مازالت علامات الاستفهام قائمة حول مستقبل أسعار النفط العالمية خلال الفترة القادمة، ذلك وسط ارتفاع الفائض النفطي في الأسواق العالمية، رغم تراجع الإنفاق على الاستثمارات النفطية في كثير من دول العالم في الآونة الأخيرة.
ونشاهد بشكل واضح الآن صراع بين لاعبي سوق النفط للحصول على إجابة لسؤال واحد:
هل تتجه أسعار النفط نحو تكوين قاع جديد أدنى من 25 دولاراً للبرميل، أم أننا سوف نشهد انعكاساً في مستويات الأسعار خلال عام 2016؟.
فحتى نهاية الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر الجاري، هوى سعر الخام الأمريكي عند مستوى 34.3 دولار للبرميل وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2009 بعد أن نشرت شركة بيكر هيوز تقريراً عن زيادة عدد الحفارات النفطية قيد التشغيل هذا الاسبوع حيث تم إضافة 17 حفارا نفطيا ليصل العدد الاجمالي إلى 541 حفارا ، واعلان الكونجرس الامريكى عن رفع الحظر عن تصدير النفط الامريكى والذى تم فرضه منذ عام 1973.
وحتى الآن في عام 2015، انخفضت أسعار الخام الأمريكي وخام برنت بنحو 68% بالمقارنة مع يونيو 2014، وفقدت الاسعار 36% من قيمتها منذ بداية عام 2015 ، وهي انخفاضات فجائية من المتوقع أن يكون لها تأثيرا سلبيا كبيرا على الدول الرئيسية المنتجة للنفط، وبخاصةً دول الخليج.
وللحديث عن توقعات اتجاهات الأسعار خلال العام 2016، لابد من التعرض لأهم العوامل التي تسيطر على السوق النفطية في الوقت الراهن:
العرض يفوق الطلب
مازال إنتاج النفط العالمي يتفوق على الطلب في ضوء استمرار طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المصادر غير التقليدية للإنتاج النفطي من الرمال النفطية في كندا، وانتاج الوقود الحيوي (المستخرج من نباتات مثل الذرة أو قصب السكر) وبعد قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) العام الماضي بعدم خفض حصة الإنتاج الخاصة بهم، والتي يمكنها إنتاج حوالي 36 مليون برميل يومياً بما يشكل 40% من المعروض ووفقاً للتقديرات الأخيرة، ضخت أوبك نحو 31,6 مليون برميل يومياً خلال شهر أكتوبر 2015، بالقرب من المستويات القياسية، كما أن المنتجين الرئيسيين بقيادة المملكة العربية السعودية يركزون على الدفاع عن حصتهم في السوق عن طريق الحفاظ على أعلى مستوى إنتاج.
وارتفع إنتاج الأوبك من 30,3 مليون برميل يوميا خلال عام 2014 إلي 31,8 مليون برميل يومياً في شهر أكتوبر 2015، بزيادة مقدارها 1,5 مليون برميل يومياً بالرغم من ضعف أساسيات السوق وهو ما يعني استفادة أوبك في اتساع حصتها في السوق النفطية، كما أن زيادة التوقعات بشأن ارتفاع الإمدادات داخل الدول الأعضاء في أوبك تؤدى إلى مزيد من المعروض النفطي، خاصة حين تبدأ إيران بتعزيز إنتاجها من النفط الخام عندما يتم رفع العقوبات الدولية مطلع العام المقبل، بعد الاتفاق النووي الذي تم في يوليو 2015 مع القوى الغربية الكبرى.
وذكرت تقارير إيرانية، أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، وافق على استقطاع 900 مليون دولار من صندوق التنمية الوطني، وتخصيصها للبنى التحتية اللازمة لرفع مستوى إنتاج النفط بواقع 500 ألف برميل يوميا، وتقول وزارة النفط الإيرانية إنها ستقوم بزيادة الإنتاج بواقع 500 ألف برميل يومياً بعد رفع الحظر مباشرة، تعقبها زيادة مماثلة بعد أشهر لاستعادة مستوى التصدير لإيران قبل فرض الحظر الغربي عليها.
وتعمل إيران على مضاعفة صادرات النفط إلى 2,3 مليون برميل يومياً بحلول منتصف عام 2016، مما يضيف المزيد من المعروض من النفط والذي دفع بالفعل بالأسعار للتراجع سابقاً.
ارتفاع مستوى المخزون في البلدان الصناعية
استمرار ارتفاع مستوى المخزون في البلدان الصناعية (OECD) مع نهاية الربع الثالث من عام 2015 الذي أصبح يُغطي 64 يوماً في الطلب مقابل 59 يوماً مع نهاية الربع الثالث من عام 2014، أي زيادة مقدارها 5 أيام بما يؤكد ارتفاع المعروض واختلال ميزان السوق وتتخوف وكالة الطاقة الدولية من وصول حجم مخزونات العالم من النفط إلى 3 مليار برميل، بما يُعطي الأسواق قدراً من الارتياح حيث أن وفرة المخزون من النفط يُعطي حماية مُسبقة من أي صدمات جيوسياسية أو تعطل مفاجئ في الإمدادات من الدول الرئيسية المُنتجة، الأمر الذي يزيد من قدرة الأسعار على مواصلة التراجع دونما أن يكون هناك أي بوادر لاتخاذ الاتجاه المُعاكس.
وقالت وكالة الطاقة إن إمدادات النفط العالمية تجاوزت 97 مليون برميل يومياً في أكتوبر 2015، لتزيد مليوني برميل عن مستواها قبل عام مع تعافي الإنتاج من خارج «أوبك» عن مستوياته المتدنية التي سجلها في الشهر السابق.
رفع الحظر الأمريكى عن تصدير النفط
وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة يوم الجمعة على مشروع قانون للانفاق بقيمة 1.1 تريليون دولار لتمويل الوكالات الحكومية حتى سبتمبر 2016، ورفع الحظر المفروض منذ 40 عاماً على صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام مما يعنى زيادة المخاوف من استمرار إمدادات النفط الأمريكية، على الرغم من انخفاض عدد مصافي النفط، والتي من شأنها أن تشكل خطراً للمزيد من الهبوط للأسعار خلال العام المقبل.
ومع ذلك، فقد حافظ إنتاج النفط في الولايات المتحدة على مستوى نحو 9 ملايين برميل يومياً خلال العام الماضي، بالقرب من أعلى مستوى له منذ أوائل عام 1970.
وفي الوقت نفسه، اقترب إجمالي مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة إلى مستويات لم نشهدها في هذا الوقت من العام خلال ما لا يقل عن 80 سنة مضت، هذا بالإضافة إلى أن هذا القرار قد يعكس إمكانية توصل تكنولوجيا انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة قد اصبح اكثر ربحية وعند مستوي اقل من سعر من المستويات الحالية ويقدر أن صناعة النفط الصخري ، كما يسعى دعم الانفاق الحكومى مبلغ 1.1 تريليون دولار ، قد يمكن الحكومة الامريكية من الدفاع عن صناعة النفط الصخري التى اقترضت أكثر من 1.2 تريليون دولار منذ عام 2008.
وطوفان الانفاق والتمويل الموجه الى صناعة النفط الصخرى يمكن ان يحول الولايات المتحدة إلى اكبر منتج للنفط الصخري في الافلاس، وتواجه هذه الشركات الآن مع الإفلاس ما لم يتمكنوا من الاستمرار في إعادة تمويل ديونها والحصول على تمويل جديد، وهو أمر مستبعد للغاية في هذه المرحلة ولايمكن تحقيقه الا اذا كانت الولايات المتحدة قد اكتشفت تكنولجيا جديدة تمكنها من انتاج النفط الصخري بمستويات اقل من مستويات الاسعار الحالية .
الركود العالمي وتراجع الطلب
تستمر المخاوف بشأن ضعف صحة الاقتصاد العالمي التي أججت المخاوف أن وفرة الإمدادات العالمية قد تبقى عند تلك المستويات لفترة أطول مما كان متوقعاً.
في وقت تتوقع فيه وكالة الطاقة العاملية أن يتراجع نمو الطلب العالمي على النفط إلى 1,21 مليون برميل يومياً في 2016 من مستواه المرتفع البالغ 1,82 مليون برميل يوميا هذا العام.
وتأتي توقعات تراجع الطلب العالمي على النفط في ضوء دخول الاقتصاديات النامية وبعض الاقتصاديات التاشئة دائرة الركود وفي تحليل نشرته منظّمة التعاون والتنمية الاقتصاديّة مطلع الأسبوع تتناول فيه أحوال الاقتصاد العالمي.
وتشير المنظمة إلى أنّ الأرقام التي يسجّلها نموّ الاقتصاد هي أقرب إلى أرقام كانت تّعتبر في الماضي مرتبطة بالركود العالمي.
ويرى الكثير من الخبراء الاقتصاديّين أنّ معدّل نمو أدنى من 3 بالمئة يعني أنّ العالم في مرحلة ركود أو في ظرف اقتصادي شبيه بالركود.
وغالباً ما يربط المحلّلون نموّ الناتج المحلّي الإجمالي العالمي الذي يتراوح بين 3 بالمئة و3.5 بالمئة بانخفاض المواد الخام.
وتتحدّث المنظّمة عن معدّل نمو عالمي يصل إلى 2.9 بالمئة خلال العام الحالي 2015 وإلى 3.3 بالمئة العام المقبل 2016 فأرقام الاقتصاد العالمي تقترب حاليّا ممّا نلاحظه دوما خلال مراحل الركود، كما تتزايد المخاوف حول مدى سلامة الاقتصاد الصيني الذي يعاني من الركود.
وتسير الأمة الآسيوية على طريق تحفيز معدلات نموها السنوية الأضعف منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2015.
وجاء نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الثالث عند 6.9%، وهو معدل أقل بقليل من المستوى الذي تستهدفه الحكومة عند 7%.
وتباطأ الطلب الضمني على النفط في الصين إلى 226,500 برميل يومياً خلال شهر سبتمبر، وهو أضعف معدل نمو خلال 8 أشهر مضت.
في الوقت ذاته، حذرت المنظمة من أن انخفاض الإنتاجية سينعكس سلباً على النمو الاقتصادي العالمي.
وعزت المنظمة انخفاض الإنتاجية وبطء النمو إلى غياب السياسات المحفزة للابتكارات وأخرى تتعلق بالإدارة والتنظيم.
ارتفاع سعر صرف الدولار الامريكى
عامل الدولار ورفع أسعار الفائدة الأمريكية خلال ديسمبر المُقبل، تواجه أسعار النفط رياحاً معاكسة من قوة الدولار الأمريكي بمجرد أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة خلال الاسبوع الماضى والاتجاه نحو تشديد السياسة النقدية.
فتغير السياسة االنقدية لأمريكية من المتوقع أن يعزز قوة الدولار وأن يجعل العقود المستقبلية للنفط المقومة بالدولار أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى حيث ارتفع فية الدولار الامريكى امام العملات بالقيمة المرجعة بالعملات بنسبة 22% خلال نفس الفترة .
زيادة المضاربات فى سوق النفط وانخفاض المخاطر الاقليمية
على الرغم من التوترات الاقليمية ولاسيما في منطقة الشرق الاوسط الا ان انتاج النفط ظل مستقرا ولم يتأثر فقد اضافت ليبيا حوالى 500 الف برميل يوميا في الربع الثالث من عام 2014 ، كما ان انحسار المخاطر في العراق يشير الى استمرار تدفقات النفط ، الا ان الامر المؤكد هو تأثر اسعار النفط يالمضاربات علية وزيادة حجم المشتقات المالية المعتمدة على اسعار اكبر السلع تداولا فى العالم .
وكافة العوامل السابقة، سواء أثرت بصورة مُباشرة أو غير مُباشرة على السوق النفطية، تُدعم بصورة كبيرة استمرار الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط خلال العام 2016، بل ومن المتوقع استمرار انخفاض الأسعار على المدى المتوسط طالماً استمرت دول الأوبك، بقيادة المملكة العربية السعودية، في إتباع سياسة رفع الإنتاج للحفاظ على حصتها الإنتاجية في الأسواق العالمية.
وبناء على العديد من الإشارات الأساسية والفنية وكثير من الدراسات التي تظهر حالياً عبر الطيف الاقتصادي الواسع، من المتوقع أن تدور أسعار النفط حول مستوى 20 - 30 دولار للبرميل في عام 2016.
وامام ذلك على الدول المنتجة للنفط الا تقف مكتوفة الايدى فمع فرضية ان الدول الغربية لن تتخلى عن النفط العربي بسهولة في ظل ارتفاع سعر النفط الصخري وتأثيراته المدمرة على النفط ، الا ان قطار التكنولوجيا يمكن ان يكون اسرع من سياسة اوبك المعتمدة على تلك الفرضية وعلى الدول ان تتخذ قررات واصلاحات على المدى البعيد طال انتظارها ليس اقلها ترشيد استهلاكها المحلى من النفط ،والتركيز على قطاعى التكرير والتسويق العالمى ، وعدم الاعتماد على مورد واحد والتوجه بقوة نحو تنويع الاقتصاديات لدول منظمة الاوبك، واخيرا استيعاب كل ماهو جديد ومبتكر في مجال واستخراج النفط والغاز حتى ولو كان نفطا صخريا تمتلك فيه احتياطات جنبا الى جنب مع انتاج النفط من مصادره التقليدية المتاحة.
ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتِها يُغيّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ