أقر مجلس الوزراء الموقر قبل أيام نظام هيئة النقل العام التي ستَتَولَّى الإشراف على قطاع حيوي بالاقتصاد من حيث الإشراف والتنظيم وجذب الاستثمارات للقطاع وتوفير كل السُّبُل لنجاح العمل بالنقل العام وتتزامن بداية عمل الهيئة مع إطلاق مشروعات النقل العام بالمدن الكبرى التي اعتمد لها مبالغ خاصة حدَّدت عند مائتي مليار ريال ابتداءً من هذا العام وتَمَّ اعتماد مشروعات مدينة الوياض قبل أيام بشبكة قطارات ضخمة تصل تكلفتها إلى 84 مليار ريال وسيتبعها أيضًا نظام للحافلات سيغطي مدينة الرياض بالكامل وسيكون الحال عليه بِكلِّ المدن الرئيسة ذات الكثافة السكانية الكبيرة لكن هيئة النقل العام ليس لها دور في دراسة أو إقرار هذه المشروعات الجبارة وسينحصر دورها بتراخيص شركات النقل ووضع إشرافي رقابي على القطاع والمنشآت العاملة.
ويبقى السُّؤال كيف يمكن للهيئة أن تعمل وما دورها إذا كانت بعيدة عن أيِّ دور للنُّهوض بقطاع النقل؟ وكيف لها أن تقدّر احتياجات السُّوق؟ فهناك عشرات الآلاف من سيَّارات الأجرة العامَّة التي تعمل بالمدن ما مصيرها بعد الانتهاء من مشروعات النقل العام الضَّخمة سواء القطارات أو الحافلات؟
فمن المؤكد أن كثيرًا منهم سيتضرر وستنخفض إيراداتهم ولا ننسى أن هناك مواطنين أخذوا قروضًا من بنك التسليف لشراء سيَّارات يعملون عليها كأجرة عامة أو ما يسمى شعبيًّا بـ»الليموزين»، فهؤلاء سيتغير الحال عليهم كعمل وإيرادات قد لا تفي بالالتزام المطلوب منهم للجهة المقرضة مستقبلاً، كما أن التطوّر بشبكات القطارات بين المدن سيعزِّز من دورها بالنقل وستحصل على حصة كبيرة بوقت قصير خصوصًا في مجال نقل البضائع وهنا لا بُدَّ أيضًا أن ينظر لواقع الاستثمار بالنقل البري سواء للبضائع أو الركاب بطريقة مختلفة، فالمحافظة على الاستثمارات القائمة تتطلب جهدًا مشتركًا من الهيئة ومن المستثمرين على حدِّ سواء.
إن ما ننتظره من الهيئة عند الشروع بعملها أن تدرس واقع السُّوق ومستقبله وأن تحد من أيّ سلبيات ستقع على المستثمرين الحاليين وخصوصًا أصحاب المشروعات الصَّغيرة وإيقاف إدخال المزيد من الاستثمارات بمجالات معروف أن التوسُّع فيها سينعكس سلبًا على مستقبلها وكذلك النَّظر بتوازن ما بين الأهداف التي ترجى من خطة النقل العام وحجم الاستثمارات القائمة حاليًا أو التي ستقوم الهيئة بالترخيص لها حتَّى لا يكون هناك تدفق خاطئ للاستثمارات يتسبب بهدر المال والوقت، بل يفترض أن تُعدُّ الهيئة سلة من قوائم الاستثمارات التي سيحتاجها السُّوق وكذلك تحويل الشركات القائمة في سوق النقل إلى إنتاجيَّة إيجابيَّة للاقتصاد والابتعاد عن دورها الحالي المعروف بتشغيل العمالة والهدر الكبير للوقود بخلاف الحوادث التي تتسبب بها نتيجة نشاطها على مدار السَّاعة دون راحة للسائقين وبواقع تشغيل لا يحفزهم إلا على العمل لساعات طويلة جدًا لتحقيق المبلغ المطلوب منهم يوميًّا وهي طريقة تشغيل مرهقة ومتعبة ومنفرة لجذب المواطن للعمل بهذا القطاع الأساسي بالاقتصاد.