دبي تحتل عرش الكرة الأرضية .. ولأحلامها بقية

04/01/2010 4
محمد سليمان يوسف

عندما يصل العقرب إلى الساعة الثامنة من مساء اليوم الإثنين الموافق 4/1/2010 يبدأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي بالكشف عن أحدث وأعلى أيقونة معمارية في التاريخ ، إنه برج دبي الذي تمكن وبجدارة من احتلال "عرش الكرة الأرضية " بلا منازع أو منافس ، وبرج دبي ليس تحفة معمارية فحسب بل هو عنوان إرادة جبارة لرجل حلم بوضع دبي على القمة فكان له ما حلم به ، وها هو العالم بأسره يكحل مقلتيه برؤية أعظم ما أنتجه العقل البشري والفكر الإنساني في مجال البناء والتشييد فهنيئا لدبي هذا الإنجاز العظيم .

يعتبر برج دبي الذي أصبح منذ هذه اللحظة مركز الإستقطاب البصري الأول لسكان الكرة الأرضية مفخرة ليس لدبي فحسب ، بل هو مفخرة لكل عربي ، فنحن العرب وللأسف لم نقدم للبشرية منذ خمسمئة عام ما يلفت الإنتباه إلينا ، وقد جاءت اللحظة التاريخية التي نحتل فيها بؤرة العدسة كمنتجين للحدث لا متفرجين عليه والفضل في ذلك كله يرجع لدبي ، فهنيئا للعرب بما أنجزته لهم دبي .

خلال الأيام الثلاثة الماضية ، سمعت من يذم البرج باعتباره "تطاول في البنيان " ، وسمعت من يمدحه باعتباره إنجازا قل نظيره في التاريخ ، فاتفقت مع من مدح ، وقلت لمن ذم : انسى كل الأرقام القياسية كالطول والعرض والسعة وعدد الطوابق والمصاعد السريعة والحدائق المجاورة والنوافير الراقصة .. انسى كل هذه التفاصيل الصغيرة ودعنا نقرأ ما وراء الفكرة ، فقال بعامية سقيمة : "بلا فكرة .. بلا...... " ، فبادرته برد قاس وحاد كالنصل : أنت لا ترى ما وراء الفكرة .. لأنك وضعت غمامة سوداء فوق أنفك وبالتحديد بين عينيك ، فصمت ، فتابعت :لا تجعل الغمامة تعميك عن الحقيقية .. حقيقة أن هذا المبنى ليس صرحا معماريا فحسب بل صرحا اقتصاديا وسياحيا وتجاريا ، في الماضي خلق بناءه آلاف فرص العمل والآن سيخلق وجوده آلافا أخرى من فرص العمل ، مكانه وشكله وارتفاعه سيجذب ملايين الناس من شتى بقاع الأرض لزيارته ورؤيته والتقاط الصور التذكارية قربه فهو لا يقل أهمية – حضارية وسياحية - عن أهرامات مصر ، وسور الصين العظيم، وباقي عجائب الدنيا ، وطبقاته الكثيرة ستكون مقرا لشركات نفطية وصناعية وتجارية عملاقة ومتعددة الجنسيات لها فروع منتشرة في مختلف أنحاء كوكب الأرض .

ولكن وبعد كل هذا الشرح وللأسف لم يقتنع صاحبنا بوجود أي أهمية أو جدوى للمبنى ، فقلت لنفسي : دعه إذ يبدو أن بين ظهرانينا يعيش الكثير ممن لا يريد أن يرى أبعد من أنفه . إذا كان البعض مصرا على رؤية برج دبي كمجرد منتج خرساني بلا قيمة ، فإن الغالبية العظمى من البشر تنظر إليه باعتباره قيمة إنسانية ومنتجا علميا وثقافيا وأخلاقيا وفكريا واقتصاديا وماليا وفنيا ومعماريا وبيئيا فريدا ويحسب لدبي أنها استنفرت لإنجازه الخبرات المعمارية العالمية وحشدت له القوى العاملة من شتى أصقاع الأرض و استقطبت له كل ما يحتاجه من مال وتكنولوجيا ثم فتحت له حفرة في الصحراء وزرعته فيها فكرة أثمرت وأنتجت اليوم مولودا عملاقا يشق عنان السماء ويناطح بارتفاعه أعالي السحاب .

إن ما بعد افتتاح برج دبي رسميا لن يكون مثل ما قبل افتتاحه، ويوم 4/1/2010 لم يعد مجرد يوم عادي في تاريخ دبي بل أصبح علامة فارقة تتضمن حدثين مهمين غيرا وجه الإمارات ، الحدث الأول هو مناسبة تولي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مقاليد السلطة كحاكم لدبي ، والحدث الثاني هو افتتاح برج دبي ، وإذا كان البعض يعتقد أن الأزمة العالمية كبحت تطلعات دبي نحو أحلامها الكبرى فهو مخطئ لأن كل ما حدث مجرد شدة وتزول ، ومن يعتقد أن هذه الأزمة العابرة ستجعل من افتتاح برج دبي الحلم الأخير في قافلة أحلام دبي فإن معظم المؤشرات ، وحسب فهمي المتواضع جدا لا تدل على ذلك ، بل تشير إلى أن قطار أحلام دبي انطلق مطلع العقد الراهن وقد لا يتوقف في المحطة الأخيرة من هذا العقد بل قد يستمر في سيره جامحا لعقود أخرى وربما حتى نهاية القرن الحالي .