الآثار الاقتصادية للاتفاق النووي الايراني

03/08/2015 0
احمد سبح

من المؤكد ان الاتفاق النووى الذى ابرمته ايران مع القوى الكبرى ( 5 + 1) سوف يؤثر بشكل ايجابي على الاقتصاد الايرانى حيث يزيل العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران نتيجة برنامجها النووى وبالتالى سوف يمكن المصارف والشركات الايرانية من الوصول للاسواق العالمية والنفاذ اليها وحصول الحكومة الايرانية على اموالها المجمدة من الخارج وسوف يدفع هذا الاتفاق بالصادرات النفطية الايرانية الى الصعود بشكل كبير ولكن تدريجيا حيث سيكون امام الايرانيين مساحة من الوقت لاعادة تنشيط الاستثمارات فى القطاع النفطى واعادة تطوير ابار البترول ومصافيه وعودة شركات التامين العالمية الى مجال عملها الخاص بتامين سفن وناقلات البضائع الايرانية تصديرا واستيراد.

وهو الامر الذى كان من الغير الممكن قبل الاتفاق نتيجة العقوبات، وبالتالى فانه من المتوقع أن يأخذ ارتفاع حجم الصادرات النفطية الايرانية منحى صعودى مع بداية العام القادم وهو ما سوف يؤثر على زيادة المعروض من زيادة النفط فى السوق العالمى وانخفاض سعر برميل البترول خاصة مع زيادة انتاج البترول فى امريكا الشمالية ( كندا -الولايات المتحدة )وعدم خروج الزيت والغاز الصخر من المعادلة بشكل تام حتى بعد الانخفاض الدراماتيكى لاسعار البترول من مستوى 100 دولار الى مستوى 50 دولار نتيجة تطوير طرق البحث والاستخراج وتقليل تكلفتها.

هذا بالاضافة الى زيادة حجم الانتاج الأمريكي من المواد البتروكيماوية كالايثيلين والبروبيلين وغيرهما وهي مواد غاية في الأهمية للصناعات والاستخدامات المختلفة خاصة في صناعة الكيماويات والبلاستيك والغذائية والمستحضرات الطبية وتحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق الأمريكي في مجال الصناعات البتروكيماوية بل واللجوء الى تصدير الفائض، هذا بالاضافة الى الزيادة المتوقعة في حجم الانتاج الايراني المثيل مما سيشكل ضاغط كبير نحو انخفاض أسعار البتروكيماويات، مما يقلل في النهاية من انتاج المصافي والمصانع  المثيلة في آسيا خاصة في الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية وهم أكبر المستوردين للنفط العربي ويدفع لتقليل الطلب على النفط ومزيد من الانخفاض في أسعاره، بالترافق مع سعي كلآ من الادارة و الكونجرس الأمريكيين الى تقديم مزيد من الدعم للصناعات النفطية المحلية وبدائل النفط كالايثانول والميثانول، مع دعم عمليات الاستكشاف في كندا.

وحسب إحصاءات إدارة المعلومات للطاقة الأميركية تؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية ستؤمن 82% من احتياجاتها للنفط في عام 2020 وذلك من مصادر محلية، وفي عام 2035 ستتوقف الولايات المتحدة عن استيراد النفط والغاز من دول الخليج.

ومع انخفاض اسعار النفط وزيادة حجم المعروض من  المنتجات البتروكيماوية سواء الايرانية أو الأمريكية  المنشأ خاصة وأن الايرانيين يسعون وفق خطط موضوعة للوصول الى انتاج مايزيد عن 40% من انتاج الشرق الأوسط من البتروكيماويات متخطين السعودية كأكبر منتج للبتروكيماويات في المنطقة  ,سينعكس كل ذلك على تشكيل ضغوط قوية على بورصات الخليج حيث قطاعات الصناعات البتروكيماوية تشكل أجزاءُ هامة وأساسية من الأوزان النسبية لمؤشرات البورصات الخليجية ، ما سينعكس على تحقيق خسائر للمحافظ المالية المستثمرة هناك، ويضعف نسبيآ الجاذبية الاستثمارية لهذه البورصات التي لا تتمتع بتنوع وعمق حقيقي خارج قطاعي البتروكيماويات والعقار.

ومع ارتفاع ايرادات الحكومة الايرانية فانها ستعمد الى تقديم مزيد من الدعم المالي للحليف العراقي الذي سيستخدم جزء من هذه الأموال في تمويل دعم وتطوير صناعاته النفطية وبالتالي زيادة حجم الانتاج والتصدير النفطي مما سيشكل مزيد من الضغط على أسعار النفط ويدفعها نحو مزيد من الانخفاض.

ان  انخفاض اسعار النفط خلال العام القادم سوف يؤثر بشكل كبير على الاقتصادات الخليجية بصفة خاصة اكثر من تاثيرها  على الاقتصاد الايرانى خاصة وان الاقتصادات الخليجية قد بنوا ميزانيتهم على اسعار مرتفعة نسبيآ عن هذه المستويات ودخولهم فى مشاريع استثمارية وبنية تحتيه وانفاقات حكومية كبيرة عكس الحالة الايرانية التى لا تواجه بمثل هذه الالتزامات والتعاقدات  بل ان امكانية التصدير فى حد ذاتها حتى مع الانخفاض المتوقع لأسعار النفط يمثل عائدا ومكسبآ لم يكن فى حسبان الاقتصاد الايرانى الذى يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا المحلية التي تم تطويرها تحت نير العقوبات (والمتوقع تطويرها بعد رفع العقوبات) والايدى العاملة الوطنية  مقارنة بنظيرتها الخليجية مما يقلل التكاليف الكلية على قطاع النفط الايرانى.

وعلى الصعيد الاقتصاد الكلى بصفة عامة فانه من المتوقع بعد رفع العقوبات ان يتضاعف حجم الاقتصاد الايرانى فى غضون 10 سنوات من الآن تقريبا ليصبح اكبر اقتصادات منطقة الشرق الاوسط ليتجاوز حجم الاقتصاد التركى والذى يبلغ قيمته حوالى 800 مليار دولار خاصة فى ظل توقع ارتفاع معدلات النمو الاقتصاد الايرانى بمعدل يترواح ما بين 6 % الى 7 % وذلك بعد رفع العقوبات وذلك من مستوى 3 % الحالي وهو المستوى الذى يفوق مستوى نمو الاقتصاد السعودى والمصرى وعلى الرغم من العقوبات المفروضة على ايران.

وفى ظل ذلك ستنخفض معدلات البطالة الحالية من مستوى 11 % الى 5 % لتصبح 5% فى ايران وكذلك ستضاعف حجم البورصة الايرانية التى تقدر فيها حاليا 95 مليار دولار خاصة مع ارتفاع معدلات العائد على توزيعات الارباح فى اسهم بورصة ايران التى تتجاوز 13 % سنويا والتي تعد الاعلى فى العالم مقارنتا بمعدلات بالبورصات المجاورة.

وبالطبع ستستفيد البورصة الايرانية من تنوع وعمق قطاعات النشاط الاقتصادى الايرانى وارتفاع الحجم الديموغرافي مقارنة بالاقتصادات الخليجية المجاورة ، وكذلك سينعكس رفع العقوبات على ارتفاع تريجى فى سعر صرف عملة الايرانية مما يساهم فى خفض معدلات التضخم المرتفعة حاليا فى ايران وينعكس على مزيد من الدفع للاقتصاد الايران.

ولايجب التغاضى عن ان الايرانيين استطاعوا الى حد ما تطوير البنية الهيكلية التكنولوجية وكوادر وطنية خلال فترة العقوبات منذ ثورة الايرانية حتى اليوم ولو بشكل نسبي مقارنة بدول أخرى خاضت وتخوض نفس الظروف وان كان الطريق لازال طويلآ أمامهم لاستيفاء معايير أعلى، فقد عمدوا ان يطورا بنيتهم الصناعية وتكنولوجية محلية جيدة خاصة فى قطاع الصناعات الدفاعية  مما ينعكس على فتح المجال امام تصدير السلاح الايرانى ومن المعلوم ان التطورات قطاع الصناعات الدفاعية ينعكس بشكل كبير على باقى القطاعات الصناعية الاخرى مما يؤثر على المواطن الايرانى الذى يعتمد بشكل كبير على سلع ومستلزمات محلية الصنع بدلا من المستوردة مثل الاجهزة المنزلية والكهربائية والمعدات والآلات وسيارات النقل وقطع غيارها وغير ذلك من المنتجات فأوجدوا على الأقل بنية محلية قابلة لمزيد من التطوير والنمو بعد رفع العقوبات وتوطين التكنولوجيا الغربية مما يوفر فى فاتورة الاستيراد ويعمل على تقليل عجز الميزان التجارى ودعم قيمة الريال الايرانى وتشجيع التوسع فى الصناعة الوطنية وتوطين التكنولوجيا خاصة بعد رفع العقوبات.

ومن الضروري أن يلجأ الايرانيون خلال الفترة المقبلة الى سن تشريعات واجراءات للحد من الفساد والقضاء عليه وتعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية وعقد الاتفاقات الثنائية وتحصيل الأموال المجمدة في الحسابات الخارجية والتي قدرها البنك المركزي الايراني بحوالي 29 مليار دولار لتمويل مشاريع النمو والاستثمار والبنية التحتية في ايران.

كما أن الروس والصينيون الحلفاء التقليديون لايران سينحون نحو مزيد من دفع التعاون مع الايرانيين ، وتقديم مزيد من التمويلات وعقد الصفقات وتشجيع الاستثمارات في السوق الايراني مع التحرر من رقابة ومصاعب وجزاءات  العقوبات، وستستفيد ايران هنا من ميزة الصراع المتأزم بين روسيا وأمريكا على خلفية قضايا عالمية كأوكرانيا وملف الدرع الصاروخية وسوريا، وسعي روسيا والصين الى دعم حلفاؤهما في اطار الصراع العالمي ينهما وبين الغرب.

هذا بالاضافة الى سعي ايران الى الحصول على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي التي تقودها الصين وروسيا وتضم في عضويتها كذلك كلآ من كازخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان ، خاصة وان ايران الآن لاتزال عضو مراقب وسيتم ترقيتها الى عضو كامل بعد استكمال العضوية الجديدة لكل من الهند وباكستان ورفع العقوبات عن ايران ، مع امكانية انضمام ايران لمنظمة بريكس بعد تحقيق معدلات تنمية ونمو أعلى مع رفع العقوبات، خاصة وأن المنظمة تسعى الى زيادة قاعديتها في اطار التنافس مع الغرب.

أما تأثير كل ذلك على الاقتصاد المصري فيمكن اجماله في أنه من المتوقع أن تجذب البورصة الايرانية مزيدآ من الاستثمارات الأجنبية، وقد يأتي ذلك على حساب نظيرتها المصرية حيث ستعمد المحافظ المالية الأجنبية وصناديق الاستثمار الى تخصيص مبالغ مالية كبيرة للاستثمار في السوق الايرانية خصمآ من حساباتها في السوق المصرية والأسواق المجاورة، طمعآ في العوائد الكبيرة المتوقعة من البورصة الايرانية مقارنة بنظيراتها المجاورة.

كذلك سعي المستثمرين ومؤسسات التمويل والاستثمار الأجنبية الى ضخ استثمارات كبيرة وقوية في الاقتصاد الايراني المفتوح الذي يحمل في طيات قطاعاته المختلفة دوافع النمو والتطور معززآ بارتفاع الحجم السكاني وارتفاع انفاقهم الحدي مقارنة بالاقتصادات في شمال أفريقيا، وسينسحب ذللك بالسلب على جاذبية السوق المصري مما يفرض على الحكومة المصرية اتخاذ خطوات جادة وأكثر حدية في مواجهة الفساد ودعم سعر صرف الجنيه واستقراره ومواجهة المعدلات الجمركية العالية على الواردات سواء على السلع الوسيطة أو النهائية مما يجذب الاستثمارات و يرفع من المستوى المعيشي الحقيقي للمواطنين وبالتالي تنوع مصارف أموالهم نحو سلع وخدمات جديدة كانوا محرومون منها اما كلية أو جزئيآ نتيجة معاناتهم من ارتفاع الجمارك على السلع كالاجهزة والسيارات والمعدات، وتعزيز المنافسة والقضاء على الاحتكار وسن قانون لتحديد هوامش الربحية بشكل معقول ومقبول للمنتجين والتجار والمستهلكين مما يقلل بشكل جذري من معدلات التضخم التي يغذيها الجشع والاستغلال والاحتكار بالأساس، مما يحقق الاستقرار الاجتماعي وبالتالي السياسي وهو ما سينعكس على النمو الاقتصادي وغيرها من الاجراءات العاجلة اللازمة لتحقيق نمو حقيقي في الاقتصاد المصري يشعر به المواطن العادي والمستثمرين على حد سواء.

كذلك يجب على الادارة المصرية ان تتخذ منحى مغاير نحو العلاقة مع ايران من خلال احداث تقارب فعلي وجذري وبناء منظومة شرق أوسطية جديدة تهدف الى تعزيز المكانة والحضورين الاقليمي والعالمي لكلا الطرفين بما يتناسب مع اعتبارات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والتطلعات المستقبلية الطبيعية لدولتين من أقدم وأعرق دول العالم ، والعمل على جذب الاستثمارات والتمويلات الايرانية وتوظيفها في خدمة الاقتصاد المصري وعقد شراكات استراتيجية بين قطاعات الاعمال العامة والخاصة في كلتا الدولتين.

وكما سبقت الاشارة فان دخول النفط الايراني الى السوق العالمية سيعمل على تحقيق مزيد من الخفض في أسعار النفط ، وهو ما ستستفيد منه الدول الغير مصدرة والمستهلكة للنفط ومنها مصر مما يقلل من فاتورة الدعم على المواد البترولية مما يقلل عجز الموازنة دون لجوء الحكومة المصرية الى مزيد من الرفع لأسعارها في مصر مما يؤثر بالسلب على مجمل النشاط الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم وبالتالي اضعاف الاستقرار المجتمعي.

ومن المؤكد أن مصر ستشكل مقصدآ سياحيآ هامآ للايرانيين الذين سيتطلعون بعد سنين العقوبات ومع تحسين العلاقات البنية الى زيارة مصر بمقاصدها الدينية والثقافية والترفيهية ، مما سيشكل عامل جذب طبيعي لابد للمصريين من استغلاله ودفع السياحة المصرية قدمآ ان لم يكن أقدامآ للأمام خاصة مع امكانية جذب سنوي لملايين السياح الايرانيين مما سيجعل السوق الايراني من أكبر خمسة مصدرين للسياحة الى مصر، وهو ما سيعزز بالتالي من توافر مصادر النقد الأجنبي ويساهم في تعزيز قوة الجنيه واستقراره ، وهو ما يجب أن تلتفت اليه الحكومة المصرية اذا ارادت في النهاية من انتشال القطاع السياحي المصري من هوته بعيدآ عن الشعارات والتصريحات الطنانة.

كما لابد أن تسعى مصر وبالتعاون مع الايرانيين الى الحصول على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي وذلك لتعزيز موقعها الاقليمي والعالمي ودعم التنمية و النمو الاقتصاديين كأثر غير مباشر وهام  لهذه العضوية التي تفرض مزيد من الترابط والمزايا والأولويات النسبية في العلاقات البينية المختلفة لأعضائها الذين يشكلون مجموعة من أهم الاقتصادات العالمية وأكثرها نموآ وأضخمها سكانآ ومساحة.