قراءة في التقديرات المعلنة للموازنة العامةالقطرية الجديدة ( 1 / 2 )

01/04/2010 0
بشير يوسف الكحلوت

ربما لم يكن مفاجئاً أن تسجل الموازنة العامة للدولة زيادة في نفقاتها العامة بنسبة 24.7% أو نحو 23.4 مليار ريال، فقد سبقت بذلك عدة تصريحات لكبار المسؤولين في الدولة في مقدمتهم معالي رئيس مجلس الوزراء وسعادة وزير الاقتصاد والمالية، وأفصح عن تلك التوجهات تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر في أواخر شهر فبراير الماضي.

كما لم يكن مفاجئاً الإعلان عن وجود فائض في الموازنة بمقدار 9.7 مليار طالما أن سعر بيرميل النفط قد تم احتسابه على أساس سعر 55 دولار. ولكن الجديد في الموضوع أن بيان الموازنة لم يتضمن إلا القليل من التفصيلات، الأمر الذي يضع المحللين أمام تمرين ذهني في محاولة لقراءة ما بين السطور من إجل التعرف على دلالات هذه الأرقام، وما هو الغائب منها.وأود في هذه العجالة أن أسجل الملاحظات التالية: 1- أن إجمالي الإنفاق في العام الجديد سيكون هو الأكبر في تاريخ موازنات قطر، ويتجاوز المائة مليار ريال، ويصل إلى قرابة 117.9 مليار ريال، بزيادة نسبها 24.7% عن العام السابق، وهي زيادة كبيرة إذا ما قورنت بمعدل تضخم سلبي يصل إلى 4.6% حتى شهر فبراير2010، ومع ذلك فهي تنسجم مع احتياجات البلاد في هذه المرحلة التي أعقبت تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها المتعددة على الاقتصاد القطري. 2- أن الإنفاق على المشروعات الرئيسية-بند الباب الرابع في الموازنة- يستقطع ما نسبته 36.9% من إجمالي الإنفاق العام، أو ما يعادل 43.5 مليار ريال مقارنة بـ 38 مليار في موازنة العام السابق أي بزيادة نسبتها 14.5%. وسيخصص نحو 35.5 مليار من هذا المبلغ للإنفاق على مشروعات البنية التحتية وبوجه خاص استكمال مباني مطار الدوحة الدولي الجديد. والبدء في أعمال إنشاء ميناء الدوحة الجديد إضافة إلى مشروعات الطرق والصرف الصحي واستصلاح الأراضي وتوسعة شبكات الكهرباء والماء. هذه المليارات الكثيرة يمكن أن تساعد في حل الاختناقات التي تعاني منها المرافق العامة، وتعجل في إيجاد الحلول للمشاكل التي ساهمت في تأخير تنفيذ العديد من المشروعات. وإضافة إلى ذلك هناك سبعة مليارات ونصف المليار لإنشاء مباني أكاديمية ومدارس لمواكبة التوسع في توفير التعليم في كافة أنحاء البلاد وفق معايير متطورة تناسب العصر. ويتبقى من المبلغ المخصص في الباب الرابع –أو المصروفات الإنمائية- نحو 900 مليون ريال لإنشاء واستكمال بناء المستشفيات والمراكز الصحية، وغيرها من المرافق. 3- من المتوقع أن تبلغ موازنة الرواتب والأجور-الباب الأول- نحو 25 مليار ريال، ويشكل ذلك زيادة طبيعية نتيجة المزيد من التعيينات والعلاوات الدورية وبعض الترقيات. وبالطبع تتضمن هذه الرواتب كافة رواتب العاملين بالقطاع الحكومي بما في ذلك قطاعي التعليم والصحة. 4- وبالمحصلة ، فإن تقديرات البابين الثاني والثالث في الموازنة العامة المخصصين في العادة لتوفير السلع والخدمات، والمشروعات الصغيرة التي تحتاجها المرافق الحكومية كافة بما فيها الصحة والتعليم تقدر أن تكون في حدود 49.4 مليار ريال، منها نحو 4 مليارات لفوائد الدين الحكومي في الداخل والخارجي، أي فوائد السندات الحكومية سواء المصدرة منها بالدولار أو بالريال. 5- إن تقديرات الموازنة العامة على هذا النحو تتضمن فائضاً يصل إلى 9.7 مليار ريال، عند سعر 55 دولار للبرميل ، مع التسليم بأن الفائض سيكون أكبر إذا ما استمر سعر برميل النفط حول المستوى الحالي في الربع الأول البالغ 75 دولار للبرميل، أي أن هناك زيادة متوقعة في الإيرادات بنسبة 36% مما سيساعد الحكومة في تنفيذ برامجها الإنمائية الطموحة وبما يحقق ما يصبو إليه المجتمع القطري من إحداث تنمية مستدامة في الأجل الطويل. 6- سيعمل الفائض المتوقع في الموازنة العامة على تعزيز برنامج الحكومة لدعم استثماراتها الخارجية ووما قد يتطلبه القطاع المصرفي القطري من دعم ، بحيث قد تقوم بضخ المزيد من السيولة للبنوك الوطنية، وخاصة بدفع حصة جديدة في مساهمة جهاز قطر في رؤوس أموال البنوك باستثناء الوطني. الجدير بالذكر أن جهاز قطر دفع ما نسبته 10% للبنوك على مرتين في عام ، 2009 وتبقى 10%. وفي كل الأحوال، فإن أرقام الموازنة العامة لهذه السنة الجديدة تدعو إلى التفاؤل بما فيها من زيادات ملموسة في الإنفاق ؛ وأن تتقدم خطوة إلى الأمام خير من الرجوع إلى الخلف. ولا ننسى أن الحكومة تضع نصب أعينها عدم الإفراط في الإنفاق حتى لو زادت الإيرادات بأكثر مما هو مقدر، ذلك أن حرصها على عدم السماح للضغوط التضخمية كي تعود لتطل على المجتمع من جديد هو أمر يقدره الجميع ويضعونه في الحسبان، ولذا فلا أحد يطالب بالتوسع في الإنفاق بأكثر من الأرقام المعلنة، والله الموفق. ملاحظة : الأرقام الواردة في المقال عن نفقات الرواتب والأجور وموازنة البابين الثاني والثالث هي تقديرات شخصية على ضوء ما ورد سابقاً في تقديرات صندوق النقد الدولي.