يتكون القطاع الخاص من ثلاثة أضلاع ،المساهم والعميل والموظف، ولذا حين نتحدث عن هذا القطاع فإننا نتحدث عن مصالح متشابكة تمثل أصحاب المصلحة الثلاثة الذين هم بمثابة ذوي القربي والأرحام من الأهل والأحباب والجيران والإخوان.
أي أن القطاع الخاص ليس شيئاً منفصلاً عن مجتمعه أو هو عدو للمجتمع.
لكن القطاع الخاص يماثل سلة التفاح إن كانت هناك تفاحة واحدة فاسدة أفسدت باقي التفاح السليم ولهذا عندما تخالف منشأة واحدة الأنظمة باستخدام عمالة غير نظامية أو لم توفِ بالتزاماتها للتأمينات أو لم تسدد أجور العامل فإن ذلك ينعكس على خفض أسعارها وارتفاع أرباحها وبيع الخدمة بسعر أقل من غيرها مما سيكون خصما على سمعة القطاع الخاص وعلى ربحيته لأنه قد يدفع المنافس لمخالفة الأنظمة لمجاراة المنشأة الفاسدة أو ستكلفه الخروج من السوق.
وهذا التحدي يبرز سلبيات عدم الالتزام بالأنظمة ويشير لأهمية الوعي بها لتطوير أداء سوق العمل السعودي. وفي الحقيقة تمثل العشوائيات بيئة خصبة لتشجيع السلوك المخالف للأنظمة من حيث الاستعانة بأيدٍ عاملة مخالفة وعشوائية ولديها استعداد للانخراط في ممارسة التستر التجاري.
إذ إن المتستر عليهم في الغالب ينتمون للعشوائيات. العشوائيات تشبه الفيل الأبيض الكبير الذي يقيم في الغرفة ومع وضوحه وحجمه لا يتحدث عنه أحد.
التحدي الآخر على سوق العمل السعودي هو الوفاء بمتطلبات أداء الوظيفة لأن كل وظيفة تحتاج لثلاث حلقات وهي العلم والمهارة وثقافة العمل المهني، ولا شك أن المدارس والمعاهد توفر للفرد العلم كما أن المهارات يمكن اكتسابها وتطويرها من خلال شركات القطاع الخاص التي يجب أن تكسب عاملها مهارات تساعده على أداء وظيفته من حيث استخدام الحاسب الآلي أو اكتساب اللغة الإنجليزية أو تعلم خدمة العملاء أو غيرها والحلقة الثالثة هي حلقة الثقافة وهي أصعب حلقة لأن أحدث دراسة في هذا المجال أثبتت أن اكتساب الثقافات وترسيخها يحتاج لجيل كامل أي لفترة تمتد ما بين ثماني عشرة سنة إلى عشرين سنة وهي فترة لا تصبر عليها شركات القطاع الخاص ومن ناحية أخرى معظم الأيدي العاملة السعودية اليوم تفضل العمل في القطاع العام وبالطبع هناك اختلاف بائن بين ثقافة القطاع العام والخاص وهو اختلاف أصبح يشكل حاجزا لانتقال العامل السعودي من القطاع العام للخاص بينما من يعمل من المواطنين السعوديين بالقطاع العام يمثل 80% وهذه النسبة ينقل في الآباء أساليبهم في العمل لأبنائهم وفق أخلاقهم وطرفهم التي يعتقدون في صحتها ولست بصدد انتقاد ثقافة القطاع العام أو تفضيل ثقافة القطاع الخاص أو تناول أي منهما سلباً أو إيجابا ولكني أود إبراز اختلاف الثقافتين من حيث التركيز على الانتاجية ومن حيث طبيعة العمل في القطاع الخاص وضرورة التقريب بين الثقافتين.
إذ ان المحافظة على الوقت والمهنية والحرفية والقيادية وتطوير الذات وحل المشكلات ومدى مواجهة التحديات امر هام .
وإذا كانت شركة ما تهتم بتوظيف البائعين لأن ميدانها الأسواق الوطنية فإن الذي تختاره الشركة لابد أن يكون لديه استعداد لمواجهة المنافس واعتباره تحدياً وأن يبرهن للشركة أنه يستحق التحفيز ولا شك أن الشركة ستشجعه لبذل الوقت والجهد لتعزز لديه روح التحدي وتجاوز المشكلات.
وإثبات البائع لقدراته لمواجهة التحديات ليس أمراً خياليا فإذا كان في السوق منتج وكانت الشركة تريد أن تنافسه بمنتج آخر فإن دور البائع حاسم ويجب أن تكون لديه ثقافة مواجهة التحديات حتى لا يستسلم أمام المنتج المنافس بل تدفعه ليبذل الجهد والوقت لكي يحصل على نصيب من السوق من حيث وجود المنتج في المحلات والبقالات على أن أي نقص في ثقافة التحدي سيقود لسلبيات تنعكس على المنتج وعلى الشركة.
إن البائع الناجح لا يشترط ان يحمل مؤهلا جامعيا لأنه لا يحتاجه فهو يكتسب المهارات بالتدريب العملي وهو بُعد يقود لتحدي الشهادة الجامعية بالمملكة والنظرة الاجتماعية للشهادة المهنية الحرفية وكانت الأستاذة نهى اليوسف من مؤسسة إثراء قد أجرت دراسة أشارت فيها إلى أن 90% من طلبة الثانوية يذهبون للجامعات بسبب النظرة للشهادة الجامعية ولعل ذلك من حبنا لأبنائنا أن جعل الشهادة المهنية أشبه بوصمة العار بينما في دول مثل ألمانيا نجد أن 70% من الطلاب يذهبون للمعاهد المهنية لأن عائد أجرها كبير ولذلك من المفيد لتجربتنا الاقتصادية بالمملكة أن تبدأ في تعزيز ثقافة العمل لدى الشباب وتصويب النظرة الاجتماعية للشهادة المهنية ،بحيث تبدأ سن العمل من السادسة عشرة ولو في الفترات الصيفية حتى يميز الشاب بين إيجابيات العمل المهني وارتفاع أجره وسلبيات المباهاة بشهادة جامعية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وأرجو أن تتبنى الدولة برنامج الضمان الوظيفي ليكون احتياطي من الأيدي العاملة التي تعمل في وظائف لا توجد بالضرورة في القطاع العام ولا الخاص وهذا يحقق الحفاظ على كرامة الفرد وفي نفس الوقت إعداده لأداء وظيفة تناسب طبيعته وتتفق مع خصوصية ثقافته المحلية وسيسهم هذا النوع من البرامج في الحد من الفقر وما ينتج عنه من انحرافات واستغلال واندفاع في الانضمام للجماعات الضالة. ويكفي الفقر شراً أن نبينا الكريم استعاذ منه فأعوذ بالله منه ومن شهادة لاتوفر لصاحبها وظيفة لائقة وحياة كريمة.
نقلا عن المدينة