عرضت في المقالات السابقة من هذه السلسلة لملامح الاقتصاد القطري في عام 2012 من عدة زوايا، وانتقل اليوم للحديث عن ملامح السوق العقاري كما تعكسها المعلومات المتاحة في الكشوف الأسبوعية لإدارة التسجيل العقاري، وتقارير بعض المكاتب المستمدة من تلك الكشوفات للفترة ما بين ديسمبر 2011 وديسمبر 2012. المعروف أن الاستثمار العقاري يعتبر تقليدياً من بين أهم مجالات الإستثمار المتاحة للمواطن إلى جانب سوق الأسهم، وهو يسبق في ذلك الاستثمار في الصناعة وفي التجارة، والخدمات.
ورغم ربحية الاستثمار العقاري المؤكدة في الأجل الطويل، إلا أن المتاجرة فيه تظل محفوفة بالمخاطر لاعتبارات كثيرة أهمها عدم وجود بورصة محلية للعقارات يتم فيها البيع عند الحاجة للسيولة المالية، وعدم وجود مؤشرات معتمدة لأسعار الأراضي الفضاء في المناطق المختلفة للتعرف على اتجاهات تغير الأسعار عبر الزمن، ومؤشرات أخرى عن المباني. ورغم ضخامة الشركات العقارية المدرجة في بورصة قطر، إلا أن نتائجها المالية في الشهور التسعة الأولى من العام 2012 قد سجلت في مجملها تراجعاً بنسبة 49%، كما أن العائد على السهم لدى هذه الشركات منخفض جداً، وهي غالباً لا توزع عوائد على المساهمين أو توزع عوائد تصل إلى 1.1 ريال للسهم كما في بروة. وفي غياب الإحصاءات الدقيقة التي تصور نشاط هذا القطاع وتحدد درجة المخاطرة فيه، فإن الاعتماد على الكشوفات الأسبوعية لإدارة التسجيل العقاري لا يساعد في اتخاذ قرار استثماري مأمون العواقب.
ورغم أن المكاتب العقارية تجتهد في استخلاص المعلومات والأسعار من هذه الكشوفات، إلا أن ذلك لا يكفي. وهكذا فإنه رغم توفر عدة تقارير أسبوعية عن نشاط سوق العقارات، إلا أنها جميعاً تتصف بالضخامة دون مضمون مفيد بما لا يساعد على اتخاذ قرار استثماري على أسس سليمة وموثوقة.
ولرسم صورة لمستوى النشاط العقاري في عام 2012 فإنني قد رجعت إلى الكشوفات الأسبوعية المنشورة على موقع وزارة العدل، ووجدت أن بالإمكان الحصول على رقمين من كل تقرير هما عدد الصفقات، وإجمالي قيمة الصفقات في كل أسبوع. وتطلب الأمر فتح نحو 94 ملف عن عامي 2011 و 2012، مع التنبيه بوجود أسابيع مفقودة لا يوجد عنها بيانات –إثنان منها في كل سنة بسبب إجازات الأعياد- وبالجمع تبين أن مجمل تداولات العقارات في عام 2012 قد بلغ 39.6 مليار ريال من 7974صفقة مقارنة بـ 25.6 مليار ريال من 5864 صفقة في عام 2011. ويشكل ذلك زيادة بنسبة 54.7% من حيث القيمة، وبنسبة 36% من حيث عدد الصفقات.
وهذه النتيجة تشير إلى تحسن ملحوظ في نشاط التداولات العقارية بنسبة كبيرة في عام 2012، وإن كانت بقية المؤشرات المتاحة لا تعزز هذ الاستخلاص: فنسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في عام 2011 لا تزيد عن 11%، ونسبة نمو قطاع خدمات المال والتأمين والعقارات في نفس السنة لا تزيد عن 5% حسب المتاح من البيانات، كما أن نسبة التضخم لا تزيد عن 2% في متوسط السنة، ونسبة نمو الائتمان المصرفي المقدم للعقارات قد ارتفعت بنسبة 12.2% فقط إلى 85.5 مليار ريال مقارنة بـ 76.2 مليار ريال في عام 2011. وبفحص بيانات الكشوفات العقارية ثانية يتبين أنه من أصل بيانات 48 أسبوع في عام 2012، كانت هناك 9 أسابيع بلغت قيمة صفقاتها مجتمعة 15.1 مليار ريال، أو ما يعادل 38% من إجمالي الصفقات.
وهذه الصفقات يمكن أن تكون صفقات خاصة مثلما كان في بورصة قطر صفقات خاصة على سهم أزدان في عامي 2011 و 2012، وإن اختلفت الأسباب. وأذكر من بين تلك الصفقات العقارية قطعتي أرض في الخيسة بقيمة 2806 مليون ريال، وأرض فضاء في عنيزة بقيمة 1774 مليون ريال، ومحلات تجارية وأرض فضاء وبيت للسكن في مشيرب بقيمة 1200 مليون ريال، وقطعة أرض في روضة الخيل بقيمة 500 مليون ريال.
مثل هذه الصفقات وغيرها تعتبر بكل المقاييس صفقات خاصة لأنها بالجملة، وبمبالغ ضخمة غير عادية. وقد علمت بعد كتابة المسودة الأولى للمقال أن مصرف قطر المركزي قد أصدر مؤشره المنتظر يوم 30 يناير الماضي من واقع بيانات وزارة العدل. وعلمت أيضاً أنه قد روعي في إعداد المؤشر الاعتماد على قيم الصفقات العقارية المنشورة مع حذف الصفقات الشاذة في قيمتها أو المشكوك في دقة بياناتها. وكانت المفاجأة أن الرقم القياسي لمؤشر العقارات قد ارتفع من 148.8 نقطة في ديسمبر 2011 إلى 159.5 نقطة في يونيو 2012، بنسبة نمو 7.2% فقط في 9 شهور، ثم عاد وانخفض بالتدريج إلى 148.7 نقطة في سبتمبر 2012. ولم تتوفر بيانات جديدة عن المؤشر بعد ذلك التاريخ، وإن كان المصرف قد وعد بمتابعة نشر الأرقام كل ثلاثة شهور.
ومن جهة أخرى لا توجد بيانات موحدة لأسعار العقارات، ولكنها وصلت في عام 2012 إلى أعلى مستويات لها،بما يجعل الاستثمار بغرض البناء مكلف جداً، فبناء فيللا من دورين في الضواحي بمواصفات عادية، على قطعة أرض مساحتها 500 متر مربع، يتكلف ما لا يقل عن مليوني ريال. ولأن مستويات الإيجار في حدود عشرة آلاف ريال شهرياً، فإن هكذا استثمار يعني استرجاع رأس المال في أكثر من 16 سنة، وهو لذلك استثمار غير مربح بالمقاييس المالية. كما أن الاستثمار في المباني السكنية أكثر كلفة بسبب الغلاء الشديد لأسعار أراضي العقارات، إضافة إلى أن شروط القروض المصرفية لقطاع العقارات لم تعد ميسرة كما في السابق.
من أجل ذلك،يمكن القول إن الاستثمار قصير ومتوسط الأجل في العقارات، أصبح محفوفاً بمخاطر جمود الأسعار وعدم تحركها على النحو المرغوب.
ويظل ما كتبت في هذا المقال رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله جل جلاله أعلم.
شكرا على هذا المقال الرائع
لا شكر على واجب