظهر أسماء قطر والبحرين وعمان في القائمة لا في عام 2010 ولا في عام 2011.
وقد راعني أن كثيراً من الدول الأخرى قد حققت زيادات كبيرة جداً في أرقامها في نفس الفترة. صحيح أن تلك الزيادات لا تتوقف على مدى التقدم العلمي في تلك الدول فقط، وإنما على إجمالي عدد السكان في كل دولة ومدى تقدم التعليم فيها، إلا أن مجرد وجود عشرات الآلاف سنوياً من براءات الاختراع في الدول الرئيسية يكشف عن سر تقدم هذه الدول وتبوءها مراكز متقدمة في مجال الإنتاج الصناعي. فالتقدم الذي أحرزته الصين في السنوات الخمس الأخيرة في مجال الصناعة يقابله زيادة مضطردة في براءات الإختراع الممنوحة لها من 5455 براءة في عام 2007 إلى 16406 براءة في عام 2011. وارتفعت براءات الإختراع لكوريا الجنوبية في نفس الفترة من 7064 إلى 10447 براءة في عام 2011. وجاءت الولايات المتحدة في عام 2011 في المركز الأول بعدد 48596 براءة، تليها اليابان بنحو 38888 ثم ألمانيا بنحو 18568، ثم الصين وكوريا الجنوبية وفرنسا في المراكز التالية حتى السادس، ثم بريطانيا في المركز االسابع بنحو 4844 براءة اختراع. وانخفض العدد في الدول التي احتلت المراكز التالية بحيث بلغ 1725 براءة في أسبانيا التي احتلت المركز الخامس عشر في الترتيب. ومن غير المفترض أن يكون لدى دول مجلس التعاون مجتمعة آلاف الاختراعات سنوياً، وبحسبها أن تحقق ألف براءة إختراع مثل نيوزيلندا أو 1400 اختراع مثل إيرلندا. الجدير بالذكر أن أغلب الاختراعات تكون من مؤسسات وشركات كبيرة، فوفقاً لبيانات عام 2011، فإن شركة ZTE الصينية قد احتلت المركز الأول عالمياً وسجلت بمفردها 2826 براءة، بزيادة بنحو 958 براءة عن السنة السابقة. وجاءت شركة باننسونيك اليابانية في المركز الثاني بنحو 2463 براءة، ثم توالت بعد ذلك الشركات الصينية واليابانية والألمانية والكورية. وقد ساهمت الجامعات بعدد لا بأس به من البراءات وخاصة جامعة كاليفورنيا، ومعهد ماسوشستس للتكنولوجيا وجامعة تكساس، وجامعة جون هوبكنز. كما كان للحكومات ومراكز الأبحاث وخاصة في فرنسا وألمانيا وسنغافورة مساهمات كبيرة في عام 2011.
ومع ملاحظة أنه لا يتم الإعلان عن تفاصيل الإختراعات فإن من بين البراءات التي نُشرت تفاصيلها في عام 2011، فإن 7.1% كانت في مجال تقنية الاتصالات الرقمية، وأخرى بنسبة 6.9% في مجال المعدات الإلكترونية، و 6.6% في مجال التقنيات الطبية، و 6.4% في تقنيات الحاسوب. وقد لوحظ أن كثير من الاختراعات كانت تتم بمشاركات بين أكثر من شركة أو أكثر من دولة.
والخلاصة أن على دول مجلس التعاون أن تتقدم أكثر في هذا المجال سواء بالتعاون فيما بينها أو بالبحث عن شركاء خارجيين. وعلى المؤسسات والشركات الوطنية الكبيرة مثل سابك وصناعات وكيوتيل واتصالات وغيرها، إضافة إلى الجامعات ومراكز الأبحاث مسؤوليات كبيرة في هذا المجال لتحقيق نقلة نوعية في عدد ما يمكن تسجيله سنوياً من براءات اختراع بما يساعد في دعم تطور الصناعة الخليجية.