ايرلندا - النمر الاقتصادي الأوروبي يأفل نجمة في سماء النمو الاقتصادي

04/08/2011 0
د. محمد الشبشيري

يعتبر المنجمون الصينيون عام 2010 عام النمر حيث تبدأ السنة الصينية يوم 14 فبراير 2010 ، وتنتهي يوم 2 فبراير 2011. إلا إن تلك المصادفة والحظ لم يفلح في تحسين أحوال أيرلندا خلال تلك الفترة، والتي تعيش أزمة اقتصادية كبيرة أثرت بشدة على "النمر الاقتصادي الأوربي" وهو اللقب الذي استحقته ايرلندا في وقت سابق للأزمة المالية العالمية وتداعياتها بفضل الطفرة الاقتصادية والصناعية الهائلة خلال فترة التسعينيات، وتبنيها سياسات متعمدة لتحرير التجارة ودعم الصادرات وتنشيط الاستثمار وتحسين أداء النشاط العقاري بالإضافة إلى إحداث تحول هيكلي في الاقتصاد من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد يعتمد على التصنيع.

فقبل عام 2008 بثلاث سنوات استطاعت ايرلندا أن تسجل أعلى معدلات للنمو( 6%) ضمن دول الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليوروولتصبح بذلك رابع أغنى بلد في العالم من حيث متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي، فما الذي حدث لايرلندا لكي يأفل نجمها في سماء النموالاقتصادي والنماء الأوروبي وتتحول إلى بلد يستحق المعونات وتكون بمثابة مفجر من مفجرات وتداعيات الأزمة المالية العالمية وتلحق بالدول ذات المخاطر السيادية الاعلي وتنضم إلى من سبقها من جيرانها في الأزمة مثل اليونان ، حيث اتجهت عربة إطفاء حرائق الأزمات الأوروبية في المحطة الأيرلندية قبل أن تستكمل رحلتها إلي البرتغال وربما مستقبلا إلي إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا‏..‏

فصول الأزمة

مع تورط المصارف الأيرلندية الكبيرة في تداعيات الأزمة المالية العالمية وأزمة القروض العقارية بدت السلطات الايرلندية داعمة لقطاع المصارف بضخ مليارات اليورو والدخول في مشاركات في رأسمالها وتأميم بعض منها فعلى سبيل المثال تم تأميم بنك " أنجلوايربش بنك)" www.Angloirishbank.ie (Anglo Irish Bank بشكل كامل في عام 2010 بحيث تكلف الدعم ما يساوي ثلث الناتج المحلي الإجمالي.

وقد انعكست السياسة النقدية التيسيرية لتظهر في شكل تراكم لديون القطاع المصرفي والتي بلغت 45 مليار يورو وكذلك ارتفاع الديون السيادية بالإضافة إلى اضطرابات في سوق التمويل وارتفاع مخاطر تدهور الجودة الائتمانية للديون السيادية التي في حيازتها.

وهوما أدى إلى ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة لتسجل أكثر من 30 % من الناتج ( الحد الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي هو3 % ) وكذلك ارتفع حجم الدين العام ليصل إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2008 (النسبة المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي هي 60% طبقا لمعاهدة ماستريخت).

وتواجه السلطات الايرلندية أزمة مالية غير مسبوقة رغم جهودها لتنفيذ إصلاحات اقتصادية جزئية في بيئة صعبة إلا أن هذه الإجراءات لم تمنع مؤسسات تصنيف الائتمان من تخفيض تقييماتها فيما يتعلق بالديون السيادية الايرلندية وبالتالي فقد خفضت وكالة موديز العالمية التصنيف الائتماني في منتصف ابريل الماضي لايرلندا مستويين من قبل ليصل إلي إلى أدنى درجة مع توقعات سلبية لينخفض من Baa1 إلى Baa3 وهونفس التقييم ، لكل من أيسلندا ورومانيا وتونس والبرازيل، وكانت مؤسسة ستاندرد اند بورز قد خفضت تصنيف ايرلندا مستوى واحد إلى BBB + مع نظرة مستقبلية مستقرة في بداية أبريل الماضي.

وهو ما دفع الحكومة الايرلندية إلى تقديم طلب مساعدة مالية من الهيئات والمؤسسات الدولية لعلاج أزمتها، وتم بالفعل الموافقة على عقود إنفاق تغطي ثلاث سنوات مع ايرلندا وصندوق النقد الدولي بغية دعم برنامج السلطات للتصحيح الاقتصادي والاستقرار المالي، وتصل قيمة الإنفاق إلى 19.5 مليار وحدة حقوق سحب خاصة حوالي إلي 22.5 مليار يوروأو30.1 مليار دولار أمريكي أو ما يعادل 2.322 % تقريبا من حصة ايرلندا في صندوق النقد الدولي والتي انضمت إلى عضويته في عام 1957، ويشكل هذا الإنفاق جزءا أساسيا من مجموعة مساهمات تصل إلى 85 مليار يورو ( حوالي 113 مليار دولار أمريكي ) تساهم فيها البلدان الأوربية من خلال آلية الاستقرار المالي الأوربية وتسهيل الاستقرار المالي الأوروبي، واستكمالا لهذا التمويل المجمع تساهم السلطات الايرلندية بمبلغ يصل إلى 17.5 مليار يورو من احتياجات العملاء النقدية وأصولها السائلة، ويشكل دعم السيولة من البنك المركزي الأوروبي عنصرا حاكما وجوهريا في البرنامج الاقتصادي والمالي الشامل.

خطط وسياسات تقشفية

وقد أشتمل هذا البرنامج على خطط وسياسات تقشفية حادة تتركز في مجموعة من الإجراءات أهمها زيادة الضرائب، وخفض الإنفاق على قطاعات الصحة والرعاية الاجتماعية وتقليص الرواتب للعاملين في الحكومة، من اجل ترشيد العجز في الموازنة العامة للدولة بحيث تصل إلى 3 % عام 2014، بالاضافة الى اجبار ايرلندا من بعض دول اليورو مثل فرنسا علي زيادة الضرائب علي أرباح الشركات عن12.5% والتي تعد ورقتها التنافسية الوحيدة لجذب استثمارات خارجية تعوضها عن التقشف الداخلي, وكان شرطها السيادي للانضمام لليورو.

من ناحية أخرى اتخذت السلطات تدابير رئيسية لتسوية القطاع المصرفي لكن أوجه الضعف مازالت حادة، فقد قامت الهيئة الوطنية لإدارة الأصول بالاستحواذ على أصول البنوك من الأراضي والعقارات المخصصة للتطوير، وتم ضخ مبالغ رئيسية ضخمة كما ضخت ضمانات سيادية لطمأنة دائني البنوك غير أن ضغوط السوق لا تزال تفرض تحديات أمام تلبية احتياجات تمديد الديون المرتفعة مما يهدد ملاءة الجهاز المصرفي ويحمل الموارد السيادية عبئا بالغ الثقل.

محاور برنامج الإصلاح الاقتصادي

ويركز برنامج الإصلاح الاقتصادي الايرلندي على القضاء على مواطن الضعف في الجهاز المصرفي ويسعى نحو استعادة آفاق النمو الايجابية التي يستحيل بدونها التوصل إلى حل دائم للأزمة، وقد أشتمل البرنامج على ما يلي:-

- إعادة هيكلة الجهاز المصرفي وتقليص حجمه واسترداد صحته.

- ضبط أوضاع المالية العامة وتخفيض العجز والديون على المدى المتوسط.

- تحسين قدرة الاقتصاد على استيعاب الصدمات من خلال وضع نظام خاص لتسوية الديون المتغيرة في البنوك وتقوية آليات الرقابة المصرفية وتوسيع دائرة الإشراف على الموازنة العامة للدولة.

- تحسين كفاءة الاقتصاد بما يعزز إمكانيات النمو.

- استعادة ثقة ومصداقية السياسات وذلك اعتماداً على المساعدات الخارجية لإدارة الفترة الانتقالية.

-

إنقاذ المصارف وليس ايرلندا

وعلى الرغم من حرص السلطات الايرلندية على مراعاة العدالة في تصميم برنامج الإصلاح الاقتصادي وتوزيع أعباء التصحيح الاقتصادي والمالي على جميع طبقات المجتمع وتوفير أقصى درجات الحماية لأكثر الفئات ضعفا إلا أن الشعب الايرلندي البالغ تعداده 4.3 مليون نسمة قد انزعج من صرامة الإجراءات التقشفية المطلوبة، بعد أن خضع لثلاث خطط تقشفية منذ بدأ الانكماش الحاد، وتحولت الأزمة المالية إلى اضطرابات سياسية إذ رأي المحتجون في شوارع المدن الايرلندية المختلفة أن الاقتطاعات المالية في الخطة الأخيرة تأتي على حساب المواطن العادي لإنقاذ المصارف وليس ايرلندا وهو ما أدى إلى إسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة جرت في 25 فبراير الماضي، وفوز حزب العمال المعارض بزعامة أيندي كيني بعد أن أفل نجم حزب " فيا نا فايل " بزعامة رئيس الوزراء برايان كوين الذي حكم ايرلندا خلال فترات طويلة من تاريخها ليتراجع تمثيله من 70 مقعد في عام 2007 إلى 20 مقعد من مقاعد في البرلمان الأيرلندي الذي يضم 166 مقعدا في الانتخابات الأخيرة.

ويبدو أن إجراءات التعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية ولاسيما الإجراءات التقشفية منها سوف تودي بحياة العديد من الحكومات في المجموعة الأوربية في ظل اتساع حده المخاطر السيادية والمصرفية في البلدان الأوربية وانتقالها إلى بلدان أخرى.

تأثير الازمة علي المصارف المحلية الكويتية

مع كل أزمة تثور التساؤلات عن مدي تأثيرها علي المصارف المحلية الكويتية أو البورصة.. ولحسن الطالع أنه لا توجد ارتباطات تذكر بين البنوك المجلية والبنوك الأيرلندية كما أن الأزمة في طريقها للحل ومع تصاعد قيمة اليورو وارتفاع مؤشرات الأسواق العالمية وقدرته علي الصمود برغم أزمة الديون السيادية، والصراع الدائر بين الدولار الأمريكي واليوان الصيني، ومن هنا لا نعتقد أن هناك تأثيرا يذكر لهذه الأزمة علي السوق المحلية اللهم إلا في حجم الإرتباط التجاري بمنطقة اليورو وما قد تسفر عنه الأزمة من تغيرات في أسعار اليورو في الفترة المقبلة،والمخاوف التي يمكن تصورها تتمثل في التأثير السلبي علي معدلات نمو الاقتصاد العالمي وفي هجرة متوقعة للأموال الساخنة حول العالم للأسواق الناشئة.