قبل أيام، وبدون مقدمات، أعلن عن توقيع اتفاقية في واشنطن لإنهاء النزاع بين أذربيجان وأرمينيا برعاية أمريكية، ومن المعروف أن عداءً كبيراً بين الدولتين أدى لوقوع أكثر من حرب بينهما، وتتركز أسباب هذه الخلافات على مناطق جغرافية كل طرف يرى أنه الأحق بها، ولكن ما يلفت النظر في اتفاقيتهما الأخيرة هو اقتراح حل لإشكالية ربط أذربيجان بجمهورية نخجوان التابعة لها، المتمتعة بحكم ذاتي، بممر بري حيث إنها لا ترتبط بأي حدود مع أذربيجان، وتحدها إيران وتركيا وأرمينيا، لكن سكانها آذريين وعددهم حوالي 500 ألف أما مساحتها فتزيد قليلاً عن خمسة آلاف كيلومتر مربع.
وبالعودة إلى الحل المقترح من أميركا والمتمثل بإنشاء ممر يقع جزء كبير منه داخل أراضي أرمينيا على طول الحدود التي تجمعها مع إيران والذي سيصل إلى نخجوان، ومن ثم إلى تركيا سيكون بدارة شركة عسكرية أمريكية لمدة تصل الى 99 عاماً وهو ما لقي معارضة من إيران، ورفض قاطع له وصدرت تصريحات من كبار مسؤوليها بأن إيران لن تسمح بإقامة هذا الممر نظراً لما يمثله من تهديد لأمنها القومي، ولكن ما أهمية هذا الممر لأميركا ولماذا يمثل تهديداً وخطراً لإيران ؟
بداية، لابد من معرفة فائدته لأذربيجان المعني الأول به؛ فهو سيربطها بأوروبا عبر تركيا ويسهل للتجارة بينهم مما سينعكس إيجاباً على اقتصادها، وذات الأمر ينطبق على أرمينيا فلا يمكن أن تقبل بهذا الممر دون منفعة لها، لكن ما يتعلق بأميركا فإن الممر يمثل حاجزاً بوجه طريق الحرير الصيني يمنع ربطها بأوروبا عبر طريق بري استراتيجي ينطلق من ايران عبر أرمينيا إلى أوروبا ومن المعروف أن اميركا تعمل على اعادة رسم خارطة التجارة العالمية، وتعتبر آليات الرسوم الجمركية الامريكية المتشعبة والتي تحد من أي عملية تجاوز لأثر الرسوم عبر التصنيع أو التجميع للشركات الصينية بدول نامية حيث تعد الرسوم أحد أدوات تقليص حجم تجارة الصين مع العالم التي تجاوزت 6 تريليونات دولار وحوالي 900 مليار دولار منها مع أوروبا؛ حيث تطمح بكين لرفع حجم تجارتها مع غرب آسيا وأوروبا فإيران تعد ركيزة في هذا الجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تختصر بطريق الحرير، وبذلك فإن طهران أيضا خاسرة اقتصادياً بهذا الممر؛ لأنه سيلغي الميزة النسبية التي تستفيد فيها من طريق الحرير، إضافة الى بُعد سياسي وعسكري بوجود اميركا عسكرياً على حدودها الشمالية.
إعادة رسم خارطة التجارة العالمية والصراع على مركز القمة بالاقتصاد العالمي يأخذ اشكالا متعددة ومسارح جغرافية عديدة، فأميركا مهددة بفقدان قيادة الاقتصاد العالمي والمنافس الأول الصين ومن بعدها الاتحاد الاوروبي، ولذلك فإن المرحلة الحالية التي نشهدها تمثل الانتقال لمواجهات أكثر حدة بين اميركا والقوى المنافسة لها وخصوصاً الصين وهو ما يفسر كثافة قرارات ادارة الرئيس ترمب في الشأن الاقتصادي داخلياً وخارجياً بفرض رسوم جمركية ستؤدي لزيادة دخل الخزينة بحوالي 600 مليار دولار سنوياً، إضافة لجذب الاستثمارات والتركيز على الذكاء الاصطناعي وتغيير توجهات تتعلق بالعملات المشفرة لتكون أميركا مركزاً أول لتداولاتها، والعديد من الاجراءات التي تعزز موقع أميركا بقمة الاقتصاد عالمياً.
نقلا عن الجزيرة
الاتفاقية خطيرة كونها ليست مجرد حل للنزاع المحلي، بل جزء من حرب باردة جديدة بين أمريكا والصين. وتحويل منطقة القوقاز إلى ساحة صراع بين القوى الكبرى (أمريكا، الصين، روسيا، إيران، تركيا). سوف تغير خريطة التجارة العالمية، وتجعل الممرات البرية سلاحًا جيوسياسيًا.