استقر معدل التضخم في قطر في شهر فبراير الماضي عند مستوى 3.2% بدون تغير عن مستواه في شهر يناير،ولكن بزيادة ملحوظة عن الربع الرابع من العام 2012 عندما كان المعدل في حدود 2.6%. وبذلك يكون المعدل رغم استقراره الأخير قد تجاوز في عام 2013 مستوى 3% ووصل إلى لحظات فارقة، فإما أن يكون في عام 2013 على بداية مرحلة تتصاعد فيها الضغوط التضخمية، أو أنه يميل إلى الاستقرار ضمن هامش ضيق لا يزيد عن 4%، باعتباره يعكس حالة النمو الاقتصادي المعتدل التي يعيشها الاقتصاد القطري.
وقد كنت قد أشرت في مقالات سابقة عن هذا الموضوع، إلى أن العوامل المختلفة كانت تدفع في العامين الماضيين باتجاه الإبقاء على معدل التضخم منخفضاً دون مستوى 3% رغم ما كان سائداً من معدلات نمو اقتصادي مرتفعة جداً.
ومن بين تلك العوامل التي كانت سائدة: تراجع مكون الإيجار في الرقم القياسي للأسعار الذي يمثل ثلث الوزن الترجيحي لسلة السلع والخدمات، ولو ببطء، والسياسة النقدية التي درج عليها مصرف قطر المركزي والمتمثلة في: خفض سعر فائدة المصرف وأسعار الفائدة على الودائع والائتمان، مع سحب السيولة الفائضة في الجهاز المصرفي من خلال الأذونات والسندات، والإبقاء على نسبة الاحتياطي الإلزامي عند مستوى 4.75%، كل هذه السياسات كانت تعمل على منع ارتفاع الأسعار.
وقد طرأت في الشهور الأخيرة بعض المستجدات على العوامل المؤثرة على معدل التضخم، وكان بعض هذه العوامل إيجابياً لصالح استمرار المعدل منخفضاً، في حين طرأت عوامل سلبية تدفع باتجاه زيادة الأسعار والمعدل..
فمن ناحية؛ اتجه سعر صرف الدولار-ومعه الريال المرتبط به- إلى الارتفاع في الشهور الأخيرة أمام العملات الأخرى وبخاصة أمام الين وبدرجة أقل أمام اليورو. فسعر الدولار الذي كان قبل سنة في حدود 78 يناً أصبح اليوم 96 يناً،أي أنه قد ارتفع بنسبة 23%، وذلك يشكل أخباراً جيدة لمستهلكي ومستوردي السيارات والسلع اليابانية،إضافة إلى بقاء معدل التضخم في اليابان سلبي، أي أنه لا يوجد تضخم مستورد من هذه الزاوية.
والوضع مع أوروبا مماثل- وإن بدرجة أقل- حيث ارتفع سعر صرف الدولار أمام اليورو بشكل محدود، مع بقاء معدلات التضخم هناك عند المستويات الدنيا. ويضاف إلى ما تقدم أن سعر أونصة الذهب الذي يؤثر على مكون السلع الأخرى المتفرقة في سلة الرقم القياسي للأسعار قد طرأ عليه انخفاض بنسبة 10% في عام 2013.
ومن جهة أخرى تشير التوقعات الإقتصادية الرسمية للدولة إلى أن النمو الاقتصادي سيتباطأ هذا العام في قطر إلى 5.5%،في الوقت الذي يستمر مصرف قطر المركزي في تطبيق سياسته النقدية المشار إليها أعلاه، مع كونه قد أعلن مؤخراً عن برنامج لإصدار السندات والصكوك الإسلامية هذا العام بما مجموعه 4 مليار ريال. ومن شأن هذه العوامل مجتمعة أن تُبقي معدل التضخم منخفضاً.
وفي المقابل، فإن بعض العوامل باتت تدفع باتجاه ارتفاع معدل التضخم، ومن ذلك عودة السكان إلى النمو، حيث وصل الرقم إلى مستوى 1.917 مليون نسمة بنهاية شهر فبراير الماضي، بزيادة بنسبة 8.9% عن نهاية فبراير 2012. كما أن مجموعة السياسات الحكومية المتعلقة بالشؤون البلدية تدفع باتجاه رفع أسعار إيجارات المعارض والمحلات التجارية، والأراضي في الشوارع الإدارية للمكاتب والخدمات والمناطق الصناعية.
وهذه الزيادات تدفع بأحد اتجاهين إما أن تؤدي إلى انتقال أثرها إلى أسعار السلع والخدمات النهائية للمستهلك-خاصة مع استمرار تزايد عدد السكان- وهذا ما يعمل على زيادة معدل التضخم ولو بالتدريج، أو أنها قد تدفع رجال الأعمال باتجاه التوقف عن التوسع، وتجميد نمو أنشطتهم ، وهو ما سيعمل بالتالي على بقاء معدل التضخم منخفضاً. والخلاصة أن الصورة تبدو غير واضحة وسط جملة من العوامل التي تدفع في كلا الاتجاهين....