يعاني الاقتصاد العالمي من تحديات مختلفة، وفي مقدمها تحديات النمو. ومع تفاقم المواجهة العسكرية في المنطقة، ترتفع مخاطر الاقتصاد الذي يواجه بمشكلات عميقة، ومتراكمة منذ جائحة كورونا وحتى يومنا الحالي، يضاف إلى ذلك مشاكل النظام المالي العالمي الذي يعاني من تضخم الديون السيادية والتجارية، ما قد يتسبب في أزمة مالية عالمية يفوق حجمها أزمة العام 2008 ، انكماش الاقتصاد، وتباطؤ النمو، والركود التضخمي، وربما الدخول في أزمة مالية عالمية من المخاطر المتوقّع حدوثها إذا ما استمرت المواجهة الحالية، واستمر التصعيد. تهديد الأجواء، والممرات والمضائق البحرية يعني انقطاع في سلاسل التوريد، وحركة التجارة التي تعاني من تداعيات حروب تجارية وقودها الرسوم والضرائب، وحمائية تتعارض مع قوانين منظمة التجارة العالمية، فالمنطقة المسؤولة عن تصدير خمس احتياج العالم من النفط والغاز، قد تواجه بتحديات مختلفة تحد من قدرة دولها على الإنتاج والتصدير، خاصة مع عدم اكتراث أطراف المواجهة بالاقتصاد العالمي الذي يعتمد في مدخلاته على ضمان أمن الطاقة واستقرار الأسواق العالمية.
مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا حذّرت من أن الضربات الأميركية لإيران قد تترك تأثيرات أوسع تتجاوز قطاع الطاقة، وقد تكون هناك تأثيرات ثانوية وثالثية، على فرضية أن الاضطرابات الإضافية تؤثّر على آفاق النمو في الاقتصادات الكبرى، ما يعني «مراجعات هبوطية لآفاق النمو العالمي»، وبسبب مخاطر المواجهة على أمن واستقرار المنطقة والاقتصاد العالمي، أدانت دول الخليج مجتمعة، الهجمات الإسرائيلية التي أطلقت شرارة الحرب، وانتهكت سيادة إيران، وأبدت قلقها من الاستهداف الأميركي للمنشآت النووية الإيرانية.
سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، بحث مع قادة دول الخليج كافة، التطورات الأخيرة، ومستجدات الأحداث في المنطقة، وتداعيات الهجوم الإسرائيلي والأميركي على إيران، وأكدوا على تضامن دول مجلس التعاون الخليجي في هذه الظروف الحساسة، من أجل بذل الجهود اللازمة لضبط النفس، وتجنب التصعيد وحل جميع الخلافات بالوسائل الدبلوماسية.
تشدد المملكة على اتخاذ الحلول الدبلوماسية كوسيلة لمعالجة الخلافات الدولية، وتسعى دائماً للحد من التصعيد والصراعات المدمرة، وتكرّس جهودها الدبلوماسية للمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار، ودعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى وقف التصعيد في المنطقة. كما تسعى المملكة من خلال برامجها ورؤيتها التنموية، إلى تعزيز اقتصادات دول المنطقة وتنميتها، وإشراكها في مشروعات اقتصادية محققة للازدهار، ومعزّزة للأمن والاستقرار. أمن واستقرار وازدهار دول المنطقة هو ركيزة الرؤية السعودية، والهدف الأسمى لقيادتها الرشيدة.
وفي المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، أعلنت المملكة رفضها وإدانتها الاعتداء الذي يمس الأمن والسيادة، وضرورة وقف النزاع والعودة إلى المسار التفاوضي، وأكدت موقفها الثابت تجاه الأزمات عموماً، وضرورة معالجتها بالحلول الدبلوماسية، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته والتكاتف لإيجاد السبل اللازمة لنزع فتيل التوتر وإيجاد حل سياسي للتصعيد، وأن يتحمّل مجلس الأمن الدولي مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم الدولي.
من المتوقّع أن يقود التصعيد العسكري، في حال استمراره، لنتائج وخيمة على جميع الأطراف، والمنطقة، والعالم أجمع، ما يستوجب توحيد وتكثيف الجهود الدولية لنزع فتيل الأزمة، ومعالجتها بالطرق الدبلوماسية، والحد من تداعياتها على الاقتصاد العالمي، الذي بات بين مطرقة التحديات الجيوسياسية، وسندان التضخم، وضعف النمو.
البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وصندوق النقد الدولي خفّضوا توقعاتهم لنمو الاقتصاد العالمي خلال الأشهر الأخيرة، ومن المتوقّع أن تكون نظرتهم الحالية والمستقبلية أكثر سلبية كنتيجة مباشرة للمواجهات العسكرية في المنطقة. فمن شأن التصعيد الحالي أن يرفع أسعار الطاقة، وربما يتسبب في عرقلة إمدادات النفط والغاز، ما قد يتسبب بضغوط إضافية على الاقتصاد العالمي، وفي حال تأثر حركة التجارة العالمية فستزيد معاناة الاقتصاد، والدول عموماً، والدول الفقيرة على وجه الخصوص. كما أن المنطقة ربما تواجه ببطء التدفقات الاستثمارية، لانخفاض شهية المستثمرين الأجانب، بسبب المخاطر المرتفعة. تحديات اقتصادية، وبيئية، وجيوسياسية عميقة، من المتوقع أن تستمر تداعياتها لفترة زمنية طويلة، ما يستوجب تدخل مجلس الأمن، والمجتمع الدولي، لوقف التصعيد، وتعزيز الجهود من أجل الوصول إلى حلول سياسية تسهم في إنهاء المواجهة العسكرية، وتحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتجنب العالم تداعيات إنسانية، وبيئية، واقتصادية مدمرة.
نقلا عن الجزيرة