المنافسة والتنافسية وعوائق الدخول للأسواق

02/06/2024 0
د. محمد آل عباس

لدينا في السعودية الهيئة العامة المنافسة، والمركز الوطني للتنافسية، وهما يعملان في المجال نفسه وبينهما فرق كبير جدا، فبينما الهيئة العامة للمنافسة تعمل على تحقيق حماية وتشجيع المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية المخلة بالمنافسة المشروعة، يعمل المركز الوطني للتنافسية على تحسين البيئة التنافسية  وتطويرها، كما يعمل على الارتقاء بترتيب المملكة في المؤشرات والتقارير العالمية ذات العلاقة، وذلك من خلال دراسة المعوقات والتحديات التي تواجه القطاعين العام والخاص وتحديدها وتحليلها،  هكذا تبدو الصورة، فالمركز الوطني يسعى إلى فهم المؤشرات العالمية التي تتنافس عليها دول العالم ومن ثم التخطيط مع الجهات لوصول هذه الجهات التي تمثل السعودية في تلك المؤشرات لأعلى قمة هذه الترتيبات، وهذا له تأثير كبير جدا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية  وجودة الحياة أيضا، كما أنه يشجع على تحول الشركات والأفراد إلى السعودية للعمل من داخل الاقتصاد السعودي، وهذا يحفز الجانب الآخر وهو حماية المنافسة داخل الاقتصاد السعودي وهو هدف الهيئة العامة للمنافسة، فإذا كانت بيئة الأعمال في المملكة وكل أطراف العملية الاقتصادية تتمتع بروح السوق الحرة فإن فوائد تقدم السعودية في المؤشرات العالمية ستكون أكثر إيجابية، فكلاهما عامل إيجابي مساعد للآخر. 

الاحتكار مشكلة خطيرة على المنافسة، لكنه في أحيان كثيرة ليس المشكلة الوحيدة، بل قد يكون الاحتكار هو نفسه نتيجة وليس السبب، وفي نواح كثيرة هناك مشكلات تعوق دخول الاستثمارات لأي قطاع، أو تمنع دخول المبادرين وشباب الأعمال، وهذا يقود مع الزمن لحدوث احتكار وضعف المنافسة، ومما أتابع من أعمال هيئة المنافسة وإعلاناتها أجدها تتابع بجهد واضح ومشكور جدا كل ظواهر الاحتكار في الأسواق، ومن ذلك اتفاق المنتجين أو البائعين بطريقة مقصودة على سعر معين أو ترتيبات معينة للحفاظ على الأسعار أو توجيهها، لكن قليلا ما أسمع من هيئة عن دراستها للعوائق التي تمنع دخول سوق معنية، فاختصاصات الهيئة تدور حول دراسة السوق والقطاعات في حال وجود مخالفات لنظام المنافسة أو رغبة في تعزيز المنافسة فيها، والقيام بإجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات والتحقيق والادعاء العام في الممارسات المخلة بالمنافسة, وتلقي بلاغات التركز الاقتصادي ودراستها، والرقابة الدورية على الأسواق لضمان تطبيق قواعد المنافسة العادلة، فلا يوجد ضمن هذه الاختصاصات العمل على دراسة العوائق عند الدخول أو الخروج، على الأقل لا يوجد ذلك صراحة، وقد تكون الهيئة مهتمة بذلك فعليا لكن بودي لو تصرح عن هذه الدراسات للأعلام وأن تتلقى البلاغات عنها لأن ذلك أدعى لتحسين بيئة الأعمال (حتى لو كانت هذه الشكاوى عن إجراء معين أو شرط في لائحة، مثل وجود ضمان كبير) وبالتالي تتحقق المنافع من تحقيق نتائج التنافسية. 

عوائق الدخول للأسواق قد تكون بفعل الشركات الموجودة في السوق، ومن حيث تضخم رأس المال، وذلك بنماذج عمل معقدة أو مواقع خاصة أو غير ذلك مما يجعل من الصعب على أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة الدخول للأسواق، ويصعب جمع رؤوس أموال ضخمة، وبالتالي التسبب في تركز السوق بسبب هذه العوائق, فمن المهم إذن تشجيع الجامعات من خلال هيئة المنافسة على العمل بجهد كبير لدراسة هذه القطاعات التي يصعب الدخول لها بسبب عوائق رأسمالية خصوصا أو عوائق تقنية والعمل على تحفيز الابتكار لاكتشاف نماذج عمل جديدة تمنح فرص الدخول مع تخفيف هذه العوائق، وابتكار تقنيات جديدة رخيصة، هذا الابتكار يقوده وتحفزه هيئة المنافسة أساسا، من المهم أيضا أن تعمل هيئة المنافسة كما يعمل مركز التنافسية على التنقيب في الأنظمة والإجراءات التي تنفذها الجهات الحكومية خاصة اللوائح التي تتسرب إليها عوائق الدخول أو الخروج من الأسواق.

 

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية