أفاق الاقتصاد الكويتي 2016

30/12/2015 1
د. محمد الشبشيري

تقريربعثة صندوق النقد الدولي عن أداء الاقتصاد الكويتي، ضمن مشاوراته مع الكويت والمنشور على موقع الصندوق في 7 ديسمبر الحالي، يظهر الأثر السلبي لانخفاض أسعار النفط على أرصدة الميزانية العامة، وميزان المدفوعات، إلا أن الأمر الذي يخفف من وطأة تراجع أسعار النفط الاحتياطيات المالية المرتفعة، والملاءة المالية لدولة الكويت، الذي يرفع من قدرتها على الاقتراض الداخلي والخارجي، وإمكانية إجراء تصحيح متدرج لأوضاع المالية العامة لمواجهة انخفاض أسعار النفط.

ويتوقع أن يرتفع متوسط التضخم إلى 3.4 % في عام 2015 ويظل مستقراً بوجه عام على المدى المتوسط نظراً للتضخم العالمي المحدود ومن المتوقع أن يزداد تراجع مركز المالية العامة والحسابات الخارجية في عامي 2015 و2016 قبل أن يشهد بعض التحسن على المدى المتوسط مع التعافي الجزئي لأسعار النفط والإنتاج النفطي.

 وقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى جعل تنويع الاقتصاد مطلباً أكثر إلحاحاً، كما أصبح إيجاد فرص العمل عالية الإنتاجية من الأمور ذات الأولوية لخفض اعتماد الكويت على كل من إيرادات النفط والعمالة الوافدة، وتركز الحكومة على إجراء إصلاحات لاحتواء الإنفاق الجاري، وإعطاء أولوية للإنفاق الرأسمالي، ومواصلة تطبيق سياسات تهدف إلى زيادة دور استثمارات القطاع الخاص وخلق فرص العمل للمواطنين.

وهذا يعني أن الأوضاع الاقتصادية بالكويت سوف تشهد حالة من التراجع خلال الأعوام المقبلة إذا استمر الوضع كما هو عليه، ومما يخفف من ذلك إعلان التزام السلطات المالية زيادة الإنفاق الرأسمالي نظراً للدور الذي يلعبه الإنفاق الحكومي في تنشيط الاقتصاد، واعتماد القطاع الخاص في غالبية أنشطته على هذا الإنفاق، ويتوقع صندوق النقد أن يصل عجز الموازنة الكويتية بعام 2015 إلى 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد ربط الصندوق توقعه بتراجع مؤشرات الاقتصاد فقط بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، والذي بدأ منذ منتصف 2014.

وتضمن تقريره الإشارة إلى تراجع معظم المؤشرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد الكويتي في 2015 و2016، والتي نتناول بعضها بالتحليل فيما يلي:

تراجع الناتج

يتجه الناتج المحلي الإجمالي الإسمي الكويتي للتراجع في العام 2015 ليصل إلى 121.7 مليار دولار، أي أن التراجع بين أداء الناتج في العامين 2014 و2015 يصل إلى 50.7 مليار دولار، وبنسبة تصل إلى 29.4%.

وعلى الرغم من الانخفاض المفاجئ لأسعار النفط إلا أن  تقديرات الصندوق أنه يتوقع أن يرتفع معدل نمو الناتج حتى العام 2016، فبعد معدل نمو وصل إلى أقل من نصف في المائة في العام 2014، يتوقع الصندوق أن يرتفع النمو ليصل إلى 2.4%  في العام المقبل.

وفي ضوء توقعات متفائلة لأسعار النفط  في تقرير الصندوق فإن أزمة انخفاض أسعار النفط قد تستمر إلى نهاية العام 2016، إذ يتوقع التقرير أن يصل متوسط أسعار تصدير النفط إلى 51.5 دولاراً للبرميل وأن يصل انتاج النفط إلى 2.89 مليون برميل في العام المقبل، وقد أكد خبراء الصندوق، على أن الهوامش الوقائية الكبيرة في المالية العامة والحسابات الخارجية مكنت الكويت من تخفيف أثر انخفاض الأسعار على الاقتصاد الكلي وستسمح بسهولة تعديل الأوضاع الاقتصادية في المرحلة المقبلة. 

تراجع الصادرات

في ظل اقتصاد يسطر النفط على أكثر من 90% من صادراته، من الطبيعي أن يشهد تراجعاً كبيراً في قيمة الصادرات مع أزمة انخفاض أسعار النفط التي يشهدها العالم منذ منتصف العام الماضي، فقد بيّن تقرير الصندوق أن قيمة صادرات الكويت تراجعت قبل عام لتصل إلى 51.8 مليار دولار، بعد أن سجلت 98 مليار دولار في العام 2013، أي أن قيمة التراجع بين العامين 2013 و2014 بلغت 45.3 مليار دولار.

ويتوقع التقرير أن تشهد الصادرات الكويتية بعض التراجع الطفيف، لتصل إلى 51 مليار دولار بنهاية 2016، وبذلك تكون قيمة التراجع قد بلغت 800 مليون دولار بين العامين 2015 و2016، وبنسبة تصل إلى 1.5%.

عجز الحساب الجاري

تسجل الإحصاءات الواردة في تقرير بعثة صندوق النقد الدولي، أن الحساب الجاري في نهاية العام 2014 سجل فائضا بلغ 53.8 مليار دولار، بتراجع يصل إلى 41.3 مليار دولار مقارنة بفائض عام 2013 والذي وصل إلى 69.5  مليار دولار، وهو ما يعكس حجم الانخفاض في أسعار المفط وانعكاسه على أداء الحساب الجاري الكويتى رغم تحقيقه فائضاً بنهاية العام الماضي، ويتوقع الصندوق أن يتراجع فائض الحساب الجاري بنسبة 10.4% في عام 2016 ليصل إلى 11.2 مليار دولار أو ما نسبته 8.9 % في عام 2016. 

كما تشير بيانات تقرير الصندوق إلى أن الواردات السلعية الكويتية في العام 2015 بلغت 25.7 مليار دولار، بزيادة قدرها نحو ملياري دولار عن العام 2014، ويتوقع الصندوق أن تصل الواردات الكويتية إلى 26.1 مليار دولار بنهاية العام 2016، بزيادة  قدرها حوالى 400 مليون دولار عن العام 2015، ونسبة التراجع في الواردات بين العامين 2014 و2015، تصل إلى 2.9% . 

استقرار احتياطيات النقد الأجنبي

بلغت احتياطيات النقد الأجنبي الكويتي في السنوات الماضية معدلات مستقرة لتصل إلى 32.3 مليار دولار في 2014 لتصل إلى 33.0  مليار دولارفي عام 2015، وبزيادة قدرها 1.3 ملياردولار بين العامين.

إلا أن توقعات صندوق النقد تشير إلى إمكانية نمو هذا الاحتياطي بنهاية العام الحالي ليصل إلى 33.3 مليار دولار، وبذلك تكون معدلات الاحتياطى بشهولا واردات السلع يتوقع أن تصل إلى 8.1 أشهر في عام 2016 بالمقارنة بمعدل 7.6 أشهر في عام 2014. 

وفي ظل اتباع الحكومة الكويتية سياسة السحب من احتياطيات النقد الأجنبي لتغطية عجز الموازنة، بسبب تراجع الإيرادات العامة في ظل تراجع أسعار النفط، فقد أعلنت السلطات الكويتية متمثلة في وزارة المالية والهيئة العامة للاستثمار عن إصدار قانون لطرح سندات وصكوك محلية بداية من العام القادم لتغطية العجز المالي بداية، حيث لا تعانى الكويت من ديون محلية أو خارجية كبيرة، هو ما يتيح للحكومة الكويتية الكثير من المجال لزيادة الاقتراض كوسيلة للتخفيف من أثر انخفاض أسعار النفط.

تنويع الاقتصاد ومشاركة القطاع الخاص 

وقد دعا صندوق النقد الدولي السلطات الكويتية إلى الاستفادة من الحيز الذي تتيحه السياسات حالياً لمواصلة إجراء إصلاحات تدريجية من شأنها حماية استمرارية أوضاع المالية العامة، ودعم تنويع الصادارت، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وضبط أوضاع المالية العامة من خلال زيادة تعبئة الموارد غير النفطية، وكبح الإنفاق، وإجراء مزيد من الإصلاحات في الدعم وأجور القطاع العام، وعلى وجه الخصوص خططت السلطات لاستحداث ضريبة القيمة المضافة وضريبة أرباح الأعمال، كذلك أوصى المديرون بالجمع بين مصادر التمويل المحلية والخارجية للحفاظ على الإنفاق الراسمالي وشبكة الأمان الاجتماعي.

سلامة العملة والنظام المصرفي

أشار التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي إلى ملاءمة نظام ربط سعر الدينار المطبق في الكويت وما حققه من استقرار نقدي، وسلامة النظام المصرفي على وجه العموم، ودعا البنك المركزي إلى توخي اليقظة المستمرة وتطوير إطار سياساته الاحترازية الكلية لتعزيز استقرار القطاع المالي كذلك، واستمرار الإشراف الدقيق على المؤسسات غير المصرفية، وزيادة دعم توظيف المواطنين الكويتيين في القطاع الخاص بغية تخفيض الضغوط على الموازنة وإحداث تحول في نموذج التنمية الكويتي. 

وأوصى الصندوق بتعميق الإصلاحات في سوق العمل وبذل جهود إضافية لتحديث التعليم والتدريب، وتنفيذ مزيد من الإصلاحات الرامية إلى تنويع الاقتصاد عن طريق تحسين مناخ الأعمال وزيادة الخصخصة وتعزيز الحوكمة، وأثنى على تقدم الكويت في تقوية نظمها القائمة لمواجهة ممارسات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أثنوا أيضاً على الجهود المبذولة لتحسين جودة الإحصاءات الاقتصادية الأساسية وزيادة توافر المعلومات.