العواقب التضخمية لإلغاء العولمة

21/07/2022 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

رغم أن التضخم المفرط يشكل اليوم تهديداً أساسياً للأسواق العالمية، إلا أن تجاهل العواقب التضخمية لانهيار العولمة قد يمثل إشكالية كبرى خلال العقد المقبل، فالعولمة تبقى في النهاية، رغم تحفظنا عليها، حركة تطور تاريخي تشبه شلال  التسونامي الذي لا يمكن وقفه، وعلينا أن نتذكر أن العولمة هي التي قادت باقتدار حركة التجارة الدولية خلال العقود الماضية، وساعدت على نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 50 تريليون دولار عام 2000 إلى 85 تريليون دولار في عام 2021، وازدهرت في كنفها تدفقات الإنتاج عبر الحدود، وحررت ديناميكية الاستثمارات والتجارة في قارات أساسية مثل آسيا وأمريكا وأوروبا.

يجب الاعتراف بأن العولمة ساعدت على تقليل الضغوط التضخمية في الاقتصادات المتقدمة، وعلى سبيل المثال، كان التضخم السنوي في الولايات المتحدة يحوم حول 2٪، وارتفعت أسعار الواردات الأمريكية من السلع الصناعية بنسبة 33٪ خلال العقدين الماضيين، وكانت أقل الزيادات في الأسعار للمنتجات المستوردة من الصين والتي خفضت تعريفتها الجمركية من أكثر من 40٪ في أوائل التسعينيات إلى 15٪ عندما انضمت إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، وإلى حوالي 8٪ في السنوات اللاحقة، وقد حفز التحرير الاقتصادي وحرية الوصول للأسواق رواد الأعمال الصينيين على إنشاء شركات استجابة للفرص المتزايدة.

في الوقت نفسه، نجحت الصين في استقطاب الشركات الأجنبية عبر تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وانخفاض تكاليف العمالة، وتوافر البنية التحتية الجيدة، مما ساعد على جعل البلاد واحدة من أكبر المتلقين للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، وبهذا، تم تمكين الواردات منخفضة التكلفة لتحل محل المنتجات المحلية الأكثر تكلفة، وكان للعولمة تأثير مباشر عبر جعل السلع المحلية أكثر قدرة على المنافسة وإضعاف قدرة العمال على المساومة بشأن زيادة الأجور.

إلا أن تصاعد وتيرة الحروب التجارية في السنوات الأخيرة شكل ضربة قوية للعولمة، فارتفعت الرسوم الجمركية على الواردات الصينية خلال عامي 2018 و2019، وأدت إلى زيادة الأسعار في الولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر، فالأسر الأمريكية يجب أن تدفع الآن أكثر بكثير مقابل السلع المصنوعة في الصين، كما أن أسعار الواردات الأمريكية القادمة من البلدان الأخرى ارتفعت هي الأخرى، وعلاوة على ذلك، تشعر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالقلق من اتهامات بالتفريط في مواجهة الصين، بالرغم من أنها لم تلغ حتى الآن التعريفات التي أقرها الرئيس السابق دونالد ترامب.

خلال الأعوام الماضية، ازدادت ضغوط إزالة العولمة متذرعة بميكانيزمات من قبيل الأمن القومي والتوترات الجيوسياسية، وعلى خطى الإجراءات الأمريكية، سارت العديد من الدول الأخرى التي استحدثت تعريفات جمركية جديدة أو اصطنعت حواجز تجارية معرقلة، مما فاقم الضغوط على الأسعار، كما أن الخطط الأمريكية والأوروبية التي تحرض الشركات على إعادة مصانعها إلى الداخل، أو اقتصار سلاسل التوريدات على الدول الصديقة فقط دون سواها، سيؤدي بالقطع إلى موجة جديدة من التضخم.

في المقابل، تنفذ الصين سياسات صناعية طويلة الأمد تهدف إلى زيادة الاعتماد على الذات لتعزيز النمو القائم على الاستهلاك المحلي، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا، وسيكون لهذا الأمر تأثيرات سلبية على الأسعار، وبالرغم من أن فكرة إزالة العولمة تترجم الآن إلى سياسة فعلية دون مواربة، إلا أن العواقب التضخمية ستظهر في المستقبل القريب، وإذا كانت تأثيرات العولمة المانعة للتضخم سهلت في السابق على البنوك المركزية متابعة معدلات التضخم المنخفضة والحفاظ عليها، إلا أن الأهم الآن هو دراسة التأثير المعاكس لتراجع العولمة.

والواقع، أنه إذا استمرت جهود إزالة العولمة دون رادع، فقد تحتاج البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية أكثر مما كانت ستفعل لولا ذلك، وقد تدفع هذه التدابير آخرين على تقليدها، مما سيشوه أنماط الإنتاج والتجارة العالمية، وسيجعل الأمور الاقتصادية أسوأ حالًا من ذي قبل، ولهذا، فقد يحتاج العالم إلى صياغة قواعد منصفة وأكثر منطقية عبر منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين، بهدف تحقيق التوازن بين السياسات الاقتصادية المحلية ونظيرتها الدولية، وتنسيق المواقف بشأن الحد من التأثير التضخمي لانهيار العولمة، وبهذا سنقلل من حاجة البنوك المركزية للتشدد أكثر، حتى نتفادى جميعاً ركود عالمي مدمر.

 

 

خاص_الفابيتا