عندما قرر المشرع الإماراتي إصدار القانون الاتحادي رقم (18) لسنة 2006 والقاضي بتعديل أحكام المادة(168) من القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1984 كان يهدف إلى خلق آلية تدعم الأسواق وتخفف عنها الضغوط فالمشرع يتبنى عادة فلسفة تنتج صالحا عاما أو تحافظ على صالح عام قائم، وقد رأى المشرع يومها أن المصلحة العامة للمساهمين والشركات والمستثمرين وباقي أطراف السوق تقتضي إعطاء الشركات المساهمة العامة المدرجة في الأسواق المحلية فرصة شراء نسبة من أسهمها حدها الأقصى 10 % على أن يكون هذا الشراء ضمن ضوابط قانونية صارمة.
تعلمنا في كلية الحقوق أن القانون "نص وروح" وتعلمنا أيضا أن لكل قانون ثغرات يمكن لأي مجتهد اختراقها ولسد هذه الثغرات يتوجب على هيئة المحكمة المكونة من القضاة والنيابة والمحامين استلهام روح القانون وعدم الإصرار على تطبيق حرفية النص طالما كان استلهام روح القانون أصلح للمجتمع.
يأخذ الكثير من المراقبين على الشركات المساهمة العامة المدرجة في سوق الإمارات عدم تعاملها باحترام وجدية مع القانون الاتحادي رقم 18 لسنة 2006 بدليل استغلال هذه الشركات لجميع الثغرات الموجودة في القانون وبما يخدم مصالح أعضاء مجالس الإدارة لا مصالح الشركة والمساهمين فيها والبرهان:
• حصول بعض الشركات على موافقة هيئة الأوراق المالية والسلع لشراء ما نسبته 10% من أسهمها وعندما دقت ساعة الحقيقة اكتفت هذه الشركات بشراء نسبة ضئيلة جدا ثم توقفت عن الشراء بحجج واهية معظمها غير مقبول.
• تعمد بعض الشركات الحصول على موافقة الهيئة لشراء أسهمها والمماطلة في عملية الشراء ثم السعي للحصول على موافقة ثانية مما يشير إلى عدم جدية هذه الشركات.
• افتعال بعض الشركات ضجة إعلامية غير مبررة قبل الحصول على موافقة الهيئة وبعدها وقبل الشراء وأثناءه وبعده وكل ذلك بهدف رفع سعر السهم لا بهدف الشراء الحقيقي والفعال.
• مناقشة بعض مجالس إدارات الشركات بند خاص في جدول أعمالهم حول شراء ما نسبته 10 % من الأسهم ثم وفي نفس الاجتماع تغيير البند وتحويله إلى توزيعات أسهم منحة بنسبة 10 % دون أن يعلم المساهمون الأسباب الداعية لهذا التحول المفاجئ.
• قيام بعض الشركات بتوزيع ما نسبته 10 % من أسهمها ثم فجأة وبعد أقل من شهرين من إقرار التوزيعات وضع بند في جدول أعمال مجلس الإدارة لشراء ما نسبته 10 % من أسهم الشركة في إشارة إلى حالة عجيبة غريبة من التردد والتخبط.
قبل أيام أعلنت إحدى الشركات عن سعيها لتعهيد حصة تتراوح ما بين 20 و30 % من العمليات المملوكة لها بالكامل في مصر بقصد توفير سيولة قد تحتاجها في مقبل الأيام مما أوحى للمساهمين والمضاربين أن الشركة تواجه أزمة سيولة فخاف البعض وباع أسهمه، وفي اليوم التالي قال مسئول في نفس الشركة أن السيولة متوفرة بل وبعد أقل من 72 ساعة وضع مجلس إدارة هذه الشركة على جدول أعماله بندا سيناقشه في اجتماعه القادم وفحوى هذا البند شراء الشركة ما نسبته 10 % من أسهمها، علما أن نفس المجلس اقترح على الجمعية العمومية للشركة– قبل شهرين- توزيع أسهم منحة بنسبة 10 %.. فما الحكمة من كل ذلك ؟!.. هل هذه القرارات هي قرارات استثمارية عبقرية ؟!.. أم هي قرارات ارتجالية؟.
لا أشك لحظة أن الشركات المساهمة العامة تحايلت واستغلت واستباحت واستهترت بروح القانون رقم 18 لعام 2006، وأعتقد أن التجربة أثبت فشل الآلية الحالية للشراء في مساعدة السوق أو في وقف زحف المؤشر العام نحو الجنوب..
صحيح أن الشركات المساهمة العامة لم تخالف النص الحرفي للقانون رقم 18 لعام 2006، لكن الصحيح أيضا أنها فشلت في استلهام روح هذا القانون مما انعكس سلبا على نفسية المساهمين والمستثمرين مما خلق بيئة سلبية في أسواق المال المحلية ولذلك كان من المهم جدا لمسئول الأوراق المالية التصدي لهذه الشركات بمذكرة تفسيرية أكثر شفافية تتبنى روح القانون وأهدافه السامية لكن هذا المسئول لم يفعل واكتفى بالمشاهدة دون التدخل مما يعني في ظل هذه السلبية الواضحة أن المشرع مدعو لإعادة النظر في هذا القانون وتبني واحد من أمرين إما إلغاؤه أو إبقاؤه بعد إغلاق ثغراته.