في أوروبا.. كرة القدم أصبحت جزءاً من الأمن الاقتصادي

16/07/2025 1
محمد العنقري

قد يرى البعض أن العنوان مبالغ فيه، لكن عند النظر لما تمثله هذه اللعبة الشعبية من اهتمام عالمي كبير جدا، فإن وضع هذا النشاط الترفيهي في أساسه بمستوى أي نشاط رئيس من حيث الأهمية يعد منطقيا، فعندما تحظى مواجهة تجمع قطبي إسبانيا برشلونة وريال مدريد بمتابعة نحو مليار إنسان، فهو ما يعبّر عن مدى تأثير اللعبة في حياة الناس ولأهميته أطلقوا عليها كلاسيكو الأرض لمدى جماهيرية الناديين العالمية ويقاس على ذلك عديد من الأندية الأوروبية الكبيرة، فتشجيع الأندية انتقل منذ زمن بعيد لمرحلة ارتباط واندماج لكل مشجع مع ناديه، حيث وصل الحال ببعضهم إلى اعتباره جزءا من حياته فعندما يفوز أو يخسر ناديه أو يحقق لقبا أو يخسره تكون ردة الفعل كبيرة جدا من المشجع الذي يعد نفسه بمنزلة الشريك للنادي، الذي يميل له مما يوصل عديد منهم لمرحلة التعصب الرياضي ويغذي ذلك الإثارة الإعلامية لإبقاء الضوء مسلطا على الأحداث الرياضية وأخبار الأندية وانتقالات اللاعبين وبالمحصلة كل شيء يصب في خانة المكاسب المادية؛ أي أن المستهدفات لنشاط كرة القدم الاقتصاد بالدرجة الأولى واعتبارات اجتماعية عديدة.

ولكن حتى تتضح صورة أهمية كرة القدم اقتصاديا وخصوصا لقارة أوروبا فإنه بالنظر لحجم الناتج الإجمالي لنشاطها عالميا الذي بلغ العام الماضي 270 مليار دولار فإن أوروبا تحظى بنسبة 70 في المائة منها؛ أي 189 مليار دولار وهذا رقم يزداد سنويا؛ أي في نمو مستمر بينما باقي العالم تتوزع فيه النسب المتبقية. أما فرص زيادة هذه الأرقام فتبدو كبيرة جدا لو زاد الاستثمار والاهتمام بكل القارات، لكن هل تقف أوروبا متفرجة حتى تخسر مكانتها في نشاط يدر ذهبا، فبكل تأكيد ستعمل بشتى الطرق لمنع ذلك والحفاظ على حصتها الأكبر بعالم كرة القدم، فهو نشاط يوظف مئات الآلاف بشكل مباشر ويجذب استثمارات سنوية بالمليارات ويعد قوة ناعمة مهمة تسوق لدولهم استثماريا وتجذب ملايين السياح وتؤثر بأنشطة عديدة إيجابا خصوصا قطاع الخدمات والتجزئة.

ولذلك تجد الأندية الأوروبية تنفق مبالغ ضخمة على استقطاب المواهب من كل القارات، خصوصا أمريكا الجنوبية وإفريقيا، فهي أكبر القارات تصديرا للاعبي كرة القدم لأوروبا التي تستفيد كثيرا من تلك المواهب وقد افتتحوا مدارس لاكتشاف ولاستقطاب المواهب من القارتين حتى يبقوا متفوقين على غيرهم في اكتناز نجوم كرة القدم لديهم ولذلك أهم خمسة دوريات في العالم والأكثر متابعة هي في أوروبا وإيرادات بعض الأندية فيها تفوق المليار دولار سنويا وإذا ما تم حساب الأثر غير المباشر لكرة القدم في أوروبا فهو أضعاف الأرقام المباشرة التي تأتي منها بخلاف الترويج الثقافي والفكري وكذلك حجم الأموال التي تتحرك بسبب ديناميكية هذا النشاط، الذي تتدفق له الاستثمارات بشكل كبير، فالأندية الكبيرة وقوة الدوري أصبحت من مميزات أغلب دول أوروبا، حيث من بين ما يتم ذكره عن الدولة بخلاف صناعاتها أو خدماتها ومواقعها السياحية أيضا أشهر أنديتها وإنجازاتها.

ما عملت عليه أوروبا في تطبيق استراتيجية مستدامة حوّلت فيها كرة القدم لصناعة مهمة منذ عقود تجني ثمرته حاليا بسيطرة مطلقة في البطولات العالمية ولعل بطولة أندية العالم أظهرت ذلك، حيث وصل للدور نصف النهائي ثلاثة أندية أوروبية ورابع من أمريكا الجنوبية ومن البرازيل التي تعد أهم دولة بتصدير المواهب لأوروبا ومع ذلك النهائي كان أوروبيا والبطل من إنجلترا التي يعد الدوري فيها الأقوى عالميا، فنظرتهم أن تفوقهم لن يمس لعقود وتميزهم في هذه الصناعة أصبح راسخا وأي منافسة تظهر لدورياتهم من أي دولة خارج أوروبا يشككون فيها ويحاولون محاربتها؛ لأنها تمس عمق اقتصادي مهم لهم وهو ما يعني أن النظر لكرة القدم يجب أن يتركز من الأساس على أنها صناعة يمكن النجاح فيها وتحقيق مكاسب ضخمة منها بتطبيق معايير تبدأ من آخر ما وصل إليه الأوروبيون.

 

 

نقلا عن الجزيرة