أوروبا في عين الإعصار

08/05/2012 7
محمد سليمان يوسف

الأوروبيون يطلقون غضبهم على "التقشفيين" ، وأول ضحايا هذا الغضب من الرؤساء كان الرئيس الفرنسي "التقشفي" نيقولاي ساركوزي وأول الضحايا من الأحزاب كان الحزبان اليونانيان " التقشفيان "حزب الديقمراطية الجديدة المحافظ ، وحزب الباسوك الاشتراكي - وهما الائتلاف الحاكم في اليونان - اللذان فشلا في الحصول على الأغلبية خلال انتخابات يوم 6 مايو 2012 .. والأسئلة التي لا مفر من طرحها اليوم هي .. ماذا بعد غضب الأوروبيين على "التقشفيين" ؟.. وما انعكاسات هذا الغضب على أوروبا ككيان اقتصادي أولا وككيان سياسي ثانيا ؟! .. وهل سيتمكن هولاند من تطبيق نظريته "الإنفاق من أجل النمو" ؟..وكيف ستتحرك البورصات الأوروبية الحساسة على وقع الخلاف الفرنسي الألماني المرتقب ؟ .. وما هو مصير اليورو ؟.. بل وما هو مصير النظام المالي الرأسمالي نفسه المصاب باختلال التوازن تحت تأثير اللكمات المتلاحقة القادمة مرة من تداعيات الأزمة المالية العالمية ومرة أخرى من تداعيات أزمات الديون السيادية ؟.

إن فوز فرنسوا هولاند برئاسة فرنسا اليوم يشكل بحد ذاته لحظة تاريخية مهمة ، ويفتح مواجهة بين هولاند الرافض لسياسة التقشف والداعي لسياسة الإنفاق من أجل النمو والذي لا يمانع بزيادة حجم الدين العام ، وبين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي فرضت بالاتفاق مع حليفها السابق " ساركوزي " على الاتحاد الأوروبي سياسات تقشفية صارمة ومؤلمة تمثلت في تخفيض الميزانية الهادف إلى تعزيز الوضع المالي للبلدان الأوروبية العالية المديونية كاليونان واسبانيا وإيطاليا والبرتغال وغيرهم .

مما لا شك فيه أن هولاند وميركل سيلعبان لعبة شد الحبل خلال الأسابيع القادمة ، وسيحاول كل منهما جر الطرف الأخر إلى ملعبه ، وإذا لم يتمكن أحدهما من إقناع الآخر برؤيته ، سيزداد عمق الركود الاقتصادي في أوروبا وسيتزايد حجم البطالة في منطقة اليورو ، بل وقد يتفاقم الأمر أكثر من ذلك ويحدث تشقق كبير في الجدران الأوروبية ومن بعده قد يحدث انهيار مدوي خاصة في حال خروج اليونان من منطقة اليورو وهو أمر مرجح جدا الآن بعد أن أصبح من الصعب على اليونانيين – بعد الانتخابات الأخيرة - تشكيل حكومة مؤمنة بالسياسات التقشفية المفروضة أوروبيا على الرقبة اليونانية .

إن غضب الأوروبيين على "التقشفيين" لا يقدم حلا سحريا للأزمة الأوروبية الحالية ، وقد لا يستطيع هولاند الذي قطف ثمار هذا الغضب تطبيق أفكاره لأن الإنفاق من أجل النمو يعني المزيد من الديون ، وتراكم الديون سيزيد مخاوف المستثمرين وقلقهم ، فهل تتحمل أسواق المال مثل هذه المخاوف ؟ .. لا أعتقد أن هولاند قادر على إقناع المستثمرين بوضع مالهم في أسواق لا تتمتع بالحد الأدنى من الثقة والوضوح واليقين وبالتالي فهو ذاهب إلى دائرة مفرغة، بالمقابل فإن ميركل هي الأخرى في مأزق لا تحسد عليه فهي من اليوم ستحسب ألف حساب لغضب الأوروبيين على "التقشفيين " لأن هذا الغضب قد يصيبها وحزبها في أقرب انتخابات ألمانية وعليه فإن إصرارها على السياسات التقشفية الصارمة لن يبقى كما كان ولا بد لها من البحث عن حل في منتصف الطريق بينها وبين هولاند فإن لم تفعل فإني أتوقع أن يحل الخراب في كامل أوروبا .

أنا مؤمن تماما بأن ميركل مدركة لخطورة سياسة شد الحبل مع هولاند ، وهي بالتأكيد لا تريد أن تتنازل بسهولة عما أنجزته في الماضي خاصة فيما يتعلق باتفاقية الموازنة التي تهدف إلى تعزيز الانضباط في إدارة المالية العامة ، لكنها بالتأكيد أيضا ستناور إلى آخر لحظة من لحظات لعبة شد الحبل حفاظا على إنجازاتها ومستقبلها ، وهي عندما تقول على لسان ستيفن سيبتر المتحدث باسمها : إن ألمانيا لا ترغب في نمو بالعجز ، بل في نمو بإصلاحات بنيوية " مدركة تماما أن هذا الكلام كان من الممكن تمريره قبل غضب الأوروبيين على "التقشفيين" لا بعده وهي إنما تقوله من باب المناورة لا أكثر .

لعبة هولاند ميركل ستبدأ بالتأكيد بعد استلام هولاند مقاليد الرئاسة في الخامس عشر من الشهر الجاري ، والحكومة اليونانية العتيدة – إن تمكن اليونانيون من تشكيلها حتى ذلك الوقت - سيكون لها دور كبير في جر أحد الطرفين إلى ملعب الأخر ، وخلال الفترة الزمنية الممتدة من بدء المفاوضات الفرنسية الألمانية وحتى الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف ، سنرى تذبذبات حادة في أسواق المال الأوروبية قد لا يتمكن الكثير من المستثمرين على تحملها ، وكلما ارتفع صوت الخلاف الألماني الفرنسي كلما سمعنا صوت البكاء في الأسواق المالية عاليا ، ولذلك أجزم أن عقلاء أوروبا سيجدون حلا وإلا فإن الأسواق الأوروبية مهددة بإعصار مدمر سيكون أول ضحاياه اختفاء اليورو إن لم نقل اختفاء "الاتحاد الأوروبي" برمته .