سوق الكويت .. عندما يكون الاستقرار تخلفا

03/11/2009 0
مارون بدران

 يدرس صناع السياسات المالية والنقدية حول العالم اليوم كيفية التعامل مع مرحلة ما بعد الأزمة. فبالنسبة للدول المتقدمة الأكثر تأثرا بتداعيات الأزمة، تُظهر اقتصادياتها انتعاشا مذهلا، لم يتوقعه المحللون قبل 12 شهر مضى. أما الاقتصاديات الناشئة، فأغلبها عرف كيف يتفادى الركود محافظا على مستويات نمو ولو ضعيفة.

لكن في الكويت اختلفت الحكاية. فبعد أن أصابت الأزمة القطاع المالي المحلي متأخرة، يبدو أن انتعاش الاقتصاد غير النفطي سيتأخر هو نفسه. لماذا؟

الديون على ما هي عليه

1- حجم ديون شركات القطاع الخاص ما زال قريبا من مستوياته في نوفمبر 2008. وهذه الطامة الكبرى- أي الديون- هي التي قصمت ظهر شركات الاستثمار بعد انهيار سوق الأسهم، والذي لم يعد بقرة حلوب بالنسبة لهذا النوع من الشركات. وحتى الساعة، لم ينجح سوى عدد قليل من الشركات، لا يتعدى أصابع اليدين، في إعادة جدولة ديونه أو هيكلة مديونياته مع الجهات الدائنة المحلية والأجنبية على حد سواء.

شركات متعثرة في القاع

2- الشركات المتعثرة ما زالت تشكل ضغطا كبيرا على سمعة القطاع المالي. فها هو نائب رئيس مجموعة مشاريع الكويت القابضة فيصل العيار يلقي الضوء على سلبية وحيدة واجهتها "كيبكو" عند تسويق سنداتها الأخيرة، وهي سمعة القطاع التي باتت سيئة في الأوساط المالية العالمية. وما زال وضع الشركات الكويتية المتعثرة على ما هو عليه منذ بداية الأزمة رغم "الجهود الجبارة المبذولة لإعادة الهيكلة" التي تكتب عنها الصحافة من فينة لأخرى. وللعلم، إن شركة جنرال موتورز، عملاق صناعة السيارات في العالم، والتي كان حجم ديونها يتعدى ديون شركات الاستثمار والعقار الكويتية معا بـ4 مرات، انتهت من المرحلة الأولى من إعادة الهيكلة.

فشل قانون الاستقرار

3- توقف الحديث فجأة عن قانون الاستقرار، الذي عوّل عليه كثيرون كخطة تحفيز مالي. فتأجيل تصويت مجلس الأمة على القانون أجهضه، على الرغم من تغني البعض بإنجازاته. ويعتبر محللون أن فشل القانون جاء نتيجة تأخيره، خصوصا أن الفريق الاقتصادي الذي وضعه، أخذ بعين الاعتبار تمويل مشاريع إنتاجية خلال 2009 و2010 بهدف تحفيز الاقتصاد. لكن العام الأول انتهى من دون نتيجة، كما أن الشركات المتعثرة رفضت الدخول تحت الباب الرابع منه، والذي يحميها من الدائنين، وفضلت اللجوء إلى أساليب التفاوض المباشر مع الدائنين.

نمو الإقراض ما زال بطيئا

4- ما من جديد على صعيد حركة الإقراض المتباطئة. فالبنوك ما زالت متحفظة، خصوصا أن بعض المصارف تأثر بشدة بانكشافاته على قطاعي شركات الاستثمار والعقار، وبعضها الآخر يقبع متخوف من أي تمويل يذهب جزء منه إلى قاعة التداول، كما كانت العادة في الماضي. وتشير مصادر مصرفية إلى أن تخمة البنوك بالسيولة ليست صحية، وقد تكون لها آثار سلبية على ربحيتها على المدى المتوسط. هذه الربحية التي تضررت جراء تجنيب مخصصات ضخمة لم تعتد عليها المصارف المحلية بين 2003 و2007.

ضعف نجاح المحفظة الوطنية

5- سياسة المحفظة الوطنية أثبتت نجاحها في الحفاظ على استقرار أسعار بعض الأسهم الإستراتيجية وبالتالي على مستوى مقاوم للمؤشر السعري عند 7500 نقطة. لكن سياسة هذه المحفظة تبقى عاجزة عن حل مشكلة سوق الأسهم. فتجربة قطر في هذا المجال أنجح. إذ أطلقت الحكومة هناك محفظة وطنية اشترت من خلالها محافظ الاستثمار والعقار لدى البنوك القطرية، كما طبقت خطة للاستحواذ على حصص إستراتيجية في رؤوس أموال هذه المصارف. مما رفع المؤشر العام لسوق الدوحة أكثر من 6 % منذ بداية 2009.

الجهات الرقابية: التعتيم ثم التعتيم

6- شجعت الأزمة السلطات الرقابية حول العالم على مطالبة المؤسسات المالية وغير المؤسسات المالية بالمزيد من الشفافية. لكن في الكويت يجري عكس ذلك. فالبنك المركزي، على سبيل المثال لا الحصر، منع المصارف المحلية من الإفصاح عن حجم انكشافها على مجموعات متعثرة منها مجموعتي سعد والقصيبي السعوديتين. كما أن إدارة البورصة ما زالت غائبة عن السمع في الكثير من أخبار الشركات المدرجة. وضعف الشفافية، أو انعدامها، يبعد المستثمرين الأجانب، ويجعل المحللين العالميين يبتعدون عن التوصية بشراء الأسهم المحلية.

شركات استثمار: الضرب بالميت حرام

7- شركات الاستثمار، التي كانت تشكل وقود السوق في الأعوام القليلة الماضية، باتت عاجزة عن لعب أي دور في السوقين المالي والعقاري. فـ"اللي فيها مكفيها" من "بلاوي" وتعثر وغياب للتدفقات النقدية وانحسار التمويل. ولو استثنينا بعض الشركات الناجحة، يبدو القطاع ميت، والضرب بالميت حرام. وفي هذا الإطار، تفيد مصادر مطلعة بأن بنك الكويت المركزي يتجه لتكليف جهات استشارية أجنبية لمساعدته على وضع أطر إعادة هيكلة قطاع شركات الاستثمار برمته. ويكشف مصدر، حضر الاجتماع الأخير بين محافظ "المركزي" واتحاد شركات الاستثمار، أن "المركزي" أبدى امتعاضه وعدم رضاه على الشركات التي لم تتجه إلى الاندماجات وإلى إعادة الهيكلة حسب توصياته في الفترة الأخيرة.

مشاريع حكومية قليلة

8- لم تتعلم الحكومة الكويتية أي درس من نظيراتها الخليجيات، خصوصا السعودية والقطرية، التي زادت من الإنفاق الاستثماري واستمرت في إطلاق المشاريع الجديدة، حتى أبقت وتيرة النمو في الاقتصاد خلال 2009. وتنتقد الأوساط الاقتصادية توجه الحكومة الأخير في الاكتتاب عن المواطنين في بنك وربة الإسلامي دون طرح مشاريع أخرى. وتعتبر هذه الأوساط أن مجلس الوزراء لا يرى أبعد من أنفه، خصوصا أن البنك قد لا يثبت جدواه في حين أن البلاد متعطشة لحزمة مشاريع بنية تحتية من العيار الثقيل. فها هو توقيع عقد محطة الصبية للطاقة حرك بعض المياه الراكدة، خصوصا أن بنوكا محلية مولت جزءا من المشروع، الذي خلق بزنسا أيضا لبعض شركات المقاولات. لكن الحكومة تبقى كـ"عملك أصمخ" في هذه المسألة.

فقاعة عقارية مقبلة

9- ما زال المحللون يحذرون من أزمة عقار مقبلة، خصوصا في القطاع التجاري. فجفاف الاكتتابات وانعدام تأسيس الشركات وانغلاق البلاد أمام المؤسسات الأجنبية جعل أغلب مشاريع أبراج المكاتب في مهب الريح. وبات انكشاف البنوك على هذا النوع من العقار "البعبع المقبل". كما أن انخفاض عدد المقيمين في أول 9 أشهر من 2009، لأول مرة منذ 15 عام في الكويت، يلقي بظلاله على العقارات الاستثمارية. فسحة أمل النفط جملة هذه العوامل وغيرها جعلت الكويت تتأخر عن الانتعاش الذي سبقتها إليه دول اندلعت فيها الأزمة. وكأن السوق "رضي بالاستقرار، لكن الاستقرار لم يرض به". ومع توقعات نمو الاقتصاد العالمي منذ بداية 2010، يبدو أن البحث عن الاستقرار سيصبح تخلفا لولا فسحة أمل أسعار النفط.