ماذا نقرأ بإنشاء مجلس الطاقة الأوروبي الأمريكي؟

31/10/2009 0
محمد العنقري

قبل عدة أيام أعلن عن نية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إنشاء مجلس امن الطاقة بعد مشاورات استمرت لسنوات ويهدف المجلس إلى تنمية إنتاج الطاقة النظيفة بوتيرة أسرع مما هي عليه الآن خصوصا أن التطورات التي حدثت على تكنولوجيا الطاقات البديلة خلال العقود الماضية أسهمت بخفض تكلفتها مما رفع استثماراتها إلى قرابة 150 مليار دولار خصوصا في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فقد كانت تكلفة الكيلو واط العام 1980 المولد من النفط والفحم والغاز 2.5 سنت بينما تكلفته من الرياح كانت 10 سنتات بينما تبلغ الآن 4 سنتات والأمر ينطبق على الكيلو واط المتولد من الطاقة الشمسية في ذلك العام يصل إلى دولار واحد بينما الآن قرابة 20 سنتا ويتوقع أن تنخفض في العامين القادمين إلى قرابة 50 بالمائة بينما دخلت الطاقة المتولدة من جوف الأرض كمنافس حقيقي بتكلفة تصل إلى 2 سنت أن الهدف من متابعة هذه الأرقام هو الوقوف على مدى التطورات الأخيرة بالتقدم التكنولوجي لتوليد الطاقة حيث يعاني العالم من مخاطر بيئية بسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز) بنسبة تتعدى 85 بالمائة مما ينتجه العالم من الطاقة الكهربائية بينما تأتي الطاقة النووية بمرتبة ثانية بنسبة تصل إلى 6.5 بالمائة وتتوزع النسب الباقية على الطاقات المتجددة والحيوية وفي هذا العام أعلن تحالف يضم في غالبيته شركات ألمانية عن إنشاء اكبر مشروع لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في وسط وشمال إفريقيا بتكلفة تصل إلى أكثر من 500 مليار دولار ليمد أوروبا بقرابة 15 بالمائة من احتياجاتها الكهربائية فمن المعروف أن الصحراء الإفريقية يمكن توليد احتياج العالم من الكهرباء إذا تم استثمار صحرائها الدافئة طول السنة وتنشط دول عديدة في توليد الطاقة من باطن الأرض على رأسها أيسلندا وألمانيا باستغلال الحرارة الموجودة فيها ومعالجتها لتوليد الكهرباء.

ولكن تحويل هذه المشاورات إلى مجلس للطاقة بالرغم من وجود منظمات وهيئات عديدة للطاقة عالميا يأتي ليرسم ملامح مستقبل جديد سيعيشه العالم خلال القرن الواحد والعشرين ينتقل به إلى مفهوم جديد لتنويع مصادر الطاقة فبحلول عام 2050 يتوقع أن يكون نصف إنتاج العالم من الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الشمس والرياح ومن هنا نجد أن هناك دعوات لتنشيط هذه السوق لاعتبارات عديدة منها تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري مما يطيل عمره ويستغل لجوانب صناعية وخدمية أخرى وكذلك تخفيف انبعاث الكربون للحفاظ على ما تبقى من بيئة نظيفة بالأرض والمساهمة بتحسين أوضاعها في قادم الزمان.

إلا أن اللافت للأمر أن هذه الصناعة ستنشط بشكل كبير جدا مما يعني أن كل الدول وخصوصا النامية ستعتمد مستقبلا في مشاريع الطاقة على النوع الجديد منها فهي تمتلك المادة الخام سواء شمس أو رياح وتكلفتها ثابتة ليست متغيرة كالنفط والغاز والفحم مما يعني التكلفة ستكون بإنشاء المحطات فقط ولن تحتاج إلى شراء الوقود الأحفوري كما هو الحال الآن والاهم أن في البيان الذي صدر من أمريكا وأوروبا بشأن المجلس الجديد قول الرئيس الأمريكي إن هذا المشروع سيدعم إيجاد وظائف في مجال التكنولوجيا.

ونفهم من هذه النقطة مع تفوق عالمي لأغلب الشركات الأوروبية والأمريكية المصنعة لمحطات وآلات إنتاج الطاقة المتجددة أن طفرة اقتصادية تهدف الدول الكبرى المتمكنة بهذا المجال إلى خلقها خلال هذا القرن سيحول اقتصادياتها نحو تحقيق أهداف بعيدة من السيطرة على صناعات لا يمكن انتقالها بسهولة إلى اغلب الدول وخصوصا النامية.

فالغالبية ستلجأ إلى شركات أوروبية وأمريكية بالدرجة الأولى وكذلك سيتم الاستعانة بخبرات من دولهم تفتح آفاقا جديدة لنمو كبير في صناعات حديثة وإهمال الصناعات القديمة التي أصبحت منتشرة بكل الدول وتم إنفاق ترليونات سابقا عليها فأغلب الدول أصبحت لديها الإمكانية لبناء محطات تقليدية مثل الصين والهند وغيرها وكذلك الخبرات الحالية الموجودة بالعالم الثالث سارت على خطى العلوم المتعلقة بمجالات إنتاج الطاقة التقليدية بخلاف أسبقية الشركات الأمريكية والأوروبية لغيرها بالتحول نحو أبحاث الطاقة المتجددة منذ عقود إلى أن وصلت لمرحلة بداية الإنتاج التجاري فنصف الألواح المنتجة لاستخدامات محطات الطاقة الشمسية تنتج في ألمانيا إلى عهد قريب جدا وتبقى تطورات هذه التكنولوجيا حكرا لهم ولهم الأسبقية بتطويرها لان الأبحاث لن تتوقف كما هو الحال بأغلب الصناعات.

إن مصادر الطاقة المتجددة موجودة بكل الدول وسيطرة الدول المتقدمة على تكنولوجيا إنتاجها ستشكل رافدا أساسيا لاقتصادهم وعجلة التحول نحو الطاقة المتجددة بدأت بالدوران وكوننا دول نملك تلك المصادر فعلينا أن نطور من مخرجات تعليمنا بالدرجة الأولى نحو هذه التكنولوجيا بشكل رئيسي حتى يكون لنا قدرة على محاكاة المستقبل وتنمية إنتاج احتياجاتنا المستقبلية من الطاقة فالعنصر البشري يبقى الفاعل في محور التغيرات العالمية الحالية إذا ما تم تطوير العلوم المقدمة له ليكون قادرا على المساهمة بتحقيق الكفاءة الاقتصادية والإنتاجية بشكل يجعلنا مستقلين إلى حد كبير عن الحاجة للآخرين ويسهم حتى بتصدير المعرفة لمن يحتاجها فرغم تفوقنا بإنتاج الوقود الأحفوري إلا أن حاجتنا ما زالت قائمة لخبرات أجنبية فيه وتبقى القراءة من إنشاء هذا المجلس مستمرة ومتعددة الجوانب.