إذا كانت بدايات إنتاج السلع والخدمات للاكتفاء الذاتي ومبادلة الفائض بمنتجات الغير فإن ما يميز التعامل التجاري الحديث صعوبة اتمام أي صفقة تجارية دون مصرف.
وجود المصارف الخاصة صار ضرورة اقتصادية لتسريع التبادل التجاري ولكن مثل كل تجربة إنسانية أظهر التعامل المصرفي ثغرات في القطاع المالي وأهمها غياب أهداف اقتصادية عامة يلتزم بها القطاع المالي كالاستثمار في البنية التحتية أو محاربة الفقر والإسهام في خلق تنمية متوازنة وكبح البطالة مع أنه يحتكر حق خلق الائتمان وتكوين المال الإلكتروني وغياب أهداف عامة دفع بعضه للانخراط في تلاعب مصرفي خالف الغرض من إنشاء البنوك ،ورغم أن ذلك استدعى تطوير أنظمة مالية صارمة لحماية مصالح الأطراف واعتماد سياسات ائتمانية تحكمها المنافسة لحماية الاقتصادات الوطنية وحماية الأفراد من الفوائد التراكمية التي يطال ضررها أطراف المعادلة الاقتصادية بارتفاع السيولة وزيادة معدلات التضخم أو استغلال المصارف للطرف الأضعف في المعادلة لأنها تدرك أن مصالحها تكمن في إغرائه بمضاعفة الاقتراض لتوليد أموال للملاك وزيادة مكافآت للمديرين.
وجود أهداف عامة للقطاع المالي يحميه ويطور دوره الوظيفي ويسهم إيجاباً في تنمية الاقتصاد المحلي وإلا فإن خطر القطاع المالي على نفسه يكمن في غياب أهداف عامة لأنه ثبت أن القطاع المالي لا تحميه الأنظمة فهاهو يخالف معايير ائتمان وضعها بنفسه كأنظمة الاقتراض ومشى فوق خطوطه الحمر والصفر من أجل تحقيق منافع مادية فعندما تتوسع المصارف في الائتمان فإنها تخلق سيولة في الاقتصاد صحيح أن سدادها يحدث دوراً وظيفياً بتقليل السيولة ولكن ماهي ضمانات السداد؟ تلك السيولة أحدثت فقاعة العقارات في 2008م وغيرها من المآسي وهي أكدت أن طمع المصارف لا تكبحه الأنظمة، وقد تابعنا مخالفاتها الأوربية بخرق أنظمة الائتمان والتلاعب بأسعار الفائدة بحيث تواطأت بدلاً من التنافس وتلاعبت بمؤشر (الليبور) البريطاني الذي يحدد سعر الاقراض بين البنوك البريطانية ومؤشر (يوروبور) مما دفع الإتحاد الأوربي لتغريم مصارف كبرى (1.7) مليار يورو وهو تلاعب شمل معظم المنتجات المالية كالقروض العقارية ولم يستثنِ بطاقات الائتمان وتم بآلية تبين طبيعة المال في النظام المالي المعاصر وسهولة اختراق أنظمته،فقد تبادل المديرون معلومات فيما بينهم ثم تلاعبوا بأسعار الفائدة لزيادة أرباح مصارفهم ومكافآتهم وكان بنك(باركليز) البريطاني أول بنك يقفز من سفينة الفساد بإقراره بمخالفة أنظمة الاقتراض وسدد تكلفة تلاعبه بمؤشر(ليبور) كما أن (دوتشيه بانك) الألماني غرمه الاتحاد الأوربي 725مليون يورو وبنك (سوسيتيه جنرال) الفرنسي بمبلغ 446 مليون يورو و(رويال بانك وف اسكوتلند) البريطاني بمبلغ 391 مليون يورو وعلى جانب الأطلسي غُرم(جيه بي مورغان وسيتي غروب) بمبلغ 70 و80 مليون يورو على التوالي وشملت العقوبات شركة الوساطة المالية (آر بي مارتين) وغرمت مبلغ 247ألف يورو.
ومع الترحيب بالغرامات وبقوانين مالية تمنع النفاذ للفساد أو الإفلات من العقاب إلا أن غياب أهداف عامة لها تأثيرها على مستقبل القطاع واقتصاده المحلي خاصة إذا استخدم نفوذه لحماية مصالحه للهرب من الاشتراك في تحقيق أهداف عامة كمكافحة البطالة والفقر أو للهرب من التجاوزات ،فليس ثمة سبيل للحد من مخالفات القطاع المالي إلا بتصويب توجهاته وإلزامه بتحقيق أهداف عامة تمنع ركضه لاصطياد الضحايا وأيضا تعزيز المنافسة يمنع التواطؤ فيما بين المصارف وإلا أصبحت (فتاكة) بعملائها واقتصادها.