في عالم تتسارع فيه التوترات الجيوسياسية، من اشتباكات مفاجئة إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد وأسواق الطاقة، يقف المستثمر أمام سؤال محوري: حين تهتز الأسواق تحت وطأة الأحداث، أين يجد الأمان؟
بالنسبة للبعض، يكون الانسحاب أو الترقب هو الملاذ الأول. لكن المستثمر الواعي يعرف أن هناك دائمًا مساحة للمناورة، وهذه المساحة تتمثل في القطاعات الدفاعية – القطاعات التي صمدت مرارًا حين تراجعت بقية السوق.
القطاعات الدفاعية: درع استثماري في وجه العواصف
القطاعات الدفاعية هي تلك التي تقدم خدمات ومنتجات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، بغض النظر عن حالة الاقتصاد أو تقلبات الأسواق. وتشمل: السلع الاستهلاكية الأساسية (مثل الغذاء والمشروبات)، الرعاية الصحية (الأدوية والمستشفيات)، المرافق العامة (الكهرباء والغاز)، الاتصالات.
ما يجمع هذه القطاعات هو الطلب غير المرن؛ فالناس لا يتوقفون عن استهلاك الطعام، أو استخدام الإنترنت، أو دفع فواتير الكهرباء، حتى في أحلك الظروف.
وفي السياق السعودي، أثبتت هذه القطاعات أنها مرتكز استثماري صلب، خصوصًا خلال أزمات كبرى مثل جائحة كورونا والحرب على العراق.
كيف أدت الأسهم الدفاعية في السوق السعودية خلال بعض الأزمات الكبرى؟
خلال بعض الأزمات المختلفة التي قمت فيها برصد أداء بعض الأسهم، مثل أحداث 11 سبتمبر، أو الحرب على العراق، أو جائحة كورونا، أظهرت عدة أسهم سعودية دفاعية قدرة ملحوظة على الصمود والربحية.
ويظهر الجدول التالي ملخص أداء بعض الأسهم في السوق السعودي الذي تم اختيارها عشوائيًا ضمن القطاعات الدفاعية في السوق:
(1)تم احتساب فترة المقارنة من 11 سبتمبر 2001 إلى 11 نوفمبر 2001
(2) تم احتساب فترة المقارنة من 20 مارس 2003 إلى 20 أبريل 2003
(3) تم احتساب فترة المقارنة من 23 فبراير 2020 إلى 30 يونيو 2020
هذا الأداء يُثبت أن القطاعات الدفاعية لا تحمي فقط من الخسارة، بل قد تتحول إلى فرص ربح في قلب العاصفة.
ولكن… لماذا تراجعت بعض الأسهم "الدفاعية" رغم تصنيفها؟ في الوقت الذي حلّقت فيه بعض الأسهم، شهدت أخرى مصنفة دفاعية تراجعات مقلقة.
السبب هو أنه ليس كل سهم في قطاع دفاعي هو سهم دفاعي فعلي، فالسلوك الفعلي للسهم يتوقف على عوامل مثل:
• مرونة التشغيل: هل يمكن للشركة التكيف سريعًا مع الأزمة؟
• تنوع مصادر الدخل: هل تعتمد على قطاعات متأثرة كالفنادق أو التصدير؟
• الهيكل المالي: هل تعاني من مديونية عالية أو ضعف في التدفقات النقدية؟
• الإدارة الجيدة: هل في الأساس قبل الأزمة لدى الشركة إدارة جيدة، وهل استطاعت إدارة الأزمة بشكل جيد والخروج منها مستفيدة.
على سبيل المثال، قد تكون شركة زراعية "دفاعية" على الورق، لكنها تعتمد على صادرات متوقفة، أو مواسم تضررت، فتتحول إلى عبء بدلاً من ملاذ.
من التصنيفات إلى الحقائق: أين يكمن الأمان حقًا؟
ما أثبتته التجارب هو أن الأسواق لا تكافئ التصنيفات الجاهزة، بل تكافئ المرونة، والكفاءة، والاستدامة. القطاع الدفاعي قد يكون قاعدة ممتازة، لكن الفرص الحقيقية تكمن داخل الشركات التي تجمع بين الطلب المستقر والإدارة الذكية والقدرة على التوسع تحت الضغط.
فالمستثمر الذكي لا يشتري "غذاءً" فحسب، بل يبحث عن شركة غذائية قادرة على الهيمنة حتى وقت الأزمة.
الدفاع لا يعني الجمود… بل قد يكون بداية الهجوم الصامت
في زمن عدم اليقين، قد يكون السؤال هو "كيف أتجنب الخسارة؟" ولكن السؤال المهم أيضًا "أين أجد النمو الموثوق؟". القطاعات الدفاعية، عندما تُختار بوعي، يمكن أن تتحول من حائط حماية إلى محرّك هادئ للنمو.
وهذا ما شهدناه فعليًا في 2020، حين تفوقت أسهم مثل حلواني والعثيم وصافولا على كثير من أسهم النمو والقطاع المالي. لأن الناس ربما توقفوا عن السفر، لكنهم لم يتوقفوا أبدًا عن الأكل.
قبل أن نختم، نقطة مهمة: كل ما قرأته هنا هو مجرد قراءة تحليلية لوجهة نظر، لا أكثر ولا أقل. هو ليس ضوءًا أخضر للشراء أو ضوءًا أحمر للبيع. مهمتك كمستثمر تبدأ من هنا: ابحث بنفسك، وقيّم وضعك، واتخذ القرار الذي يناسبك وحدك، ضمن خطتك الاستثمارية التي يجب أن تلتزم بها بشكل جيد في أوقات الأزمات.
خاص_الفابيتا