يلاحظ المتابعون لتحركات بورصة قطر في الأسابيع الأخيرة حدوث تحولات جذرية في توجهات المتعاملين وتعاملاتهم، بحيث قل الاهتمام بما يُعرف بالأساسيات في مقابل التركيز على المضاربات قصيرة الأجل. والمقصود بالأساسيات هو ما يتعلق بأداء الشركات من حيث أرباحها المتحققة، والعوائد الموزعة على المساهمين، والمركز المالي للشركة وما إذا كانت أصولها جيدة وواعدة بمستقبل مشرق، أم أنها مثقلة بالديون بما سينعكس على نتائجها وتوزيعاتها المستقبلية. ولو كان التركيز على الأساسيات فقط قد استمر، لحدث تراجع في أسعار الأسهم وفي مؤشر البورصة العام كرد فعل للأداء الضعيف لمعظم الشركات في الربع الأول من العام، خاصة بعد أن انتهى موسم توزيع الأرباح بانعقاد كافة الجمعيات العمومية واعتمادها توزيع الأرباح عن عام 2011. لكن المؤشر العام لم ينخفض كما أنه لم يرتفع، وظل يتأرجح في الأسابيع الأخيرة ضمن هامش ضيق. وفي الوقت الذي تراجعت فيه أسعار أسهم شركات مثل الريان والوطني والإسمنت والتجاري وبنك الدوحة وبروة ووقود، والملاحة، فإن أسهم شركات صغيرة قد قفزت إلى واجهة التعاملات اليومية بمبالغ ضخمة لم تكن في حسبان المهتمين بالتحليل الأساسي، ومن ثم حققت أسعار أسهم تلك الشركات ارتفاعات كبيرة تصل إلى 10% يومياً، وبحيث تضاعفت أسعار أسهم بعض هذه الشركات مرة أو أكثر في فترة وجيزة. ونشير في هذا المقال إلى أسعار أسهم دلالة ومجموعة المستثمرين وزاد والمواشي والرعاية والمتحدة والمجموعة الإسلامية، والطبية، وأعمال، ومزايا والسلام. فعلى سبيل المثال تضاعف سعر سهم دلالة إلى أكثر من ثلاثة أمثال ما كان عليه بوصوله إلى 57 ريالاً -قبل أن يبدأ في التراجع- بعد أن كان سعره مستقراً حول 16 ريالاً للسهم قبل شهور قليلة. وكان الظن في بداية بروز هذه الظاهرة أنها تتعلق بما يمكن أن نطلق عليه تسرب إشاعات حول أخبار عن تحالفات أو شراكات استراتيجية لبعض هذه الشركات بما سيخلق أوضاعاً جديدة لديها. وقد تكرر ذلك مع المواشي على خلفية قرار الحكومة السابق باستملاك الشركة، قبل أن تعدل الحكومة عن قرارها، والمتحدة على خلفية دخول شريك استراتيجي تبين لاحقاً أنه صندوق التقاعد والمعاشات، ثم هو يتكرر منذ أسابيع مع دلالة التي أعلنت مؤخراً عن شراكة مع شركة ريجنسي في مجال العقارات.
ووسط هذه الأجواء التي تتلخص في ركود التعاملات في أسهم الشركات القيادية مع انتهاء موسم توزيعات الأرباح، وضعف نتائج الربع الأول، وبين حدوث ارتفاعات مهمة في أسعار أسهم شركات صغيرة ليس لديها ما ينبئ عن تحولات دراماتيكية في أوضاعها المالية ونتائجها المستقبلبة، برزت الظاهرة لدى كبار المضاربين، وتتلخص في طرح الأساسيات جانباً في هذه المرحلة والتركيز على أسهم الشركات الصغيرة التي يمكن بها إحداث إختراق في السوق الراكدة. وكان المضاربون قد جربوا مثل هذا النوع من التعاملات من قبل مع سهم الميرة، فرفعوا سعره إلى مستويات قياسية، ثم جربوه مع مواشي ونجحوا، وبدأ تعميم التجربة على أسهم دلالة وأعمال ومزايا وفودافون ومجموعة المستثمرين وغيرها، وكان النجاح بادياً حتى نهاية الأسبوع الماضي.
وفي الوقت الذي كان المؤشر الجديد لجميع الأسهم لا يتغير في شهره الأول أبريل، مع تراجع المؤشر القديم بنحو 87 نقطة، فإن سعر سهم دلالة قد ارتفع بنسبة 56% في أبريل-بعد ارتفاع بنسبة 79.6% في مارس- وارتفع سعر سهم المجموعة الإسلامية بنسبة 30% في أبريل، وسعر سهم الرعاية بنسبة 36%، وسعر سهم مجموعة المستثمرين بنسبة 18.7%، وسعرا سهمي السلام والطبية بأكثر من 17% لكل منهما.
وقد جذبت هذه التحولات الجديدة شريحة من الأفراد؛ "قطريين وغير قطريين"، للعودة للسوق ثانية بعد أن اكتشفوا أنها توفر فرصاً سريعة ومغرية للربح، في وقت لا يغطي فيه العائد من الودائع المصرفية نسبة الزكاة المقررة وهي 2.5%، وبعد أن حقق المضاربون في الأراضي أرباحاً كبيرة خلال عام 2011، والربع الأول من العام الحالي. وفي حين كانت تداولات الأفراد تقل عن58% من إجمالي التداولات -مقابل أكثر من 42% للمحافظ الاستثمارية-في بداية شهري يناير وفبراير، فإنها قد تجاوزت 64% في بداية مارس، ثم ارتفعت إلى 66.9% في بداية أبريل، وإلى 67.7% في بداية مايو. وكان من نتيجة هذه التحولات أيضاً أن ارتفع إجمالي التداولات اليومي إلى أكثر من نصف مليار في بعض الأيام، كما ارتفع المجمل الأسبوعي إلى أكثر من 2.5 مليار في الأسبوع الأخير.
وقد وصلتني مؤخراً رسائل من القراء تسأل عن هذه الظاهرة، وكنت أجيب عليها على ضوء المتعارف عليه من ضرورة التركيز على الأساسيات، بعد فترة تستقر فيها الأسعار بعد انتهاء موسم التوزيعات. وتقتضي الأمانة العلمية الآن بيان التطور الحاصل للقراء مع التنبيه إلى خطورة المضاربات التي لا يجيدها الكثيرون وتحتاج إلى متابعات دقيقة لشاشات الأسعار، وإدراك واسع لطرق المضاربات.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ، وهو محاولة لشرح ما جرى بالأرقام والمعلومات المستقاة من تقارير إدارة البورصة، ولا يحمل بالتالي أية دعوة خاصة للبيع أو لشراء أسهم شركات بعينها،،،، والله جل جلاله أجل وأعلم،،،