فاجأ مصرف قطر المركزي الأوساط المالية بنهاية الأسبوع الماضي بقرارٍ حظر بموجبه على كافة شركات الوساطة المالية التابعة للبنوك القيام بأية أنشطة مصرفية واستثمارية، وأن يقتصر عملها على أعمال الوساطة من خلال بورصة قطر. وحدد التعميم تلك الأعمال المحظورة بأنها تشمل إدارة الاستثمار في الأوراق المالية، وترتيب وتقديم خدمات حفظ الأموال، والقيام بأعمال أمانة الاستثمار، وإدارة إصدار الأوراق المالية، والتعهد بتغطية تلك الإصدارات. وقد امتد الحظر ليشمل عدم استخدام كلمة "استثمار" في إسم أو شعار شركة الوساطة، أو في أي وثائق أو مستندات أو مراسلات أو إعلانات. وألزم التعميم الشركات المشار إليها بأن يقترن إسم كل منها بإسم البنك التابعة له بصفته مالكاً لرأس المال، وأن تعمل الشركات المخالفة منها على توفيق أوضاعها، وإشعار المصرف المركزي بذلك خطياً. وقد عزا القرار أسباب المنع إلى أن ممارسة أي من الأنشطة المشار إليها يستوجب الحصول على ترخيص المصرف المركزي وفقاُ لما نصت عليه المادة 52 من قانون المصرف رقم 33 لسنة 2006.
وقد كان للقرار صداه في وسائل الإعلام؛ حيث كانت رويتر أول من أذاع الخبر، وأضافت إليه أن بعض البنوك التي كانت ترتب للبدء في ممارسة أعمال الوساطة المالية قد قررت تأجيل وربما إلغاء هذا النشاط باعتبار أن الإيرادات المتحصلة من أعمال الوساطة المالية في البورصة لا تكفي بمفردها لتغطية المصروفات اللازمة لهذا النشاط، وخاصة مع تراجع أحجام التداول.
وفي معرض تغطيتها للخبر، استغربت قناة العربية القرار وقالت بأنه غير واضح، ويتضارب مع قرار سابق للمصرف قبل عامين بعودة البنوك لممارسة أعمال الوساطة، بعد سنوات من وقفها عن ذلك في عام 2005.
وفي رأيي أن القرار واضح وصحيح ولا يتعارض مع ما سبقه من قرارات، وقد قلت ذلك في تعليقي لقناة العربية عن الخبر، وأضفت أن القرار السابق بالسماح للبنوك بعودة ممارسة أعمال الوساطة قد اشترط أن يتم ذلك من خلال شركات تابعة لها لا أن تتم من خلال المقار الرسمية لتلك البنوك وتحت مسمياتها. وهذا الفصل ضروري انطلاقاً من أن أعمال الوساطة تراقبها وتشرف عليه هيئة الأوراق المالية، بينما أعمال الاستثمار والأنشطة المصرفية يرخص لها ويراقبها مصرف قطر المركزي. كما أن مثل هذا الفصل بين البنك وشركته العاملة في مجال الوساطة المالية، يحقق العدالة المطلوبة بين تلك الشركات من ناحية وشركات الوساطة العادية من جهة أخرى، ويوفر لكل شركة حرية العمل في جو من المنافسة الكاملة، ويمنع حدوث عمليات احتكار هي في الأصل ممنوعة ومحظورة في الاقتصاد القطري بموجب القانون رقم 19 لعام 2006. وينسجم قرار المركزي مع قرار سابق للهيئة بأن تقوم شركات الوساطة البنكية بممارسة أعمالها في مكاتب مستقلة لا علاقة لها بالبنك الأم إلا من خلال كونها مملوكة له بالكامل.
والحقيقة أن شركات الوساطة البنكية التي بدأت ممارستها لنشاط الوساطة المالية في النصف الثاني من عام 2011 ، وهي الوطني، والتجاري، ثم الأهلي، قد وجدت أن ظروف عملها الجديدة غير مواتية حيث أن أحجام التداول بوجه عام منخفضة مقارنة بما عرفته السوق في سنوات سابقة، كما أنها لم تستطع أن تستقطب ما كانت تأمله من رؤوس أموال أجنبية نتيجة ما تعانيه الدول المصدرة لرؤوس الأموال من مشاكل مالية مزمنة. وبالنتيجة اكتشفت تلك الشركات -أو بعضها على الأقل- أنها غير قادرة على تغطية مصروفاتها التشغيلية دون توسيع دائرة أعمالها لتشمل أنشطة أخرى، تتكامل مع أنشطة الوساطة وتساعدها في استقطاب المزيد من العملاء بما تقدمه من مزايا وخدمات لا تستطيع شركات الوساطة العادية تقديمها. بل أن بعض هذه الشركات قد أقدم على إعطاء خصومات على العمولات التي هي مصدر الدخل الأساسي لها ، فكان أن انتبهت الهيئات الرقابية سواء في مصرف قطر المركزي أو هيئة الأوراق المالية فتعاملت معها بحزم، من أجل حماية صناعة الوساطة المالية في قطر من الإنهيار وحماية بعض شركات الوساطة من الإفلاس كما حدث في دول أخرى كالإمارات والسعودية.
والخلاصة أن القرار الصادر عن مصرف قطر المركزي هو قرار سليم، ويحافظ على الاستقرار المالي في البلاد، بحيث لا تطغى المكونات الكبيرة في هذا النظام على الوحدات والمكونات الصغيرة فيه. وإذا كانت بعض البنوك قد تقرر تأجيل أو إعادة النظر في قرارها بالعودة لممارسة أعمال الوساطة خوفاً من تكبد خسائر لا مبرر لها في ظل تداولات ضعيفة ودون المتوسط، فإنني أؤيد اتخاذ هكذا قرار، وأنصح المصرف والهيئة بتفعيل قرار تمويل الإتجار في الأسهم بالهامش وفق ضوابط مدروسة، لأن مثل هذا القرار سيعمل على إيجاد فرص تمويل حقيقية للبنوك بدلاً من الاشتغال في أعمال لا تسمن ولا تغني لها من جوع
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ، والله أجل وأعلم