في مثل هذا الوقت من كل عام ينتظر المواطن السعودي بشغف أنباء صدور الميزانية العامة للدولة، والتي تحمل في طياتها حجم الإيرادات والمصروفات الفعلية لهذا العام والتقديرات للإيرادات والمصروفات (التشغيلية/الرأسمالية) لمشاريع العام القادم بما يوضح التوجه العام للأنفاق الحكومي الذي يمس حياة المواطن.
فنجد المواطن يُكيف ويرتب أوضاعه المالية مع الميزانية العامة للدولة خلال العام القادم، ويعمل القطاع الخاص (رجال الأعمال) على ترتيب مراكزهم المالية بما يتوافق والأنفاق العام ومدى ارتباطه بالنمو أو العجز.
ولما لإعلان الميزانية التقديرية للعام الجديد من تأثير مباشر على مختلف أوجه الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية لحياة المواطن، فأن الدور الذي تلعبه وزارة التخطيط والاقتصاد مهم من حيث رسم الصورة المستقبلية للسياسة الاقتصادية للدولة والتي تعكس رؤية القيادة الحكيمة ويتولى تنفيذها الوزارات من خلال استراتيجية واضحة المعالم تحمل أهداف سنوية تعكسها الميزانية التقديرية في جانب الإنفاق لتنفيذ المشاريع التي تحقق استراتيجية الدولة على المدى القصير والطويل، وتصل بنا لمصاف الدول المتقدمة من خلال الوصول لأعلى المؤشرات العالمية في المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الصحية،... كنسبة عدد المساكن، عدد المدارس، نسبة الأطباء لعدد السكان، نسبة الأسرة عدد المرضى، نسبة انتشار خدمات الاتصالات، النقل، درجة الشفافية، مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، زيادة دخل المواطن..........، ومختلف المعايير التي تقاس بها تقدم الدول، والتي يمكن الوصول لها من خلال استراتيجية واضحة المعالم على المدى الطويل، ووضع الخطط السنوية، وضوح الأهداف لكل وزارة، جدولة المشاريع، والأهم هو فعالية الرقابة لتنفيذ المشاريع والتي تحقيق الأهداف لكل عام.
لكن للأسف عندما تنظر للواقع نجد خلاف ذلك، فوزارة الاقتصاد و التخطيط تعيش في ظل وزارة المالية والتي يفترض أن يكون دورها متوافق مع خطط وزارة الاقتصاد من حيث توفير الأموال والاستفادة من الفوائض المالية التي تحققت والعمل على عدم تحميل الدولة ديون داخلية /خارجية قدر الإمكان من خلال تشجيع تنمية أو تعزيز مصادر دخل جديدة للدولة.
وبالنظر لجانب المصروفات التقديرية والفعلية في الميزانية العامة للدولة ( كما في الشكل التالي) نجد أن البون شاسع ويزداد مع الوقت مما يدل على عدم التقيد بما وضع من أهداف وخطط سنوية ومشاريع رأسمالية وتشغيلية مرتبطة بالميزانية، وهذا يعطي انطباع بأن هناك خلل كبير في تقديرات المصروفات العامة، وعدم الالتزام بالأهداف!!!، وعشوائية في تنفيذ الخطة السنوية، ولذلك أثر ذلك سلبي على جاهزية القطاع الخاص لتنفيذ المشاريع التي تتطلب توفير الموارد المالية والعمالة المناسبة، وقد يكون ذلك من أسباب تأخر تنفيذ المشاريع التي تعاني منها الجهات الحكومية.
ويظهر الجدول التالي أن نسبة التباين في المصروفات الفعلية عن التقديرات وصل لحده الأعلى خلال الفترة لما يعادل 30% حيث بلغت الزيادة في المصروفات الفعلية عن التقديرية 246,700 مليون ريال في عام 2011 م، وتجاوز 20% في خمس سنوات، وتجاوز 15% -20% خلال ستة أعوام.
ملايين الريالات
تكمن أهمية التقديرات للميزانية (جانب المصروفات) في رسم سياسة الأنفاق خلال عام تعكس تحقيق أهداف الدولة وفقاً لاستراتيجيتها في تنمية الدولة بناءً على الإيرادات المتاحة ومصادر التمويل المتوفرة مع الأخذ في الاعتبار نسبة الدين العام من الناتج المحلي، وهذا يعزز من مكانة الدولة الائتمانية على الجانب الدولي.
لذا فأنه من الأهمية التقيد بالميزانية التقديرية والتي بنيت عليها برامج ومشاريع القطاعات الخدمية ( من المقبول أن يكون التباين 5% ــــ10% عند الاستقرار السياسي والاقتصادي) حتى وإن تحقق فائض خلال العام فأن ذلك يساعد على بناء ميزانية توسعية في العام الذي يليه وفق رؤية ووضح تساعد على تحقيق الأهداف المنشودة للتنمية لتنفيذ المشاريع، والتوسع المدروس في الوظائف و تحقيق نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي العام والخاص.