كيف ستؤثر الحرب الباردة بين واشنطن وبكين على الاقتصاد العالمي؟

10/05/2020 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

فيما تتواصل فصول الحرب الباردة بين واشنطن وبكين على خلفية اتهامات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصين بالتباطؤ في القضاء علي الفيروس القاتل، وتصريحات المسؤولين الأمريكيين المتواترة بأن الفيروس خرج من مختبرات مدينة ووهان الصينية، رغم تأكيدات منظمة الصحة العالمية بأن كورونا لا يمكن أن يكون من صنع الإنسان، وتنديد الصين في المقابل بتصريحات سيد البيت الأبيض وتحديه في إثبات اتهاماته بالدليل القاطع، بين هذا وذاك تثور تساؤلات منطقية حول تأثير تلك الأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي، والغموض بشأن توقيع اتفاق نهائي كان مرتقباً هذا العام لاحتواء الحرب التجارية المستعرة بين القطبين الكبيرين؟، خاصة مع استمرار نمو فائض تجارة الصين مع الولايات المتحدة الذي وصل خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري إلى 63.68 مليار دولار، الأمر الذي سيثير مزيداً من الغضب لدي إدارة البيت الأبيض.

يقيناً، فإن عودة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بعد انطفاء جذوتها بعض الشئ بنهاية عام 2019 عقب توقيع اتفاق تجاري أولي أنهى نحو 18 شهراً من الحرب التجارية الدامية، سيكون كارثة أخرى تصيب الاقتصاد العالمي المنطلق حالياً بسرعة الصاروخ باتجاه ركود اقتصادي يشبه فترة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، ولذلك فإن هذه المناكفات التي يبدو ظاهرها دبلوماسي لكن باطنها في الحقيقة أيدلوجي/ اقتصادي، من الأفضل معالجتها من قبل الأطباء بدلاً من السياسيين، باعتبارها قضية طبية وليست سياسية.

بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن العالم سيكون بحاجة إلى استثمارات عامة تتجاوز 20 تريليون دولار خلال العقدين المقبلين بعد انتهاء أزمة كورونا، ولا شك أن زيادة وتيرة التوترات بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم سيعرقل تلك الاستثمارات المطلوبة على وجه السرعة لانتشال الاقتصاد العالمي من حالة الركود، خاصة وأنها ممولين رئيسيين للاستثمارات العالمية، حيث يشكل اقتصاد أمريكا والصين نحو 35% من حجم الاقتصاد العالمي البالغ 92.3 تريليون دولار، يصل نصيب الاقتصاد الأمريكي منها 22.2 تريليون دولار، بينما يبلغ نصيب الاقتصاد الصيني 15.47 تريليون دولار.

تعتقد إدارة البيت الأبيض أن الخسارة الأمريكية من أزمة كورونا الأفدح عالمياً، بل إن ترامب يعتبرها أسوأ من هجمات 11 سبتمبر 2001، وهجوم بيرل هاربور (وهو الهجوم الياباني المفاجئ ضد قاعدة عسكرية أمريكية في هاواي عام 1941، والذي دفع الولايات المتحدة إلى دخول الحرب العالمية الثانية)،  ويمكن القول بأن الخسارة الأمريكية تشمل ثلاثة مستويات رئيسية، الأول الجانب الطبي الكارثي وفيه تم تسجيل 1.2 مليون إصابة وأكثر من 73 ألف وفاة، والمستوى الثاني يتمثل في الجانب الاقتصادي، حيث انكمش نشاط قطاع الخدمات الأمريكي لأدنى مستوى في 11 عاماً، مع تهاوي الإنتاج بأسرع وتيرة على الإطلاق جراء تفشي وباء كورونا، وارتفعت أعداد العاطلين عن العمل إلى 33 مليوناً منذ بداية الأزمة، مما فاقم ديون الأسر  الأمريكية إلى مستوى قياسي عند 14.3 تريليون دولار خلال الربع الأول، ما يعني أن تلك الديون أعلى بنحو 1.3 تريليون دولار من مستويات الأزمة المالية العالمية في 2008، وستضطر وزارة الخزانة الأمريكية إلى اقتراض مبلغ قياسي في الربع الثاني من العام الجاري يقترب من 3 تريليونات دولار لدفع تكاليف إجراءات مكافحة كورونا.

أما المستوى الثالث والأخير للأزمة الأمريكية فسياسي، يتعلق بالرئيس الجمهوري حيث من المتوقع أن يؤثر كورونا على نتيجة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، وبالتالي على حظوظ إعادة انتخاب ترامب، وإذا استمر الوضع الحالي حتى يونيو أو ما بعده، فمن المؤكد أن يكون لذلك تداعيات مباشرة على مواقف الناخبين، كما أن الاقتصاد الذي كان قبل الأزمة معدوداً كقاطرة رئيسية لإعادة انتخاب ترامب، قد يصبح العقبة الكؤود أمامه هذه المرة، ولهذا فإن هجوم ترامب على الصين سيزداد بقوة خلال الفترة المقبلة لأنه فضلاً عن أنه يمثل مبرراً للأزمة بتحميل بكين المسؤولية، فإنه يعد حديثاً مشوقاً يعجب مؤيديه ويتفاعلون معه بقوة.

خاص_الفابيتا