كتبت قبل شهر مقالاً بعنوان تأملات في تجربة الاكتتاب في أسهم مسيعيد لخصت فيه ملامح التجربة الجديدة التي بدت مختلفة عن سابقاتها من اكتتابات، وتوصلت في خاتمة المقال إلى أن ملامح التجربة لن تكتمل فصولها إلا بعد إدراج سهم الشركة في البورصة، وذلك لمعرفة مدى نجاعة الإجراءات التي تم اتخاذها للحد من إقدام المكتتبين على البيع.
واليوم وبعد أن تم تدشين الإدراج يوم الأربعاء أجد أن العملية لم تتم بسلاسة كما كان ينبغي أن تكون، وأنها لا زالت معلقة بدليل هذا العدد الكبير من الأسهم التي باتت معروضة للبيع عند الإقفال يوم الخميس بسعر السوق.
ويستحق ما حدث أن نقف عنده لنستخلص منه الدروس والعبر للاكتتابات القادمة، وخاصة لاكتتابات قطر للبترول:
1-لوحظ في الشهر الذي أعقب الاكتتاب في سهم "مسيعيد" أنه قد جرت جهود مكثفة-مجهولة المصدر- عبر وسائل الاتصال المختلفة لإقناع المكتتبين بعدم التسرع في البيع-وهذا أمر طيب- وأن يتم عرض السهم-في حال البيع- بسعر 60 ريالاً ثم تم ترفيع السهم في آخر أسبوع إلى ما بين 90-100 ريال.
وكان لهذا الترويج عن سعر السهم تأثير سيئ على المكتتبين وعلى الراغبين في الشراء على حد سواء.
فمن حيث الراغبين في البيع نجد أن ترفيع السعر إلى ستة أضعاف السعر المكتتب به وهو عشرة ريالات، قد أوجد فرصة للربح السريع بما يزيد عن 50 ألف ريال لكل ألف سهم مكتتب بها، ومن ثم فإن الأسرة التي لديها عشرة الآف سهم، وجدت أنها ستجني ما لا يقل عن نصف مليون ريال أرباحاً سريعاً، وأنه بقدر انخفاض السعر عن ذلك بقدر ما ستتناقص الأرباح الموعودة التي باتت قاب قوسين أو أدنى.
2-في المقابل فإن الراغبين في الشراء قد وجدوا أمامهم فرصة سانحة للكسب السريع عندما بدأ التداول على سعر 50 ريالاً فأقبلوا على الشراء بمظنة أنه ذاهب إلى 90 ريالا، وارتفع السعر بالفعل واقترب من 74 ريالا للسهم في اليوم الأول، ثم بدأ عمليات جني أرباح من المشترين الجدد، وبدأت عروض البيع تزيد عن طلبات الشراء، فهبط السعر إلى 55 ريالاً.
ووضحت الصورة في اليوم الثاني، عندما هبط السعر لمت داون إلى 49.5 ريال من اللحظات الأولى، ورغم محاولات مستميتة من بعض المحافظ الاستثمارية لرفع السعر وتغيير اتجاه السوق، إلا أنها لم تنجح في ذلك وهبط السعر ثانية لمت داون.
وخلاصة ما حدث أن تقدير سعر السهم بأكثر مما يستحق قد أضر بحملة السهم ولم يكن يضيرهم أن يبدأ تداوله على سعر عادل ثم يرتفع بدلاً من أن يحدث العكس، فأختفى المشترون، وزادت رغبة المكتتبين في البيع.
وفي حين حرص صاحب المكرمة على تحقيق العدالة في توزيع الأسهم على المكتتبين من أبناء الشعب، فإن آليات التنفيذ، والترويجات الغير صحيحة قد خلقت تفاوتا في جني أرباح ما بين الذين تمكنوا من البيع في اليوم الأول والذين تخلفوا عن ذلك لأسباب قاهرة.
3- يبدو أنه كان من الممكن تلاشي حالات الإزدحام لو تم الأخذ بأحد الحلول التالية:
-أن يتم سؤال كل مكتتب عما إذا كان يريد البيع عند الإدراج أم لا، مع تحديد الكمية الراغب في بيعها له ولأولاده القصر حتى يتم أخذ ذلك بعين الاعتبار بدلاً من اضطرارهم للقيام بذلك بشكل شخصي ومباشر، وكأنها إجراءات اكتتاب جديد يتم في يوم واحد أو يومين.
-أن يتم السماح ببيع 50% مثلاً فقط يوم الإدراج والإبقاء على بقية الأسهم لتاريخ لاحق بعد شهر أو سنة يكون سعر السهم قد استقر في السوق فيتم فك المنع عن الجميع آليا دون الحاجة للمراجعات الشخصية.
-أو أن يتم الاكتتاب من البداية بواسطة شركات الوساطة بإشراف مدير عام للاكتتاب كأن يكون بنكاً محدداً.
هذه الاقتراحات أو أحدها كان كفيلا بتلاشي حدوث الأزمة، وأن تمضي الأمور بسلاسة كما جرت في اكتتابات سابقة كانت أكبر وأضخم من اكتتاب مسيعيد، فاكتتابات صناعات وناقلات والريان على ضخامتها لم ينتج عنها أي أرباك أيام إدراجاتها، وسارت الأمور في الإتجاه الصحيح بشكل طبيعي.
4- وتظل هناك نقطة إيجابية تستحق الذكر والتنويه وهي أن هذا الإدراج الذي انتظره الناس لسنوات قد أعاد الروح للبورصة، ورفع من عدد شركاتها وتداولاتها ورسملتها، وأعاد المتعاملين الذين هجروا السوق، وهذا تطور إيجابي لصالح الاقتصاد القطري، ويعمل على دفع عجلته بشكل جيد في الشهور القادمة.
5-أنه رغم تطور وسائل الاتصال الحديثة عبر الجوالات، إلا أن نسبة من المتعاملين لا يزالون بسبب الأمية غير قادرين على التعامل بها أو التفاعل مع ما يرسله الوسيط من رسائل وتوجيهات، ويجب على الوسطاء أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار، والبحث عن ترتيبات بديلة لتمكين هذه الفئة من تجاوز الصعوبات، كأن يتم تحديد قنوات اتصال خاصة بهم، طالما أنهم غير قادرين على استخدام الإنترنت .
ويظل ما كتبت رأي شخصي قد يحتمل الصواب والخطأ.
والله جل جلاله أجل وأعلم.