"علامة" ساركوزي في الاقتصاد " صفر "

05/05/2012 0
محمد سليمان يوسف

باستثناء القضايا الوطنية أو العقائدية الكبرى التي قد تفرض على الإنسان في لحظة ما التخلي عن رفاهيته ولقمة عيشه وربما حياته ، يبقى الإنسان وضمن الظروف الطبيعية أسير حاجاته اليومية من طعام وملابس وسكن وتعليم ..الخ، وتأمين هذه الحاجات يستدعي الحصول على فرصة عمل، وبهذا المعنى تصبح فرصة العمل من المحركات الأساسية للحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لأي بلد من بلدان العالم وخاصة بلدان المنظومة الرأسمالية مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا ، وهنا سأركز على فرنسا وعلى موقف الناخب الفرنسي من الرئيس "السابق" نيكولاي ساركوزي فقط .

قد لا أكون مبالغا لو قلت أن الحياة السياسية للرئيس الفرنسي ساكوزي قد انتهت – ما لم تحصل مفاجأة انتخابية من العيار الثقيل تقلب الموازين وهذا شبه مستحيل – والسبب برأي ليس تراكم الأخطاء الساركوزية في ملفات السياسة الخارجية ، ولا هو طريقة تعامله مع الملفات الداخلية ذات الطابع الاجتماعي أو الديني أو العنصري ، وإنما هو فشله الكبير في إدارة الملف الاقتصادي بجوانبه المختلفة .

مما لا شك فيه أن ساركوزي حاول الإمساك بتلابيب الملف الاقتصادي منذ اللحظة الأولى لتوليه الرئاسة في فرنسا لأنه يعرف أهمية هذا الملف بالنسبة للمواطن الفرنسي لكن الأمر شتان بين أن تعرف كرئيس دولة أهمية الملف الذي بيدك وبين أن تعرف كيف تديره وساركوزي فشل في إدارة أهم ملف كان بيده طيلة سنوات حكمة وها هو اليوم يحصد ما زرع فالشعب الفرنسي أعطى ساركوزي علامة صفر عن إدارته الملف الاقتصادي .

من المفيد أن نضع أمام القارئ جردة حساب بسيطة لما أنتجته السياسات المالية والاقتصادية للفترة الساركوزية ففرنسا اليوم في وضع اقتصادي حرج ، الدين السيادي يصل لنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي ، وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز " تخفض مرتبة فرنسا على لائحة التصنيف الائتماني من AAA إلى +AA أي درجة كاملة ، وهذا بدوره رفع أسعار الفائدة على سنداتها السيادية ، البطالة في فرنسا وصلت لأعلى مستوياتها منذ عام 1999 وهي اليوم قريبة من 10 % أي ضعف ما وعد به ساركوزي الفرنسيين يوم استلامه السلطة حين تعهد لهم بخفض البطالة إلى 5 % ، الفساد المالي والإداري يعشعش في أروقة الحكم ، الاقتصاد الفرنسي في حالة ركود أي أن معدل النمو صفر ، يوجد في فرنسا حاليا أكثر من 5 ملايين شخص تحت خط الفقر، فرنسا مهددة في أي لحظة بدخول أزمة دين سيادي مشابهة للأزمة اليونانية ، هذا غيض من فيض ، فهل يمكن للشعب الفرنسي أن يسامح ساركوزي ؟! .

إن الشعب الفرنسي قد يسامح رئيسه عن أخطائه في السياسة الخارجية ( تونس ، ليبيا ، مصر ، سوريا ، إفريقيا ) وقد يغفر له بعض الهنات في السياسة الداخلية المتصلة بقضايا اجتماعية أو إدارية أو دينية ( الهجرة ، الحجاب ، سن التقاعد ، مكافحة الإرهاب ) لكنه لن يتسامح على الإطلاق مع من يصفر حسابه البنكي أو يفرغ جيبه من الفرنكات .

لا مكان بعد اليوم لساركوزي في قصر الإليزيه لأنه سقط في امتحان الاقتصاد ، وفي المناظرة التلفزيونية الأخيرة ، فشل في امتحان الأخلاق ونال درجة صفر للمرة الثانية، أما المرة الأولى التي نال فيها علامة صفر في امتحان الأخلاق فكانت عندما خلع ساعة يده الفاخرة وكأنه يتهم الشعب – استباقا - بالسرقة ، فهل يمكن للشعب الفرنسي أن يعطي من يتهمه بالسرقة أكثر من صفر انتخابي يقذفه خارج الإليزيه .