تحدثت في مقالين سابقين عن "مفهوم تعارض المصالح في إدارة الشركات" وعن "الآليات المقترحة للتعامل مع تعارض المصالح"، في هذا المقال كما وعدت سابقاً سأستكمل الحديث بمناقشة الآليات التي استخدمها نظام الشركات السعودي للتعامل مع تعارض المصالح في إدارة الشركات.
1-التعامل مع المصالح الشخصية في عمليات الشركة وعقودها:
أخذ نظام الشركات السعودي في مادته 69 بآلية المصادقة عن طريق الجمعية العمومية، يستثنى من ذلك الأعمال التي تتم بطريق المناقصات العامة، إذا كان عضو المجلس صاحب أفضل عرض.
كما ألزم النظام عضو المجلس – صاحب المصلحة - بالافصاح عن مصالحه الشخصية في العقود والعمليات التي تتم مع الشركة، بحيث يتم اثبات هذا الافصاح في محضر الاجتماع، مما يترتب عليه منع العضو صاحب المصلحة من التصويت.
يلتزم رئيس المجلس بعد ذلك بإبلاغ الجمعية عند انعقادها مع ارفاق تقرير خاص من مراقب الحسابات.
الحقيقة أن هذا الشق الآخر من المادة والذي يُلزم بالافصاح مشكل؛ لأن قارئه يشكل عليه هل النظام أخذ بآلية المصادقة أو الافصاح؟
وهل هذا الشق ينطبق على الجميع أو يستثنى منه الأعمال التي تتم بطريق المناقصة العامة؟
المادة – في رأيي الشخصي - تستثني العمليات والعقود التي تتم بطريق المناقصات العامة من المصادقة السنوية من الجمعية العامة فقط، بحيث يكتفى في هذه العمليات والعقود الافصاح، الذي يتبعه عدم الاشتراك بالتصويت، وإبلاغ الجمعية، وإعداد التقرير من مراقب الحسابات.
الافصاح هنا كما ذكرت في المقالين السابقين له أهمية حتى يراقب المجلس والجمعية العمومية هذا التعارض في المصالح بين العضو والشركة.
إشكالية أخرى في هذه المادة تأتي من المطالبة بتجديد المصادقة سنوياً، وهذا بلا شك فيه إضرار بمصلحة العضو عندما يتعاقد مع الشركة في عقد طويل الأجل، فإن أرباحه قد لا تظهر إلا بعد عدة سنوات، وإلزامه بتجديد المصادقة فيه إجحاف بحقوقه في حال رفضت الجمعية التجديد في السنة الثانية دون وجه حق.
والأولى أن يعدل النظام بحيث متى ما صدرت الموافقة فتكون على كامل مدة العملية أو العقد، على أن يتبع ذلك التزام المجلس بعدم محاباة زميلهم في العقود والعمليات والمبالغة في إطالة أمدها.
الخلاصة هنا أن النظام أخذ بآلية الافصاح السابق للمجلس واللاحق للجمعية العمومية مع مصادقة الجمعية على العقد أو العملية قبل الدخول فيها، مع الأخذ في الاعتبار أن النظام استثنى الأعمال والعقود التي تتم بطريق المناقصات العامة - إذا كان عضو المجلس صاحب العرض الأفضل - من متطلب المصادقة دون الافصاح.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك نوعين من العقود استثناهما النظام بمزيد من التقنين.
الأول: تقديم القروض لعضو المجلس، فقد منع النظام قيام الشركة من تقديم قروض، أو ضمان قروض أعضاء مجلس إدارتها، يستثنى من ذلك البنوك وشركات الائتمان متى ما تم تقديم القروض والضمانات بنفس الآلية والشروط التي تُتبع مع الجمهور.
الثاني: مكافآت أعضاء مجلس الإدراة، فهي بمثابة عقد بين عضو المجلس والشركة فيما له فيه مصلحة شخصية ظاهرة من زيادة مكافآته بأكبر قدر ممكن، فهذه قررها النظام بموجب المادة 74 وقرار وزير التجارة رقم 1071 لعام 1412هـ.
2-التعامل مع تعارض المصالح في الفرص الاستثمارية ومنافسة الشركة:
نظام الشركات السعودي في المادة 70 منع عضو مجلس الإدارة من الاتجار في النشاطات التي تزاولها الشركة بغير ترخيص يجدد سنوياً من الجمعية العمومية. لذا فإن النظام هنا منع - دون موافقة الجمعية - العضو من الاتجار في نشاطات الشركة الفعلية التي تقوم الشركة بمزاولتها لا النشاطات الواردة في عقد تأسيسها دون مزاولتها.
في حين اشترط النظام أيضاً مصادقة الجمعية العامة على قيام عضو المجلس بمنافسة الشركة كما نصت المادة 70 من النظام، واشترط النظام أيضاً تجديد هذه المصادقة سنوياً، وهذا التجديد السنوي ينطبق عليه الاشكاليات المذكورة أعلاه.
لكن النظام هنا أغفل تنظيم هاتين المسألتين (الاتجار والمنافسة) بمزيد من التفصيل كما فعل في المادة 69، مما يتعين معه قيام وزارة التجارة بممارسة صلاحياتها بموجب المادة 233 وإصدار التعليمات اللازمة لتنفيذ هذه المادة.
لم يتطرق النظام لمسألة وجود عضو مجلس إدارة في شركتين متنافستين، لأن هذا بلا شك سيجعله في موقف تتعارض فيه واجباته تجاه الشركتين، فهنا مسألة تعارض واجبات لا مصالح يجب منعها أيضاً.
لذا يمكن القول بأن نظام الشركات لم يتطرق لمسألة تعارض المصالح في الفرص الاستثمارية بمزيد من التفصيل والإيضاح، فلا يلزم من الاستفادة من الفرصة، القيام بالاتجار في النشاط أو منافسة الشركة.
ولأن هذه الفرص قد تدخل ضمن نشاط الشركة ويقوم باستغلالها بطريق غير مباشر، ويفوت أرباحها على المساهمين، أو أن تكون استفادة العضو من الفرصة الاستثمارية لا تدخل ضمن مفهومي الاتجار والمنافسة ، التي نصت عليهما المادة 70، مما يتعين معه إعادة النظر في هذا الموضوع وتقنينه بشكل أفضل.
3-التعامل مع المنافع التي يحصل عليها المدير من طرف ثالث:
هذه المنافع لم يتطرق لها النظام لكن كما ذكرت سابقاً، بأنها ممنوعة شرعاً بقوله صلى الله عليه وسلم "هدايا العمال غلول"، وهذه الهدايا والمنافع تضع أعضاء المجلس في موضع يجعلهم يحابون من هاداهم على حساب الشركة والمساهمين.
من المهم ملاحظة أن المنافع والهدايا التي يقبلها أو يطلبها عضو مجلس إدارة الشركة المساهمة من طرف ثالث من أجل القيام بعمل من أعمال وظيفته، أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته؛ تجعله مرتشياً بموجب أحكام نظام الرشوة.
نظام الشركات السعودي عمره حالياً 51 سنة، وهو بلا شك لا يستطيع مجاراة التطورات الكبيرة التي طرأت في أنظمة التجارة العالمية، تطوير النظام وإعادة إصداره سيحل كثير من المشاكل كما سيقضي على العديد من الثغرات
أشكرك أخي عبدالعزيز على تعليقك. بالنسبة لقدم النظام فهذا ليس عيب في ذاته، فكثير من الدول حتى المتقدمة منها لديها بعض الأنظمة التي تزيد عن مائة سنة، والعيب كما تعلم هو وجود ثغرات أو عيوب في النظام مما تستدعي تعديله جزءا أو كليا. هذه المسائل التي ذكرتها لا أعتقد أن مشروع النظام الجديد سيوليها الاهتما اللازم لذا وجب التنبيه عليها، حتى أن لائحة الحوكمة الصادرة في ٢٠٠٦ لم تعط هذا الموضوع الاهتمام اللازم رغم أهميته.