توالت على مصر على مدار 2012 أحداث سياسية واقتصادية هامة كبيرة عنوانها عدم الاستقرار السياسيى مثل الانتخابات البرلمانية وحل مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية وسياسات الحكومة والرئيس والتى تسببت فى احداث حالة من البلبلة وعدم التوافق بين طوائفالمجتمع والقوى السياسية وظهور حالة من الاستقطاب السياسى الحاد والدخول فى صراعات بينية مع أجهزة القضاء والاعلام فى اطار سعى النظام الى أخونة الدولة وعزل معارضى الاخوان .
مما تسبب فى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية لمصر وزادت من عمق الجروح الاقتصادية التى أصابت مصر منذ الثورة حتى اليوم ،خاصة وان مصر قبل الثورة لم تكن ضمن الدول ذات الاقتصادات المتميزة الاداء على صعيد التنمية وليس النمو وفى ظل حقيقة تحقيق مصر لمعدل نمو قارب 7% سنويا قبيل الثورة ولكن معدلات النمو هذه لم يشعر بها المواطن المصرى العادى فى ظل استشراء الفساد والمحسوبين والبطالة .
وهي ذات الأزمات التى لازالت تعانى منها مصر الى اليوم خاصة البطالة التى تتفاقم يوميآ ومنها ما هو نتيجة الأزمات التي يتعرض لها القطاع السياحي حيث أكد خبراء السياحة أنه في حال استمرار الاوضاع الراهنة على ما هي عليه فانه من المتوقع تسريح مليون عامل في مجال السياحة في الفترة المقبلة كما اكد اتحاد الغرف السياحية .
بالاضافة الى انخفاض قيم وأحجام التداول في البورصة المصرية ، وتعرضها لأزمات عنيفة انعكاسآ لتطورات الشارع السياسي المضطرب مما دفع أسعار الأسهم الى مستويات متدنية ، أغرت مؤسسات عربية وأجنبية للاستحواذ على أصول مصرية بأسعار ضعيفة كما الحادث في صفقة شراء بنك قطر الوطني للبنك الأهلي سوستيه جنرال ،وسعي بنك قطري آخر لشراء المصرف المصري الخليجي .
وكذلك تم رصد ارتفاع في معدلات الركود في الحركة التجارية مما ينعكس بالسلب على مستويات الأداء والانتاج وبالتالي تسريح العمالة بدءً من المصانع ومرورآ بالشركات وانتهاءً بالمحلات التجارية ، ومن ناحية أخرى وان كان في نفس السياق العام فانه تم رصد انخفاض في مستويات الأجور كثيرين من العاملين في القطاع الخاص خاصة في مجال الاستثمارات المالية والسياحية .
ونجد أن هناك تراجع واضح في تعهدات دول غربية وعربية بتقديم قروض لمصر بقيمة 14.5 مليار دولار ، فقد تراجعت ألمانيا عن وعودها بالغاء 250 مليون يورو من ديونها على مصر نتيجة لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاضطرابا الاجتماعية المتفاقمة وابتعاد المسار السياسي الذي ينتهجه الدكتور مرسي عن النهج الديموقراطي الحقيقي وما يمكن اعتباره ملامح لديكتاتورية وليدة .
وتواجه مصر انخفاض هائل في حجم الاحتياطات النقدية من مستوى 34 مليار دولار قبيل الثورة الى مستوى 15 مليار دولار حاليآ وهو ما يكفي بالكاد للواردات السلعية لمدة 6 أشهر ويغل من يد الحكومة عبر البنك المركزي من التدخل في الدفاع عن الجنيه عبر سياسات السوق المفتوحة حيث يدخل البنك المركزي اما بائعآ أو مشتريآ للجنيه بهدف الحفاظ على سعر صرف مناسب لمصالح الدولة ، وان كان يجدر الاشارة الى القرار السليم الذي اتخذ مؤخرآ بمنع المسافر من والى مصر أن يحمل أكثر من عشرة آلاف دولار ، وهو محاولة لدعم الجنيه المصري وتقليل الفاقد من العملة الصعبة .
كما تعاني مصر من تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول القرض المقيم ب4.8 مليار دولار والذي سيساهم في معالجة الاختلالات الهيكلية في الموازنة العامة المصرية خاصة وأن القرض يأتي بفائدة بسيطة وقدرها 1.1% لمدة خمس سنوات مع فترة سماح مدتها 39 شهرآ ، ويأتي ارتفاع سعر صرف الدولار مؤخرآ أمام الجنيه مما يرفع فاتورة الدعم التي تتحملها الخزانة المصرية الى حوالي 117 مليار جنيه صعودآ من حوالي 111 مليار جنيه مما يفاقم مستوى العجز الذي يشترط الصندوق تخفيضه أصلا من أجل امرار القرض ، وقرض الصندوق بالطبع يعد أفضل من الاقتراض الداخلي الذي وصلت فائدته الى 16% ، ويسمح للبنوك المصرية من ناحية اخرى بتدبير التمويل اللازم للقطاع الخاص .
ويرجع هذا التعطل (وتدهور الاقتصاد المصري) الى عجز الحكومة المصرية والرئيس الاخواني عن بناء حالة من التوافق المجتمعي والبناء السياسي الرصين بعيدآ عن حالة الاستقطاب الحادة التي تتسبب فيها القرارات الرسمية وخطف الدولة لصالح فصيل الاخوان والسلفيين.
بالاضافة الى أن توقيع اتفاقية القرض هذه لا تتوقف أهميتها على مبلغ القرض في حد ذاته فقط وشروطه التفضيلية بل تتعداها الى اعتبار هذه الاتفاقية ان وقعت بمثابة شهادة جيدة للاقتصاد المصري أمام مؤسسات التمويل الدولية بامكانية تجاوز الاقتصاد المصري لعنق الزجاجة ، خاصة وأن نادي باريس لا يقوم باعادة جدولة الديون للدول المدينة أو تحويل الديون المستحقه له الى استثمارات الا في حال وجود اتفاق مسبق بين الدولة المدينة والصندوق ، كما ان ذلك سيساهم في رفع التصنيف الائتماني لمصر أو على الاقل وقف تدهوره ويخفض بالتالي من كلفة الدين .
خاصة بعد قيام مؤسسة ستادرد آند بورز بخفض التصنيف الائتماني لمصر من مستوى(B) الى (B-) وهو الخفض الخامس على التوالي ، وهو ما يعني مزيد من الضغوطات على الاقتصاد المصري ورفع كلفة خدمة الدين وصعوبة الحصول عليه حيث يقوم المقرضون الدوليون حينئذ بالمطالبة بسعر فائدة أعلى نظير تحملهم مخاطر أعلى .
مما قد يدفع كثير من مؤسسات وجهات التمويل الدولية عن الاحجام عن الاستثمار في شراء سندات الدين الحكومية أو حتى الخاصة المصرية بما في ذلك حتى مشروع الصكوك الاسلامية لما سيكتنف هذا الاستثمار من مخاطر عالية ، وهو ما قد يدفع الحكومة المصرية في ظل عجز موازنة يقترب من حاجز ال200 مليار جنيه مصري الى طبع البنكنوت وهو ما سيؤدي بدوره الى انخفاض قيمة الجنيه أمام سائر العملات وأدى الى ارتفاع كلفة الفوائد على التسهيلات الائتمانية للمستوردين المصريين من 3.5% الى 4.5% ، وما يسببه كل ما سبق من حدوث موجة كبيرة من ارتفاع معدلات التضخم وهو ما سيزيد من حالة الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل لا يتحمله الاقتصاد المصري .
وعليه فان الحكومة المصرية تجد نفسها أمام مجموعة من الأزمات التي يجب مواجهتها بحلول جريئة وجديدة بعيدآ عن الاكتفاء بالأكليشيهات القديمة فلابد من الابتكار ، حيث لابد من اعادة الهيكلة للمنظومة الضريبية مجددآ نحو تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع المستويات الضريبية على طبقة القادرين والأثرياء فيما يعرف باسم الضريبة الموجهة ناهينا عن تطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل وبمعدلات تصل الى 40% على الأثرياء ذوي الدخول المرتفعة جدآ ، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن تحصيل رسوم وضرائب اضافية تتراوح ما بين جنيهان الى 2000 جنيه على مجموعة من السلع والخدمات التي يستفيد منها القادرون كمنتجات الأغذية الفاخرة والسيارات وفواتير الغاز والكهرباء والمياه للفلل والقصور والشقق السكنية الفاخرة والمنتجعات السياحية والسكنية والفنادق .
وزيادة أسعار تراخيص السيارات والمنازل والشركات وطرقات السفر والأثاث وتذاكر السفر ، ورفع رسوم المعاملات الرسمية والخدمات الجكومية المقدمة للجمهور ، ومبالغ محصلة على العوائد البنكية بما لا يتجاوز 5000 جنيه ، ومكافحة الفساد بشكل حقيقي من خلال سن القوانين الباترة واسترداد أراضي الدولة أو اعادة تخصيصها بالأسعار الجديدة ، واتباع سيسات تقشفية جادة وفاعلة على مستوى الادارات والأجهزة الحكومية ، وتنفيذ التطبيقات وبراءات الاختراعات التي تمتلئ بها ادراج وزارة البحث العلمي والتي تعني بترشيد استهلاك الطاقة والوقود .
مع ضرورة الغاء بنزين 90 ورفع سعر بنزين 92 الى 2جنيه ورفع سعر السولار وبنزين 80 بشكل طفيف مع الاسراع في تطبيق فكرة الكوبونات أو كارت الخصم على كمية محددة من الليترات تصل الى 1200 ليتر سنويآ لأصحاب بنزين 92، خاصة وأن دراسات اقتصادية ميدانية أكدت أن مستحقي دعم الوقود في مصر يمثلون 80% من السكان ، ولكن فيما يحصل هؤلاء على 20% من الدعم فان نسبة ال20% الغير مستحقة للدعم تحصل على 80% من الدعم من اجمالي 113.2 مليار جنيه مخصصة لدعم الوقود والمحروقات ، هذا بالطبع بالاضافة الى ترشيد الدعم المقدم الى المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة كمصانع الحديد والسيراميك والأسمنت والأسمدة بما يوازي نسبة المصدر من انتاجها الى الخارج مع الزامها ببيع منتجاتها في الداخل بعد حساب كلفة الدعم الذي تتحصل عليه وفرض قيود على صادراتها في حال وجود عجز في السوق الداخلي وهو ما سيوفر حوالي 30 مليار جنيه مصري .
مع ضرورة رفع سعر رغيف الخبز المدعم الى 10-15 قرش للرغيف ، والتوسع في تطبيق سياسة توزيع أنابيب البوتجاز بالكوبونات لضمان وصول الدعم لمستحقيه ، والتطبيق الفعلي للحد الأدنى والأعلى للأجور ، ووقف استيراد السلع الأجنبية التي لها نظير مصري ، مع العمل الفعلي والفعال نحو ادخال الاقتصاد الغير رسمي (المتمثل في الشركات والمكاتب والمحلات والمصانع الغير مسجلة رسميآ في سجلات الضرائب ومصلحة الشركات ) لتحصيل الضرائب المستحقة عليهم خاصة مع وجود تقديرات اقتصادية بان حجم الاقتصاد الغير رسمي المصري يبلغ قرابة التريليون جنيه .
كذلك وفي اطار تطبيق العدالة الاجتماعية ومنع تركيز الثروات في طبقة معينة على حساب كافة طبقات الشعب وارتفاع معدلات الفقر وما يترتب عليها من غياب الاستقرار الاجتماعي وزيادة معدلات الحقد والاحتقان الطبقي والذي يغيب معها الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي الحقيقي فانه لابد من تطبيق فاعل وحتمي لسياسة تحديد هوامش الربحية على كافة القطاعات الانتاجية والتجارية وحتى السياحية بما يسمح بتحقيق هوامش ربحية محترمة وجيدة لأصحاب رؤوس الأموال وأسعار بيع معقولة وجيدة لعموم المستهلكين ، بعيدآ عن الشعارات الفارغة المكررة بأن ذلك عودة الى الاشتراكية ، فالاشتراكية ليست شر مطلق ولا الرأسمالية خير مطلق ، وانما العدالة الاجتماعية وبناء جسور الثقة والتوافق المجتمعي بعيدآ عن الأنانيات المفرطة وثقافة المكاسب المهولة هي فعلآ أساس تقدم المجتمع واستقراره ، وأنه حال تجاوز هوامش الربحية المحددة فان الغرامات الرادعة واغلاق المنشآت والغاء التراخيص والسجن مع تطوير آليات عمل جمعيات حماية المستهلك وقوانين واجرارءات منع الاحتكار لهي كفيلة بالحفاظ على المجتمع من نيران الجشع واضطهاد المستغلين لآمال الناس في التقدم والازدهار والعيش الكريم .
كذلك لابد من طرح عدد من المشاريع القومية العملاقة كمشروع تنمية قناة السويس وتحويل رسوم المرور فيها من الدولار الى الجنيه المصري لدعم سعر صرف الجنيه محليآ وعالميآ أو على الأقل تحصي جزء بالجنيه وآخر بالدولار ، واعادة تنمية توشكي والعوينات وتنمية سيناء ومنخفض القطارة والساحل الشمالي ومحور التنمية أمام مؤسسات الاستثمار المحلية والعربية والاسلامية والعالمية من خلال مشاريع (B.O.T) ، (P.P.P) والتي تعتبر نماذج للشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص .
والعمل على وقف تصدير الغاز المصري الى الخارج خاصة وأنه يتم بيعه بأسعار بخسة ويرفع كلفة الدعم الذي تتحمله الدولة على المازوت والبوتاجاز اللذي من الممكن التخفف منه حال التحول الى استخدام الغاز الطبيعي ، واعادة التفاوض حول أسعار الغاز المصرة في حال استحالة وقف التصدير نتيجة القيود المفروضة في الاتفاقات مع اعادة التفاوض حولها مما يقلل من التكلفة على الحكومة المصرية ويوفر لها مصادر دخل سريعة ووفيرة بشكل هائل ، ويؤسس لمرحلة جديدة من النمو والتنمية الهائلين .
وغير ذلك من الاجراءات والأفكار الجريئة مما يقلل بالتالي من حجم العجز في الموازنة المصرية التي يخصص 25% منها لتمويل الدعم ، 25% اخرى لخدمة الديون ، و25% ثالثة لمرتبات وأجور العاملين بالقطاع الحكومي وأجهزة الدولة ، فيما لا يتبقى الا 25% فقط لتمويل الاستثمارات في البنية التحتية وتطوير منظومات التعليم والصحة وغيرها من المشاريع الملحة التي تحتاج اليها مصر بشكل ملح وعاجل خاصة مع توقعات بارتفاع عجز الموازتة الى ما يقرب 185-200 مليار جنيه مصري .
ان مصر أمام مفترق طرق لو استمرت الاوضاع الراهنة على ما هي عليه فان التصنيف الائتماني لمصر أصبح مرشحآ لمزيد من الخفض مع بدايات العام المقبل كما أكدت مؤسسة فيتش وغيرها من المؤسسات الدولية ، وما يؤكد خطورة الأوضاع الاقتصادية المصرية أن دولآ مثل كمبوديا وموزمبيق تتمتعان الآن بتصنيف ائتماني يفوق نظيره المصري على الرغم ما يعانيه شعبي كلتا الدولتين من ظروف معيشية صعبة ، فلنا أن نتخيل حال المقبل من الأيام .