قبل أيام بدأ موسم الإفصاح عن النتائج المالية السنوية للشركات المدرجة في أسواق المال ، والمتابع المثابر والدقيق لطريقة إفصاح الشركات خلال المواسم الماضية ، وخاصة المواسم الأربعة الأخيرة أي تلك التي حصلت في ظل الأزمة المالية العالمية، يكتشف بسهولة وجود الكثير من المواربة في عملية الإفصاح حيث أضفى بعض هذه الشركات لمسة من الغموض على الأرباح والخسائر وبعضها الآخر أفصح بخجل وكأنه لا يريد للمساهمين الإطلاع على عيوبه بل إن بعض هذه الشركات أرسل بياناته المالية كاملة للجهات الرقابية والتي بدورها نشرتها كما هي مما وضع المساهم والمستثمر أمام خيارين أسهلهما صعب فإما أن يغوص في التفاصيل المعقدة للميزانية كي يصل إلى أرقام الأرباح والخسائر أو يكتفي بالإطلاع العام على أرقام وبنود الميزانية وهذا بحد ذاته لا يكفي لاتخاذ قرار استثماري ناجح .
إن الغموض المتعمد في الإفصاح عن البيانات الربعية أو السنوية والذي يحلو لبعض رؤساء مجالس إدارات الشركات تسميته "غموض إيجابي " هو في الحقيقة غموض سلبي تلجأ إليه الشركات لتغطية بعض الجوانب المحاسبية بطريقة معقدة بهدف التستر على أمور من الممكن أن تحدث قلقا في أوساط المساهمين، ويبدو أن عدوى الإفصاح الغامض لم تعد تقتصر على شركات بعينها بل بدأ يتحول إلى موضة أو ربما كما يدعي البعض أصبح ضرورة لمواكبة المرحلة الحالية خلافا لما كان يحدث في فترة ما قبل الأزمة حيث كان تباهي الشركات بأرباحها يظهر جليا من خلال إبرازها في الصحف على شكل عناوين تحوي أرقاما بالخط العريض.
مما لا شك فيه أن أي إفصاح غامض هو إفصاح ناقص، ويضر بل ويهز مبدأي الشفافية والعدالة، أولا لأن مقتضى الشفافية هو الإفصاح الكامل الشامل الواضح، وثانيا لأن مقتضى العدالة هو حصول المساهمين والمستثمرين على المعلومات بالتساوي وفي وقت واحد، وأي إفصاح لا يلتزم بمبدأي الشفافية والعدالة هو إفصاح "باطل" لا قيمة له ويستوجب تدخل الجهات الرقابية لإزالة الغموض حفاظا على حقوق الجميع وكي لا يقع أحد فريسة سهلة للتأويلات والشائعات.
من المؤسف القول أن "الغموض " تجاوز في الأونة الأخيرة حدود الإفصاح الربعي والسنوي وأصبح يستخدم في البيانات الصحفية وأمام وسائل الإعلام المرئية ، بل وأصبح مسؤولو الشركات المساهمة العامة يعلنون الخبر بوجهين ويحملونه تأويلين ، ولا مانع لديهم من توزيع الأدوار كأن يعلن المدير التنفيذي للشركة خبرا ثم يأتي رئيس مجلس الإدارة لينفي الخبر أو يقلل من شأنه أو يعلن نقيضه أو حتى يكذبه والخاسر الأكبر في جميع هذه الحالات هو المستثمر البسيط الذي آمن بالشركة ووثق بإدارتها ووضع أمواله في أسهمها.
الهيئات الرقابية ومسؤولو الأوراق المالية يتحملون كامل المسؤولية عن تفشي ظاهرة " الغموض" المتعمد في الإفصاح وإعلان الأخبار ولا يجوز لهذه الجهات التملص من المسؤولية بالإدعاء أنها تطبق ضوابط ومعايير جيدة لأن العبرة بالنتائج لا بالمقدمات ، وإذا كانت قوانينها و ضوابطها ومعاييرها قاصرة فعليها بتحديثها وتطويرها كي يأتي الإفصاح شفافا وواضحا وعادلا وملبيا لتطلعات المساهمين والمستثمرين في خلو مواسم الإفصاح من جميع أشكال الريبة والشك .