عندما لم تَخَف السوق: لماذا لم تُولد بجعة سوداء في سماء الشرق الأوسط؟

30/06/2025 2
احمد رمزي

في عالم يغرق في التحليلات، ويكاد لا يخلو فيه مشهد إخباري من رسمٍ لمسارات متوقعة، جاءت الأيام الماضية لتصفع هذا الاطمئنان المفرط في "فن التوقع". فبين صواريخ تعبر أجواء الشرق الأوسط، وبيانات أسواق تتمايل بخفة لا تناسب ضجيج الحرب، انكشف ما هو أعمق من حدث سياسي: انكشفت هشاشة منطق التنبؤ نفسه.

فبينما توقّع كثيرون أن تشهد الأسواق موجات هلع مع دقات طبول المواجهات الأخيرة، وأن تقفز أصولاً مثل الذهب والسندات في وجه الأزمة، كان الواقع أكثر برودًا. لم يرتفع الذهب، بل تراجع بنسبة 2.4%، ولم تتجه السندات للصعود، ولم يشهد الدولار قفزة كاسحة بل انخفض بشكل طفيف. وفي المقابل، ارتفع السوق السعودي وحقق مكاسب بنحو 2.2% خلال نفس الفترة لمن اقتنص التراجع الأولي وباع مع الهدنة.

ليست بجعة سوداء... بل رمادية

هنا، تحضر نظرية "البجعة السوداء" التي صاغها نسيم نيقولا طالب، لا لتُفسّر ما حدث، بل لتوضح ما لم يحدث؛ فالحرب لم تُحدث صدمة واسعة كافية، لأنها لم تستوفِ شروط "البجعة السوداء" الحقيقية:

1. لم تكن مفاجئة بالكامل.

2. لم تكن ذات أثر لا يمكن احتواؤه.

3. كانت قابلة للتفسير منذ بدايتها، بل متوقعة ضمن دوائر القرار والتحليل.

بالتالي، لم تهرب الأسواق من الخطر، لأنها لم تشعر به كتهديد غير مألوف. وهنا يتأكد الدرس: الأسواق لا تتحرك لمجرد وقوع حدث كبير، بل حين تُفاجأ بشيء لم تتخيله أصلًا.

الكاش: البطل الصامت في قلب العاصفة

لكن حين لا تهرب الأموال إلى الذهب، ولا تُغلق المحافظ على السندات، يظهر بطل مختلف لا يصدر صوتًا: "الكاش".

في أزمتنا الأخيرة، أثبت الكاش أنه أكثر الأصول اتزانًا. لم يتذبذب، لم ينخفض، لكنه منح صاحبه ميزة استراتيجية:

- لم يُجبر على البيع تحت الضغط.

- راقب الهبوط، ثم اقترب في لحظة التراجع ليصطاد الفرص.

الكاش لم يكن فقط وسادة أمان، بل تحوّل إلى مخلب ذكي في يد المستثمر الواعي. في الوقت الذي ارتبك فيه البعض بين الذهب والدولار، كان صاحب السيولة يتحرك بثقة.

الدرس الحقيقي: المرونة أثمن من الذهب

أزمة الحرب الأخير قد لا تُسجل في دفاتر التاريخ كبجعة سوداء، لكنها ستظل علامة فارقة على شيء أهم: أن الأسواق لا تكافئ من يعرف فقط "أين يضع أمواله"، بل تكافئ أكثر من يعرف "متى" و"كيف" ينتقل بينها.

المرونة هنا لا تعني فقط تنويع الأصول، بل تعني وجود حيّز ذهني ومالي للمناورة.

الاعتماد على الأصول التقليدية وحده لم يعد كافيًا، ففي عصر البجع الرمادي، قد لا تكون المفاجأة في الحدث، بل في ردة الفعل الغائبة.

 

 

خاص_الفابيتا