الفيل الأبيض

09/06/2014 0
سعيد بن زقر

الفيل الأبيض تعبير تراثي شاع في الحكي الهندي القديم، وحكي الهنود لا يكف عن تقديم الحكمة والعبرة وأحياناً الظرف والطرافة اللطيفة ولا عجب، لكن زماننا نقل عبارة الفيل الأبيض من أساطير الهند إلى ساحات العلم فصارت مصطلحا يستخدم للمفارقات الاقتصادية والحياتية، مثل وجود بطالة في اقتصاد يطبق سياسات وأنظمة تستهدف الحد من البطالة وآثارها السلبية أي أنها تهاجمها بالباب وتسهل دخولها بالشباك فعلى سبيل المثال استقدام العمالة الأجنبية يمثل نموذجا لهذا الدوران بين التوطين وخفض نسبة العمالة الأجنبية مما يطرح سؤالاً لماذا يتم استقدام أعداد من الأيدي العاملة لوظائف يمكن شغلها بمواطنين؟.

هل لذلك صلة بغياب الاستراتيجية المسبقة؟ وللسؤال صلة بنتيجة محاولات برامج التوطين المختلفة التي تشير لاستحالة صيد الفيل الأبيض، وهو قابع في غرفة لا يدخلها أحد بل ينأى الجميع بأنفسهم عن الاقتراب من حل ألغازها.

صيد الفيل الأبيض يتم بتركيزنا على الأهداف وتحديد وسائلها التي تمكن الجميع من تتبع الخيط الذي يربط البطالة بالتوطين وبينهما ومعادلة الاستقدام وبين هذا المزيج وحل جذور المشكلة وتفكيك ألغازها وتصويب الخلل فضلاً عن وضع أدوات للمتابعة والإفادة والتقويم.

والحال كذلك يتفق الجميع أن البطالة كظاهرة اقتصادية متوقعة الحدوث في كل اقتصاد ولكنها عابرة وأن الاستقدام والهجرة والتوطين معادلات تزيدها بغياب خطة متكاملة أو تفاقمها بغياب فعالية الأنظمة لأن المشرع استهدف بالأنظمة الحد من البطالة وسلبياتها بينما السماح بنسب استقدام عالية سيهدم الجهود أو يغطي على أثرها.

فلماذا إذن نفترض علاج الخلل ببرامج وأنظمة لا تتكامل فيما بينها، لتحقق العكس لأن عدم التنسيق يعني أن تسبح كل جهة في عوالم مختلفة عن الأخرى وفي النتيجة تراوح المشكلة مكانها ونطارد الفيل الأبيض دون صيده أو الظفر بتعريفه أو الاقتناع من الغنيمة بالإياب. 

الأسئلة التي تطرح نفسها كمدخل للحلول، تبدأ بكيف يمكن كشف الغطاء عن الحجم الفعلي لجهد الفيل الأبيض في محاربة البطالة وهل توجد معايير وآليات تنسق السياسات التي تحد من الاستقدام؟

وهل توجد مقاربات بحجم التسرب السلبي من العشوائيات والتستر التجاري وما نسبتها من الناتج الإجمالي؟

وهل كل دول العالم تعاني إشكالا يسمى توطين الوظائف على النحو الذي حدث في تجربة المملكة؟ وماذا عن تجارب الدول الخليجية في هذا الشأن؟

وكيف عالجت كل دولة توطين الوظائف؟ وماهي أفضل التجارب الخليجية؟ وماذا عن تجارب دول العالم الأخرى؟

لا ريب أن كاتب هذه السطور ليس له إجابة على كل سؤال ولكن ما يراه أن تجارب بعض دول الخليج لا تتطابق مع تجربة التوطين بالمملكة لأن بعض هذه الدول عانت خللاً سكانياً مريعاً مما جعل التوطين لا محل له من الإعراب ولكن بالنسبة للمملكة الوضع السكاني يبدو مريحا مما يحيلنا لتجربة محلية لها خصوصيتها ومحركاتها ولهذا الإجابة لدى الفيل الأبيض أو القطاع العام بالمملكة لأن سياساته تحضر باستمرار عند الإجابة لتأثيرها سلبا أو إيجابا في توطين الوظائف فهل هذه السياسات تنطلق من أرضية مشتركة تستهدف حل لغز توطين الوظائف؟

أم أن غياب التنسيق بين الجهات الحكومية شجع كل جهة في القطاع العام لتجتهد وتمضي بمفردها ولكن مثل حاطب ليل رغم المقاصد الخير يعتمد على الصدف؟ وهل هناك جهة بعينها تتحمل مسئولية الفشل في التوطين أو يجب أن تساءل؟

أقول ذلك لأن القطاع الخاص ظل الحائط القصير الذي يعلوه النقد ويحمله المسئولية بينما تقع المسئولية على جهة خارج القطاع الخاص وعدم تحديدها ربما جعل الجميع يبحث عن الفيل الأبيض خارج مكان تواجده؟

واللافت للنظر أن هناك إجماعاً بأن مشكلة توطين الوظائف ليست بتلك الصعوبة وهو استنتاج صحيح فلماذا إذن لا تكون هناك خطة تفصيلية صارمة يتم تطبيقها على نحو ما حدث خلال فترة تصحيح أوضاع العمالة الأجنبية بحيث يلتزم بها القطاع العام والخاص من حيث عدم التراخي في تطبيق الأنظمة والسياسات بشأن الاستقدام وبشأن الأدوار التي يجب أن ينهض بمسئوليتها كل طرف.

إن نجاح الخطة المستقبلية يبدأ بالاقرار بأن الفيل الأبيض يفشل في بعض البرامج وخاصة في إحداث تغير ملموس بنسب التوطين ومعدلات البطالة، فقد ذكرت (الحياة 22/4/2014) بان 11 ألفاً من خريجي المعاهد الفنية انضموا لحافز أي صاروا عالة على القطاع العام فلماذا لا تبدأ رحلة اصطياد الفيل الأبيض طالما رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.

نقلا عن المدينة